4/
فِي ظَهِيرَةٍ هَادِئَةٍ بَعْدَ ظُهْرٍ مُشْمِسٍ، قَرَّرَ وُون-بِين أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْحَدِيقَةِ الْمُفَضَّلَةِ لَدَيْهِ فِي دَارِ الْأَيْتَامِ. كَانَ يَحْمِلُ مَعَهُ كِتَابًا، يُحَاوِلُ أَنْ يَهْرُبَ مِنَ الْأَفْكَارِ الَّتِي تَلَاحَقُهُ مُنْذُ لِقَائِهِ الْأَخِيرِ مَعَ تِلْكَ المَرْأَة الَعَجُوزْ المُتَسَولَة و رِينَا اَيْضًا. كَانَ يَشْعُرُ أَنَّ شَيْئًا مَا يَتَغَيَّرُ دَاخِلَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا كَيْفَ يُعَبِّرُ عَنْهُ.
جَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ خَشَبِيٍّ تَحْتَ شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ، مُحَاوِلًا أَنْ يَجِدَ فِي صَفَحَاتِ الْكِتَابِ مَلَاذًا مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الَّتِي تَدُورُ فِي ذِهْنِهِ. لَكِنَّ سُرْعَانَ مَا شَعَرَ بِوُجُودِ شَخْصٍ قَرِيبٍ مِنْهُ. التَّفَتَ لِيَرَى رِينَا تَقِفُ بَعِيدًا، تَتَرَدَّدُ فِي الْاقْتِرَابِ. كَانَتْ تَتَرَنَّحُ بِخِفَّةٍ بِقَدَمَيْهَا، وَنَظَرَاتُهَا نَحْوَ الْأَرْضِ، وَشَعْرُهَا يَتَطَايرُ مَعَ نَسَمَاتِ الرِّيحِ بِرَقَّةٍ، مِمَّا أَعْطَاهَا مَظْهَرًا أَكْثَرَ هُدُوءًا وَغُمُوضًا. شَعَرَتْ بِنَظَرَاتِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ رَفْعَ عَيْنَيْهَا نَحْوَهُ.
"فِي درب الأحزان، تسير الأنفاس،
تتبعني ظلالٌ، تجسّدُ الآلام.
في كل نبضةٍ، أسمع صدى أحلام،
لكن أين الطريق، وأين السلام؟"ثُمَّ، بِخُطُوَاتٍ خَجُولَةٍ، تَوَجَّهَتْ نَحْوَهُ وَجَلَسَتْ عَلَى الْكُرْسِيِّ بِجَانِبِهِ، مُتَجَنِّبَةً النَّظَرَ إِلَيْهِ مُبَاشَرَةً. كَانَ الصَّمْتُ بَيْنَهُمَا مَثْقَلًا، وَكَأَنَّ الْهَوَاءَ نَفْسَهُ قَدْ تَلاَشَى، لِيَحِلَّ مَحَلَّهُ شُعُورٌ غَرِيبٌ. لَمْ يَكُنْ وُون-بِين مُعَتَادًا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الصَّمْتِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُزْعِجًا... بَلْ كَانَ يَحْمِلُ شَيْئًا عَمِيقًا.
نَظَرَتْ رِينَا إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ تُحَاوِلُ تَجَنُّبَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ تَحَدَّثَتْ بِنَبْرَةٍ خَافِتَةٍ: "أُحِبُّ الْجُلُوسَ هُنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْيَوْمِ... الْهَوَاءُ مُنَعِشٌ."
ابْتَسَمَ وُون-بِين بِخِفَّةٍ وَهُوَ يَنظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ بِهُدُوءٍ: "نَعَمْ، الْجَوُّ هُنَا... يُجَعِلُكَ تَنْسَى لِلْحَظَةٍ كُلَّ شَيْءٍ." تَوَقَّفَتْ كَلِمَاتُهُ لِلَّحْظَةٍ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ بِنَبْرَةٍ غَيْرَ مُبَاشِرَةٍ: "أَحْيَانًا، تَشْعُرُ كَأَنَّ هَذَا الْمَكَانَ يَحْتَفِظُ بِأَسْرَارِ الْأَرْوَاحِ... أَرْوَاحٍ لَا تَزَالُ تَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَا."
نَظَرَتْ رِينَا نَحْوَهُ بِبُطْءٍ، وَكَأَنَّ كَلِمَاتِهِ لَامَسَتْ شَيْئًا عَمِيقًا فِي دَاخِلِهَا. "أَسْرَار؟... مَاذَا تَعْنِي؟"
أنت تقرأ
𝐝𝐫𝐨𝐰𝐧𝐢𝐧𝐠 𝐥𝐨𝐯𝐞 _𝘗𝘢𝘳𝘬 𝘸𝘰𝘯𝘣𝘪𝘯..
Romanceما بين دقيقةٍ أُقرُّ فيها النسيان ودقيقة أحاول تجربة ذلك، مجازر تقام بداخلي ولا تتوقف ... _محمد درويش_ فَمَا أَصْعَب ْأَنْ يَرْحَلْ عَنْ عَالَمَكِ الحُبُ وَ الحَنَانْ