7

508 63 57
                                    

ام الهيثم لما وصلها الخبر من نوف تركت الجميع في المجلس وراحت تركض بلهفة وخوف على بنتها سارة، كان الهيثم واقف صوب الباب ينتظر الدكتورة تطلع..
"هيثم يمه!.." كانت أمه بصوتها الباكي تنتظره يطمنها، ألتفت عليها بوجه خالي من التعابير، يتبعونها حصه و هند وطلال..
قربت أمه تمسك كفوفه: شفيها اختك شصاير عليها؟
رفع أكتافه بعدم معرفة: مادري يمه ننتظر الدكتورة ونشوف
رفع عيونه على هند اللي واضح انها تبي تتكلم لكنها مرتبكة من نظرات الهيثم يحذرها تتراجع عن أي فكرة في بالها....
حك جبينه بتعب لأن الأمور بدأت تتعقد أكثر، بعد شكوكه في خلفيتها الاجتماعية وعائلتها صار لازم يتأكد ويقطع الشك باليقين، وفي نفس الوقت المصيبة كيف يصارح أهله في ان هذي مو بنتهم سارة، والخَبر اللي يقطع قلبه قبل قلوبهم حقيقة ان سارة متوفية من سنين طويلة في بلد ثاني...
قطع عليه شروده خروج الدكتورة من الغرفة، فَزت ام الهيثم تمسك كفوف الدكتورة برجاء كامل: طمنيني يا دكتورة، شلونها بنتي؟
عقدت حاجبها الدكتورة: صادها هبوط، سويت اللازم و ممكن تصحى بعد كم ساعة لما يرتاح جسمها لكن مهم تاخذونها للمستشفى تفحصونها و تتأكدون، ما عليها الا العافية..
تنهد الهيثم براحة و مشى يرافق الدكتورة بالخارج في حين الكل دخلوا يتطمنون عليها..
لزمت عليه الدكتورة: أخ هيثم اتمنى ما تهملون موضوع طيحتها، قلتلي ان الموضوع تكرر قبل فترة بسيطة
هز رأسه بالإيجاب: ان شاء الله..
رجع بخطواته يشوف هند واقفة تنتظره تسند ظهرها على المدخل و متكتفه: نقدر نتكلم شوي؟
ألتفت حوله ما يشوف أحد، الجميع لاهين في العزيمة وأمه و حصه في غرفة وجدان و طلال رجع للمجلس عند ابوه يطمنه..
سحب هند من ذراعها يدخلها لغرفة ثانية ويقفل الباب وراه ويلتفت عليها: خير يا هند شعندج؟
رفعت حاجبها: شكلك تعرف شي كبير من ورانا، شسالفة سارة؟ او جوري؟ او يمكن وجدان ما أعرف احترت!!
قلب عيونه بنفاذ صبر: لا تتدخلين في شي ما يعنيج
قاطعته: شلون ما يعنيني؟ البنت اللي دخلت حياتي على اساس انها اختي الكبيرة يطلع ماضيها عكس اللي قالته لنا ونعرفه؟ والغريب تدري شنو ان أنت و عمتي نعيمة واضح عندكم خبر وتستروا عليها، السؤال هنا ليه؟ منو هالبنت؟ وشنو قصتها؟ وليه تكذب على امي وتخليها تتعلق في بنت ماندري....
قاطعها الهيثم: من الآخر هند، قولي شنو تبين عشان تسكتين!
رفعت حاجبها وضحكت بسخرية: شنو ابي عشان اسكت؟ يعني تظن اني قاعدة اكلمك لأني ابي منك شي؟
هز رأسه: انا اعرفج هند، انتي بخور السوق لو كان قلبج على أمي كان تكلمتي على طول، لكن الواضح تبين شي...
توسعت عيون هند بعدم تصديق: ما اصدق اللي قاعد تقوله لي الحين هيثم، تراني اختك مو حد من المجرمين اللي تحقق معاهم وتلاحقهم شهالاسلوب! وشنو ابي مثلاً غير الحقيقة!
كانت تعاتبه لكن الواضح عتابها ما هَز فيه شعرة واقف قدامها يناظرها وكأنه فارغ بلا مشاعر: خلصتي كلامج؟
سكتت هند بذهول من أسلوبه اللي ما اعتادته
كمل الهيثم: ما تنطقين ولا حرف، و جوري ذيك تسكتينها ولو انتشرت السالفة راح الومج انتي يا هند صدقيني
رجع بخطواته يفتح باب الغرفة ويطلع بكل سكونه، يترك خلفه هند تناظره بصدمة من غرابته، اعتادت تشوف الهيثم غريب أطوار و قاسي ومتبلد المشاعر خصوصاً بعد وفاة مُنى، لكن انها تشوفه يشوف الحقيقة ويسكت عنها؛ حقيقة راح تدمر أمها وأهلها كلهم! دام إنه نوى يسكتها يعني كلام جوري حقيقي، سارة كذبت عليهم وما هي سارة الحقيقية..
طلعت من الغرفة تتبع خطوات الهيثم اللي رجع للمجلس ولا كأنه صار شيء، دخل يشوف القلق واضح على أبوه و جده..
ابتسم لهم الهيثم يطمنهم، ثم ألتفت يشوف عبدالرحمن جالس مع جابر يتكلمون، بو حمد ما اتخذ قراره بخصوص عبدالرحمن لكن وجوده في العزيمة مهم و ضروري، كله الا صورتهم لا تخترب قدام الناس...
كان بوحمد يطيل النظر في عبدالرحمن ثم جابر ثم الهيثم، ويرجع يناظر ولده بو الهيثم وكأنهم متفقين على شي..
تنحنح بوحمد يلفت انتباه ضيوفه وجماعته، أول من رفع عينه عليه كان عبدالرحمن اللي ملهوف على نظرة من أبوه بعد قطاعة دامت أسابيع وأيام مَرت وكأنها دهر على قلبه المجروح..
بدأ بوحمد كلامه يشكر حضور الجميع ثم أردف: مثل ما تعرفون بعد كم يوم ملكة جابر وكلكم معزومين من طرفي، بنت ناس و أجاويد ونعرفهم زين، بنت خاله أزين من اختار جابر وان شاء الله ربي يبارك لهم ويسخرهم لبعض
توجهت الانظار لـ جابر اللي يبارك واللي يهني واللي يتساءل بينه وبين نفسه "معقولة أعزف عن الزواج سنين و بنت خاله قدامه؟ توه يتذكرها؟ ولا في موال ثاني؟.." جابر كان يستقبل التهاني بهدوء و نوع من البرود، مو مستوعب ان الشوفة الشرعية تمت والبنت وافقت وأهله حددوا موعد الملكة، وهو ما يذكر ولا شيء من هذا كله، كل اللي يذكر وجه حَصه وهي تبارك له تحت المطر وعيونها تشتعل بمشاعر ماقدر يفسرها..
نغزه عبدالرحمن عشان يبتسم ويجامل، واستجمع كل جهده وشجاعته وابتسم ابتسامة صفراء للجميع ثم التقت عيونه بعيون أبوه اللي هز له رأسه بطريقة تحذير..
كمل بوحمد كلامه: وفي نفس الوقت انتظركم تباركون حق ولدي عبدالرحمن مقدماً، قررنا نزوجه وملكته تكون ثاني يوم بعد ملكة جابر، لكن اعذرونا الملكة مختصرة بين أهل البنت و عايلتنا وبعدها يروحون شهر عسل ويرجعون بدون عرس..
عبدالرحمن انصفق وجهه بذهول من اللي يسمعه ما توقع أبوه يعلنها الحين وقدام الكل، لكن الواضح انه يبي يحفظ ماء وجهه لأن رغد حامل لا اكثر ولا اقل.. رغم هالشيء فَرح وانشرح صدره واعتلت الابتسامة وجنتيه و جلس يرد على مباركاتهم..
بدأ ينزعج من سؤالهم عن البنت أصلها و فصلها، كان ناوي يرد لكن بو حمد تولى المهمة عنه..
ابتسم بوحمد في وجيه الحاضرين: ولدي اختاري بنت الدكتور ماهر صاحب مستشفى الحياة الخاص معروف ما يحتاج للتعريف، ماشاءالله عليها بنت عيلة وناس نعرفهم من سنين وأبوها رفيج عيالي ماهم غريبين علينا..
أنقذ الموقف بوحمد و سَكت الجميع، ألجمهم في ظِل محاولاتهم للهجوم عليه وعلى عبدالرحمن وحفظ ماء وجه عبدالرحمن من جديد في نفس الليلة، صحيح إنه غير راضي تماماً عن هالزواج لكن ما يسمح لأحد يستصغر ولده او يتكلم عليه بالشينة و رأسه يشم الهواء..
انتهت العزيمة بخيرها و شرها، ووقف عبدالرحمن بدون مقدمات يركع على ركبته قدام كرسي أبوه المتحرك و يبوس كفوفه ويحضنه: مشكور يُبه والله انك عطيتيني الدنيا ومافيها
غمض عيونه بوحمد بعدم رضا: حفظت ماء وجهك قدامهم بس، ولا انت تدري اني مستحيل اغير رأيي ومستحيل ارضا عليك دامها على ذمتك، روح جيبها تقعد معاك في بيتنا بهدوء وبعدها سافروا كم يوم شهر عسل وترجع تعيش ما اسمع لها حس ولا تشوفها عيني لين تولد و تطلقها فاهم....
تلاشت ابتسامة عبدالرحمن و غَص بفرحته الناقصة: يبه تكفى!
رَد بوحمد بحزم: قلت اللي عندي، ولا اسمع لك حَس فاهم!!
ابتعد عبدالرحمن بخاطر مكسور وطلع من المجلس يتجاهل نداء جابر و الهيثم له، أسرع الهيثم بخطواته يلحق عبدالرحمن ويناديه بأعلى صوته: عبدالرحمن!!!!
ألتفت عبدالرحمن: هيثم خليني بحالي تكفى
شد هيثم على ذراعه: لا تسوق وأنت بهالحال، خلني أوصلك
ابتسم له عبدالرحمن يطمنه: تطمن راح انتبه عدل، وراي زوجة و طفل ينتظروني في البيت ماعندي نية أروح واخليهم
رغم ابتسامته آلا إن الحزن كان واضح عليه وفرحته اللي تلاشت بعد كلام بوحمد صارت حسرة عليه: بروح اخذ زوجتي لـ بيت أبوي ونبدأ حياتنا من جديد معاه..
راح عبدالرحمن يسوق سيارته ويبتعد و الهيثم يناظره بهدوء ويستودعه الله هو اللي اصبح يخاف من الحوادث، ويعرف ان عبدالرحمن متهور في طبعه وبهالحال يخاف عليه..
'
صحت وجدان ورأسها ثقيل، ألتفت حولها تشوف هند قاعدة عند رأسها والغرفة شبه مُظلمة، فَزت وجدان من مكانها تستوعب اللي صار واخر شيء تتذكره وجه الهيثم و جوري اللي من شافتها انقلب حالها فوق تحت، استقعدت بجلستها ومدت يدها على جبينها بألم من شدة الصداع: شصار؟
تساءلت تجس نبض هند اللي ابتسمت بخفة: تبين تعرفين شصار لانج ناسية؟ ولا تجسين النبض خايفة!
عقدت حاجبها وجدان: شتقصدين ما فهمت؟
أطلقت هند تنهيدة طويلة: اسمعيني سارة، او جوري؟ او وجدان بالأصح...
انقبض قلب وجدان خوفاً من أن الخبر انتشر: هند...
قاطعتها هند: مادري شسالفة، ولا أعرف انتي منو وليه دخلتي حياتنا وتنكرتي وكذبتي على اساس انج اختي سارة لكن اللي متأكدة منه ان عمتي نعيمة و اخوي هيثم يساعدونج
سكتت ثواني ثم كملت: او على الاقل يغطون عليج لأسباب ما يبون يفصحون عنها، لا تحاولين تنكرين
غمضت عيونها وجدان بقهر مالها مَفر الواضح ان مو بس هيثم داهية، حتى هند داهية وطالعة على اخوها وبدأت تربط الأحداث مع بعضها: شنو تبين الحين؟
ابتسمت هند بسخرية: شفيج انتي وهيثم نفس التفكير، شنو ابي منج مثلاً؟ وحدة مثلج مقطوعة من شجرة شنو ممكن تقدم لي او تضيف في حياتي؟
رفعت وجدان حاجبها بغضب: هند احترمي نفسج!!!
ضحكت وجدان: وليه احترم نفسي بعد كل شي سويتيه فينا؟ فتحنا لج بيتنا وقلوبنا واخر شي تطلعين نصابة؟ انا اللي مفروض اسألج شنو تبين عشان تطلعين من حياتنا!!!
وجدان اللي كانت متمددة على السرير وتسند ظهرها بتعب ماقدرت تتحمل كلام هند وفَزت على حيلها: نعم!!!
قلبت عيونها هند بانزعاج: كلامي واضح...
وقفت وجدان على حيلها بغضب: قلتي لي كلامج واضح؟
ولأول مرة وجدان تحس بالإهانة، من نظرات هند وكلامها وتعاملها معاها بهاللحظة وكأنها أرخص مخلوق على وجه الكرة الارضية: انتي منو عشان تتكلمين معاي بهالاسلوب!!!
كان صوت وجدان عالي ونبرتها حادة، ارتعبت هند لوهلة تخاف الصوت يسرى وأهلها يصحون: قصري صوتج وجدان
ضحكت وجدان: ليه؟ خايفه حد يسمعنا؟ يا حرام عندج وايد أشياء تخسرينها لكن لحسن حظي انا ماعندي شي اخسره
حصه اللي كانت في الغرفة الثانية نايمة مع ولدها فراس صحت على صوت وجدان وهي مفزوعة: بسم الله شفيكم ليه صوتكم طالع؟
ناظرتها وجدان: اسألي اختج قليلة الأدب
عقدت حاجبها هند: ما قلت شي حصه والله...
التفتوا يشوفون وجدان تلبس عبايتها وتاخذ شنطتها وتنزل، شهقت هند وكأنها عرفت نيتها: سارة وقفي
ناظرتها وجدان بضحكة: سارة من؟ نسيتي اني وجدان!
كانت حصه تناظرها بصدمة: منو وجدان؟
ما رَدت عليها وجدان ونزلت رغم محاولات هند و حصه في أنهم يوقفونها، صرخت هند: ياخي تكفين والله بعتذر...
وعلى هالشوشرة والازعاج صحت ام هيثم و نعيمة وحتى بو حمد والأحفاد كلهم، هيثم اللي كان صاحي ما نام اصلاً نزل مع طلال مستغربين من الضجة يشوف وجدان لابسة عبايتها في وسط الصالة تبي تطلع لكنهم يمنعونها..
بو حمد اللي ما تحمل الضجة أردف بصوت عالي: ما تحشمون أحد!!
كلهم سكتوا ونزلوا عيونهم على الأرض حشيمة له الا وجدان ابتسمت بخفة: للأسف ما احشم احد، شكلكم ناسيين اني تربيت بدون أب و أم يعلموني الحشيمة، صح يا هند؟
نزلت عيونها هند على الأرض بقهر: اقصري الشر..
لكن وجدان بهاللحظة الشيطان راكب رأسها، ما عاد يهمها أحد وكل اللي يهمها انها تحرق قلب هند اللي حرقت قلبها بكلامها
هيثم اللي بدأت تتشكل الصورة في باله ويفهم، الواضح هند استفزتها و وجدان باعتها ماعندها شيء تخسره بالفعل..
عقد حاجبه بو الهيثم: سارة يابنتي عيب تردين في وجه حد اكبر منج...
قاطعته: سارة بنتك؟
تقدم الهيثم يمسكها من ذراعها: امشي معاي برا..
كانت عيونه تشتعل بخوف، خايف من اللي بتقوله و خايف على أهله وخايف من الاسئلة اللي ما لقى لها جواب، بينما هي كانت عيونها تشتعل بغضب ونيران الغضب تاكل نيران الخوف وتسطى على كل المشاعر، الغاضب ماعنده شي يخسره عكس الخايف يتشبث في أدنى قَشة تبعده عن الكارثة..
ابتسمت وجدان بسخرية: ليه خايف الحين؟
ما رَد عليها وسحبها بكل قوته من بينهم ياخذها معاه للخارج، ما كان الجو هادي كانت الدنيا تطق مطر قوي في اواخر الليل وصوت الرعد يطغى على صوتها: اتركني شنو تبي مني!!
همس لها بقهر: شنو ناوية تسوين؟ استخفيتي يا بنت؟
عقدت حاجبها: اي استخفيت، تبي تلوي ذراعي أنت و أختك اللي بنص عقل داخل عبالكم بخاف؟
حاولت تسحب ذراعها من قبضته لكنه كان أقوى: انسى اللي ناوية عليه، لو نطقتي حرف واحد وربي اضيع مستقبلج انتي والدكتور اللي تحتمين فيه بكل وقت...
ضحكت بسخرية: تهددني يعني؟ ماتقدر تسوي شي وترا ما يهمني
رفعها لمستواه و أردف بغضب عيونه تأكلها ويده تضغط على ذراعها بقوة كانت قريبة من مستواه ما يفصل بينهم سوا نسمات الهواء الباردة و رذاذ المطر اللي يضرب وجهها، تسارعت نبضات قلبها وهي تحس بدفء أنفاسه يداعب وجنتيها الباردة وحرارة كفوفه تخترق برودة خلاياها وهو يمسكها بإحكام، تسمع كلامه وتهديده لكن عقلها في مكان ثاني وعيونها اللي ارتخت بهدوء تعانق عيونها الناعسة الغاضبة..
"كلمة زيادة تقولينها تلقين نفسج بالسجن!.."
ميلت رأسها بإبتسامة: والله؟
أكد على كلامه: والله..
حطت يدها على صدره تبعده عنها: تدري انك مو محرم لي وقربك هذا محظور، ولا حلال عليك وحرام على غيرك؟
وقف بذهول له ساعة يتكلم وهي هذا تفكيرها، ما ينكر إنها ألجمته في سؤالها، بالفعل هو يعرف انها مو أخته وفي كل فرصة يبعد طلال والبقية عنها لكنه ما كلف نفسه عناء يبتعد هو بنفسه عنها، لكنه كَابر عليها وابتسم: عيوني ما تشوفج كَـ أنثى تطمني، انتي بعيوني مَجرد قضية اشتغل عليها..
رفعت حاجبها ورجعت خطوة للخلف: اعتقد قضيتك راح تنتهي الليلة...
شافت نعيمة واقفة عند الباب تناظرهم، شاهدة على الموقف من بدايته لنهايته وعيونها تنتقل بين هيثم و وجدان، واحد يشتغل بنيران وخوفه كان واضح، خوفه على أهله وخسارتهم، والثانية تبتسم ببرود مثل جبل جليدي.. التقت عيونها بعيون نعيمة وضحكت: اموت و أعرف سبب الخوف هذا كله؟ خلونا نجرب
ابتعدت عن هيثم اللي سمح لها تمشي وغمض عينه لأنهم وصلوا للنهاية فعلاً، و تخطت نعيمة اللي حاولت توقفها ومسكتها من ذراعها: وجدان مو وقته أبوي..
ناظرتها وجدان بطرف عينها: مو مشكلتي ترا محد يهمني!
ألتفت تشوف الهيثم يرفع سماعته ويتصل في شخص وعينه بعينها وبدون تردد أعطى أوامره: سوي اللي قلت لك عليه
كان يناظرها بتحدي، يستفز اخر ذرة صَبر وتردد بداخلها لكن بعد هالنظرة وجدان عزّمت، تخطت نعيمة ودخلت تشوف الكل يحقق مع هند يظنون انها أزعجت سارة وزعلتها..
لما دخلت عليهم وجدان التفتوا عليها جميع: سارة..
قاطعتهم: انا مب سارة
ارتسمت الحيرة على محياهم، كملت بهدوء: ولاني جوري حتى
غمضت هند عيونها بخوف من هدوءها، ودخل الهيثم مع نعيمة خلفها وناظرتهم وجدان ورجعت تحط عينها بعيون بوحمد اللي كان عاقد حاجبه، وأردفت ببرود: انا وجدان، بنت الميتم مجهولة الأبوين واخصائية علاج طبيعي قَد الدنيا، ماني جاهلة ولا غبية وتركت دراستي واشتغلت بوظيفة بسيطة عشان أعيش مثل ما كلكم تظنون، يمكن اني عشت أحسن من اغلب بناتكم في هالبيت، عَشت بحريتي الكاملة الحمدلله..
ما كانوا فاهمين شيء ويناظرونها بدهشة، الا نعيمة اللي غطت فمها بصدمة وعينها على ام الهيثم اللي قلب وجهها ألوان
ابتسمت وجدان لهم: اعذروني، كل شيء كان كذبة من بداية دخولي لحياتكم كَـ سارة ومتنكرة بأسم جوري، لكن بالحقيقة انا وجدان بنت المتيم اللي نعيمة كانت مديرته وكنت أناديها "ماما نعيمة"؛ وهي تعرفني حَق المعرفة لكنها قررت تتستر علي لأسباب مجهولة..
شهقت ام هيثم: شتقولين يا بنتي مو فاهمة!!
حصه وقفت تسند أمها وناظرتها وجدان بنوع من الحنية والعطف على حالها: للأسف، حتى ولدج هيثم اللي شادة ظهرج فيه كان يعرف الحقيقة و ساكت! و هو بنفسه طلب مني أكمل اللعبة و أمثل اني سارة بنتكم لوقت طويل..
توجهت الانظار لـ هيثم اللي كان واقف ببرود يناظر وجدان وهي تشرح كل شيء من البداية للنهاية، تشرح بذمة وضمير وتفضح نفسها لأنها اكتشفت ان ماعندها شي تخسره وأنجرح غرورها وكبرياءها بعد كلام هند، ما عاد يهمها لو طلعت بدون ما تكسب شي من هاللعبة الا غرورها يكفيها..
الكل في حالة صدمة وذهول ام الهيثم تبكي و أبوه يهاوش الهيثم ونعيمة البنات دخلوا بحالة صدمة وطلال كان اكثر المصدومين في أخوه، عيال ابو جابر كانوا يناظرون الموقف بذهول في ظِل أبوهم اللي كانت عينه تراقب بوحمد خوفاً عليه، لكن الغريب ان بوحمد كان هادي و ساكن بشكل مُريب
تنهدت وجدان: وبصراحة انا طفشت من التمثيل، و قررت أبيعها لأن ماعندي شي أخسره لكن..
عقدت حاجبها بخفة: نصيحتي لكم دوروا ورا ولدكم هيثم و نعيمة، وراهم شي يخشونه بخصوص سارة...
نعيمة وجهها بدأ يقلب ألوان لكن الهيثم واقف وثابت على حاله لدرجة ان وجدان بنفسها استغربت بروده، كانت الفوضى تسيطر على المكان بين بكاء وصراخ وهواش وانفعال وهو ما حَرك ساكن.. أقترب أبوه يضربه كف من قوته الكل أنصتوا، ناظره الهيثم بهدوء وصرخ فيه أبوه: أنت واجد عليك أسمك، تدخل بنت غريبة ما تحل لنا بيننا وتتفق معاها شنو المقابل؟ وليه سكتت؟ وين اختك سارة يا هيثم!!!!!!
غمض عيونه الهيثم بغضب وألم: اي انا كذبت عليكم ومشيت اللعبة، لكن ما تساءلت ليه ما لقينا أختي من سنين؟ وشلون ضاعت في محطة سفر ما كان فيها أحد غيرنا؟
أشر الهيثم بقهر على عمته نعيمة: ولا شرايج يا عمتي؟
هلت دموع نعيمة و سكتت تحس الكون كله ينسحب من تحت أقدامها وعينها على أبوها اللي يطالعها بصدمة وذهول..
ابو الهيثم ترك ولده وراح يمشي لأخته وحيدته: نعيمة شنو يقصد هيثم؟ على شنو يلمح؟
بكت نعيمة وتعالت شهقاتها: والله ياخوي سويتها من قهري منك فترة مؤقتة أحرق قلبك لكنني ندمت وقعدت عمري كله أدور عليها وأحاول اكفر عن ذنوبي لكن....
ما عطاها مجال تكمل وصفعها بقوة لدرجة انها طاحت على الأرض وصرخ بوجهه ابو جابر: حمد استخفيت اتركها!!
رَد عليه ابو الهيثم بنفس الصراخ وتدخلوا العيال بينهم يحاولون يفكون بينهم و نعيمة تبكي بصوت عالي وتشهق، ام الهيثم دخلت بحالة صدمة وسكون تام ما حركت ساكن تشد على قبضة يدها بعدم استيعاب وتناظر بناتها اللي يبكون بصمت وقلوبهم محروقة عليها هي، على أمهم اللي اكلت صدمتين في نفس اليوم وما يدرون كيف راح تتحمل هذا كله، انسحبت بهدوء من بينهم وصعدت غرفتها ومعاها بناتها الثنتين و ام جابر وهنوف و نوف..

غريب الدار مُناي التسليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن