One

88 9 11
                                    





عبر زوايا تلك المدينة الساحلية التي تنام على أنغام الأمواج، هناك أسرار تتراقص في الهواء مختبئة خلف ستائر النوافذ. في حقبة الثمانينات حيث كانت الأضواء تنطفئ مبكرًا وتبدأ النجوم بالتلألؤ في السماء حالمة، تسير الحياة بخطى هادئة، بينما كانت القلوب تخفي شغفها خلف جدران من الخوف والأمل.

وعبر أسطح المنازل المتقابلة، كانت الألحان تنبعث من عمق الليل، تحمل معها أحلامًا لم تُروَ كنسيمٍ رقيق يتسلل عبر النوافذ المفتوحة تحمل معها عذوبة الذكريات. حتى تراقصت النغمات في الفضاء، انعكس نور القمر على أسطح المنازل، وكأنه ينسج خيوطًا من الأمل في سواد الليل. كل لحن يحمل لمسة من الحزن والفرح، ينقل مشاعر عميقة دفنت في القلوب. تتداخل الاصوات مع نسيم البحر البارد، وكأنها تشكل نغمة من الحكايات المنسية. في تلك اللحظات، كانت الأرواح تبحث عن اتصال، تدرك أن الحب يمكن أن يُزهر حتى في أكثر الأوقات ظلمة.

بينما تتراقص الأضواء بعيدًا، كانت القلوب تخفق عميقاً، معلنة عن بداية قصة غامضة ستجمع بين اثنان، لتنسج من خيوط الواقع والأحلام عالمًا جديدًا خاصاً، حيث يُمكن للحب أن يتحرر من قيود الزمان.





'۱۹۸۰ احدى الدول العربية'
يوم الجمعة العاشرة صباحا

استيقظت سارة على ضوضاء شديدة. نهضت من سريرها تشعر بالضيق توجهت نحو نافذتها لتعرف مصدر الإزعاج. لاحظت أن النافذة المقابلة لغرفتها مفتوحة، رأت مجموعة من الحقائب وعددًا من الأشخاص يتحدثون مع شخص ما، لكنها لم تستطع رؤية من يتحدثون إليه أو فهم ما يجري. بقيت واقفة بمكانها لبعض الوقت تحاول أن تستوعب ما يحدث، حتى أدركت أن الجميع خرجوا من الغرفة ووقع نظرها على شخص يجلس على طرف السرير رأسه بين يديه وعلى ما يبدو لها انه يبكي رق قلب ساره على هذا المنظر رغم انها لا تعلم ما سبب بكائه حتى انها لا تعرف من هو هذا الشخص فقط شعرت بالأسى تجاهه، اثناء مراقبتها له وقعت عيناها على كتفيه التي كانت تهتز من شدة شهقاته. نهض واقفًا ليظهر أمامها شاب طويل القامة، بعيون جميلة شديدة السواد كبيرة محمرة من البكاء، وشعره الأسود الكثيف بدا مشعثًا. التقت نظراتهما للحظة، فابتسمت له سارة ولوحت بيدها، لكنه لم يظهر أي ردة فعل كان ينظر لها بملامح خالية من المشاعر وأغلق النافذة بغضب. شعرت سارة بالإهانة من تصرفه الوقح، تمتمت بكلمات غير مفهومة وهي تتحرك متوجهة إلى دورة المياة تستعد ليوم جديد. ارتدت بنطال اسود واسع وكنزه بلونها المفضل الازرق بحكم ان الشتاء على الأبواب وبالطبع لا تريد ان تصاب بالحمى.

توجهت للمطبخ بخطواتها السريعة تجري الى الأسفل تريد ان تسكت عصافير بطنها فور دخولها للمطبخ غزا انفها رائحة الطعام الشهية فابتسمت لوالدتها مقتربه منها تقبل وجنتيها "صباح الخير امي" ألقت نظرة سريعة على صغيرتها بإبتسامتها اللطيفه "صباح النور حبيبتي غريبة صحيتي قبل اصحيك" اردفت سارة سريعاً "ما يحتاج صحيت من الإزعاج الي بالشارع وش صاير؟" اردفت والدتها بينما كانت يديها مشغوله بصنع الفطور "اووه هذول جيرانا توهم واصلين الله يعينهم على الترتيب وحوسة النقل" قبل أن تنطق سارة قاطعتها والدتها سريعاً "يلا عاد سوسو خلي عنك الكلام الزايد وروحي صحي اخوانك عسى يمديهم على صلاة الجمعه ولا يعصب ابوك" ذبلت ملامح سارة لأن كل تفكريها كان بالأكل لكن سرعان ما انصاغت لطلب والدتها لترد بهمس "حاضر" واخذت خطواتها للدور العلوي تطرق باب غرفة اخاها الأكبر "عزوز يلا امي تقول اصحى لا يعصب ابوي" انفتح الباب ليظهر عبدالعزيز بكامل انقاته والإبتسامة على وجهة "صباح الإزعاج الحلو منك" ضحكت سارة وعانقته سريعاً ليلف ذراعيه حولها وهو يضحك معاها "عزوز طيب شرايك تصحي سلطان لأني ابي انزل افطر مرة جوعانة" ابتسم على لطافة شقيقته الصغرى ومد يد يحرك خصلات شعرها بعشوائية "ابشري بس ترا امي ماراح تخليك تفطرين لين كلنا ننزل.. طيب والجوهرة صاحية؟" هزت سارة رأسها بالنفي "خلاص الحين بروح اشوفها وانت شوف سلطان بالله خليك سريع" ابتسم لها وذهب لغرفة اخاه الاصغر طرق الباب ولم يسمع اي اجابة منه فقرر ان يفتح الباب، اعترت ملامحة الصدمة حين وجد الغرفة فارغة كلياً استغرب لكنه فكر انه ربما خرج باكراً اغلق باب الغرفة متجهاً الى غرفة المعيشه حيث وجد والدته تضع الإفطار على طاولة الطعام والجوهرة كانت تحاول تشغيل التلفاز العتيق، الذي كان يعمل بشكل متقطع، بينما كانت تمسك بيدها زجاجة من البيبسي "الجوهرة خلي عنك التلفزيون ماراح يشتغل لازم يتعدل من السطح وروحي ساعدي امي يلا" نظرت الجوهرة ونطقت بترجي "عزوز ارجوك تصلحة الحين متابعة برنامج ما ابغاه يروح علي" هز رأسه بالنفي سريعاً "جوجو انسي اني اطلع الحين السطح كله تراب مابغى اوصخ ثوبي شوفي سلطان وينه وخليه يطلع يعدله لك" تأففت الجوهرة بضيق "اف مامنك فايدة!" حركت رأسها تبحث بعيناها عن سلطان ولم تجده بغرفة المعيشة اخذت خطواتها لباب المنزل فتحته واخرجت رأسها صارخة بأسمه وحين لم تجد اي رد تراجعت للداخل وقبل ان تغلق الباب سمعت صوت باب الشارع يفتح ويدخل سلطان للمنزل وهو يبتسم "سلطاني! وينك من اول ادورك ما حصلتك" ضحك بخفة "تدوريني مشتاقه لي ولا تبين شي" ابتسمت بتوتر "لا لا اكيد مشتاقه لك بس طلبتك تروح السطح تشوف وش مشكلة التلفزيون مو راضي يشتغل" هز رأسه بالإيجاب "ان شاء الله بطلع الحين بس بشرط تسوين لي شاهي" اتسعت ابتسامتها لتنطق سريعاً "حااضررر بس شاهي ابشر من عيوني الان اسويه" ضحك وهو متوجه للسطح ملبياً طلب اخته الكبرى.


Windowحيث تعيش القصص. اكتشف الآن