Four

20 4 2
                                    








الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً، لم يعد يحتمل الانتظار أكثر. وقف بعد أن ارتدى وشاحها؛ ذلك الوشاح
الذي حين اخبرها سابقاً انه ينوي عدم ارجاعه لها ابدا وهي بكل لطافة اخبرته بأنه لا بأس وانه يبدو اجمل عندما يرتديه.

قرر الذهاب إلى السطح لانتظارها، لكنه صُدِم عندما وجدها جالسةً على حافة السور، تحدق في الفراغ. وجهها شاحب، وأنفها محمرٌ من البرد القارس، دليلاً على طول انتظارها له. اقترب منها، وبصوت دافئ نطق "من متى تنتظرين؟"
رفعت عينيها إليه بفرحٍ، وكأن قدومه بعث فيها الحياة مجددًا. ابتسمت وهي تنطق "مو من زمان، يمكن ساعة ونص. بس كويس جيت حسبتك بتسحب على وعدك لي" ابتسم وهو يجلس مقابلًا لها، وحين جلس ارتطمت ركبته بركبتها، لكنها لم تبتعد كعادتها. نظر إليها بعدم تصديق، فابتسامته تتوارى ببطء وكأنها تذوب تحت ثقل شيءٍ يخفيه "سارة فيه كلام ضروري لازم تسمعينه... ما أبغى تقاطعيني أبداً، و... وخليني أقول كل اللي عندي.. وابيك تكونين متأكده اني بكون متقبل ردك مهما كان" أومأت برأسها، مستعدة لسماع ما سيقوله. أخذ نفسًا عميقًا ثم بدأ بصوت مرتجف، وكأن كلماته تُثقل صدره "قبل سنة، كنت إنسان طبيعي جداً، ما أعاني من أي مشكلة، لكن فجأة بديت ألاحظ أعراض غريبة... كحة مستمرة، صعوبة بالتنفس، إرهاق، حرارة، ألم بالعظام، نزيف. رحت المستشفى، تحليل دم، كشف، أشعة... كل شي. كنت أتمسك بأمل أن التشخيص الأولي يكون خاطئ، لكن للأسف، كل شي كان يشير إلى شيء واحد... إصابتي بالسرطان." رفع رأسه لينظر إليها، وكانت ابتسامته تحمل حزناً عميقاً. وضعت يدها على فمها، عيناها تتسعان بصدمة ويداها ترتجفان، تحاول منع دموعها من السقوط، لكن ماسمعته كان أكبر من قدرتها على التحمل.
تابع حديثه بصوت هادئ "اعرف بتفكرين، تقولين ايش دخل كلامي هذا في تجاهلي لكِ الأيام اللي راحت" همّت أن تهز رأسها وتنفي، لكن بدر رفع يده، ووضع كفه على ركبتها التي ما زالت ترتطم بركبته، ونطل بصوت خافت "خليني أخلص كلامي" أغمضت عينيها بينما تابع هو حديثه "استأصلوا جزء من كليتي، وبعد العملية، كنا كلنا متفائلين، لكن للأسف، رجعت لي نفس الأعراض، وعرفنا إنه انتشر بأماكن ثانية بجسمي. انتقلنا عشان علاجي، لأن الأطباء قالوا هنا المستشفيات أحسن. والسبب اللي ما جيت فيه الأيام اللي راحت هو إني رجعت لجلسات العلاج... والله نادم إني ما عطيتك خبر، بس مابغيت اشوف الحزن بعيونك الي الحين قاعد اشوفه" خفض صوته جدا مضيفاً على حديثه "اسف اني سبب حزنك"
شعر بدر بدموعها التي انهمرت دون توقف، وهي تتصارع مع نفسها لتقبل الحقيقة التي فاجأتها كعاصفة. لكنه تابع حديثه بصوت مختنق "قبل ننقل انا وعدت نفسي ما اكون أي علاقات... تعرفين مابي اعلق احد فيني وانا عارف انها فترة ..." قاطعته بصوت متحشرج، ودموعها تتساقط بغزارة "لا، لا تقول كذا الأعمار بيد الله، ومحد يعرف متى يومه" تنهمر دموعها بغزارة، لكن محاولات كبحها تبوء بالفشل. لم تستطع مواصلة الحديث، فقد خانتها الكلمات أمام وقع الصدمة التي تعصف بها. تنهد وأخذ نفساً عميقاً "عندي كلام ثاني، بس قبل ما أقول لك، أحتاج منك وعد... إذا صار لي شيء، لا قدر الله، مابيك تبكين علي وتكونين سعيدة لأني وقتها بكون ارتحت من كل الألم اللي أشعر فيه يومياً" مسحت دموعها التي لم تتوقف عن الجريان على وجنتيها، ونظرت إليه بعينين يملؤهما الحزن، ثم همست بصوت مخنوق "أوعدك" واصل النظر إليها بعينيه المثقلتين بالحزن "تدرين؟ ضميري يأنبني بعد كل جلسة تجمعنا سوا.. سارة، والله ما أبغى أعلقك فيني أكثر من كذا..." قاطعت كلماته بسرعة، كأنها تحاول أن تثبّت الحقيقة داخلها قبل أن يفلت منها أي شيء "بدر انا راضيه ومالك دخل فيني تأكد اني راضيه تمام الرضا"
نظر إليها بشيء من الشوق والراحة الممزوجة بالقلق. "بكلامي هذا عارف اني راح اكون أناني لكن سارة حاولت اتجاهل مشاعري طول الفترة الي راحت احاول اسمع لعقلي الي بالعادة يكون عقلاني لكن للأسف عقلي وقلبي كلهم مشغولين بشيء واحد" اتسعت عيناها، وقد بدأت تدرك ما يحاول إيصاله، تترقب كلماته التالية بلهفةٍ وخوف. فجأة، أمسك بيدها برفق، مقربها نحو صدره شعرت بدقات قلبه تتسارع بشكل جنوني، وكأنما أراد أن يبوح بمكنوناته. ابتسمت بعينيها الغارقتين في دموع صامتة، بينما أكمل كلامه "سارة، من أول لقاء بيننا، كنت أعتقد إنك مجرد صديقة لا أكثر... لكن بطريقة ماعرف كيف كسرتي كل حواجزي، وقدرتي تعيشين جوا قلبي... صار يومي صعب بدونك، وتمنيت اني أقدر أكلمك بكل وقت ابيه. لاحظت كيف تعلقت فيك وحاولت أتجاهل، بس ما قدرت، وادرك إني احبك جدا.." أنهى كلامه وهو يحاول كبح دموعه، لكنه لم يستطع، خاصةً وهو يرى الفتاة أمامه تبكي دون توقف. رفع رأسها بلطف، يمسح دموعها برفق بإبهامه، ونطق ممازحاً "كل هالدموع عشاني؟ لا يكون كلامي ما عجبك؟" ابتسمت وسط دموعها، وضحكت قليلاً، مما جعله يبتسم وهو يرى أثر كلماته عليها نظرت إليه، وابتسامة خجولة ترتسم على وجهها "بصراحة... كنت دايماً أفكر كيف أخفي حبي لك، بس ما كنت أدري إنه ظاهر للجميع. ابتسامتك الي اشوفها وين ما رحت، احساسي بوجودك في كل مكان أروح له. حتى عطرك... ما يفارقني أبداً. يمكن اكون ماعرف وش يعني كل هذا، لكن الشيء الوحيد اللي متأكدة منه..." توقفت قليلاً، ثم تابعت بخجل شديد "إني احبك، وما اتوقع مر يوم واحد بدون مافكر فيك... أو حتى مراقبة نافذتك بصمت، على أمل شوفتك" نظر إليها بصدمة مفاجئة من اعترافها الجريء، يشعر بنبض قلبه يتسارع. شعر بأن كل مشاعره المخفية انكشفت، وبدون تردد رفع يدها بلطف التي كانت لاتزال بجانب قلبه، ثم طبع قبلة خفيفة على كفها، مما جعل وجنتيها تحمران خجلاً. فجأة، بدأت قطرات المطر تتساقط بخفة، لتعكس برودة الطقس ودفء اللحظة بينهما، بينما ارتسمت ضحكات خفيفة على وجهيهما. لكن المطر اشتد، وسرعان ما تبللا تماماً. نطق بحرص وهو ينظر إليها "يلا ادخلي عشان ما تمرضين بسببي"
ابتسمت له بنظرة عميقة، وهي تراه واقفاً أمامها، شعره وملابسه مبتلة، وعيناه تحملان لمعاناً غريباً زاد من جماله في عينيها. بحركة عفوية، طبع قبلة خاطفة على جبينها، ثم تمتم بلطف "أحلام سعيدة" بعدها، استدار ودخل إلى المنزل، تاركاً إياها غارقةً في خجلها من جرأته العفوية.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: 7 days ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Windowحيث تعيش القصص. اكتشف الآن