لقاء مو متوقع

178 17 1
                                    


كان صباح هادي، والشمس بدت تطلع بهدوء من ورا الشباك.
ريحه الخبز تُستنشق فالأجواء، وكانت عادتنا في البيت يكون فطوري المعتاد هو خبز بالجبن.. مو من عادتنا بس بعد وفاه ابوي صرت مضطره
في هذي اللحظه كنت جالسة على الطاولة،
أقطع الخبز وأحشيها بالجبن، وأفكر في كل ما مريت فيه

أمي كانت فوق نايمه فغرفتها ترتاح بعد ما سهرناها الليل كله
كان في عيونها تعب واضح ولما أشوفها كذا قلبي يفز

كل شيء حولي كان يذكرني بذكريات ماضييّ
لما كنت صغيرة كان أبوي هو اللي يجهز لي فطوري كنت أصحى
وأنا أسمع صوته وهو ينادي: "يلا فطورك جاهز!"
بس الحين ؟ الحياة أختلفت أبوي غاب عنا وترك وراه فراغ كبييير

بديت اكل فطوري وأسترجع ذكرياتي
كنت أبتسم وقلبي يحزن في نفس الوقت
كيف كنت أضحك مع أبوي وهو يحكي لي عن الكورة؟
وكيف كان يشجعني على حب الهلال؟
وأتذكر اليوم اللي جاب لي فيه تيشرت عبدالله المعيوف.
كان يوم مميز وكأني أملك العالم كله.

"ليش أعمامي أخذوا كل شيء؟" كان هذا السؤال يدور في ذهني. ورث أبوي، المفروض يكون لنا، لكنهم أخذوه بحجة إننا صغار. كنت أشعر بالظلم، وكأن حقنا ضاع بدون سبب.

وأنا أفكر صحى أخوي الصغير وفزتي من هواجيسي بصوته
"صباح الخير، حلا!" قالها بصوت مرتفع، وابتسامته كانت تنير المكان.
كنت أبتسم له بس فداخلي كنت أفكر فشلون هو صغير وكيف أحتاج أحميه ..

"صباح النور! كيف كان نومك؟"
سألته وأنا أحاول أبين نفسي طبيعية

"كان حلو! متحمس أروح المدرسة اليوم!" قالها بحماس.
كان متحمس  على ركان، الولد الجديد الي نقل مدرسته قبل كم أسبوع

"إن شاء الله تستانس."
كانت كلماتي تعبر عن أني أتمنى له كل شيء حلو بس فداخلي،
كنت قلقانه. "هل بقدر أحمي أخوي من كل شيء؟"
كانت هذه الأفكار ترقص فمخي.

كنت قاعدة أوكّل أخوي الصغير فطوره
وهو ياخذ لقمة وراء لقمة بجوع
وفجأة طالع فيني بنظرة بريئة وقال:
"بتحضرين يوم الأم الزائرة بدال أمي؟"

انصدمت للحظة، وطالعته
وأنا أتذكر أن اليوم فعلاً هو يوم الأم الزائرة فمدرسته.
ابتسمت له وهزيت راسي وقلت له:
"إي طبعًا بحضر بحضر."
وأكلت اللقمة اللي كانت بيدي بسرعه وأنا أحس بحماس مفاجئ.

أول ما خلص هو فطوره عطيته جوالي عشان يتابع فيه شوي وطلعت أجري على فوق أدور لي شي ألبسه
وقفت قدام المرايه وأنا محتارة،
"أحط مكياجي؟"
كان عندي مسكارا وتنت بس !!
وقعدت أقنع نفسي
"لا يا بنت الناس، هذا صبح ومحد له خلق يشوف وجيه متكشخة ومكياج؟"
بس بنفس الوقت، كنت أفكر
"يمكن لو حطيت شوية رح أحس بالثقة"
وأخذت نفس عميييق وقررت إن البساطة هي الخيار الأفضل لليوم!

****

بعد ما خلصت تجهيز مسكت يد أخوي ولبسته شوزه وهو مبسوط ويضحك.
مسكت جوالي وحطيته بجيبي وابتسمت لأخوي
تأكدت بسرعة إن كل أنوار البيت مطفية عشان الكهرباء،
وطلعنا نمشي على المدرسة، بما إنها قريبة من حارتنا.

كان الجو بارد، والشمس توها طالعة في صباحات ديسمبر.
أول ما وصلنا للمدرسة، شفت سيارة بورش وقفت قدام البوابة
ونزل منها طفل صغير شعره كيرلي
لبسه بسيط
ومعه شنطة شكلها فخم.
طالعته بنظرة سريعة وناظرت بأخوي وابتسمت بلمحة حسرة
"يا ربي، الدنيا فعلاً مو عادلة."

فجأة، أخوي قطع أفكاري ورمى شنطته عليّ وصار يصرخ بصوت عالي:
"ركااان!!"
كان واضح إنه متحمس وبسرعة شفتهم يحضنون بعض بضحك وسعادة بريئة

وقفت أتأمل المشهد وكنت تقريبًا ناسية كل اللي حولي
إلى أن رفعت نظري وشفت شخص واقف قدامي لابس ثوب
وملامحه واثقة وقوية
ولوهلة، حسيت بشعور غريب
كأن الكاريزما كانت تملي الشارع

رفعت نظري عليه ببطء،
وصدمة... كان عبدالله المعيوف!

عيني توسعت، وحسيت إن الدم تدفق بسرعة في وجهي، وصار حار بشكل ما توقعت..
أن الي توقعت أني أقابله بملعب ولا بالنادي ..الحين أقابله بمدرسة أخوي ومع ولده ؟!
كان موقف غريب، وأنا وجهي اللي صار يعرق
في صباح ديسمبر البارد.

كل شيء حولي تلاشى للحظة، وكان في بالي بس فكرة واحدة:
"هذا الحارس اللي كنت أحبه من أيام الطفولة، الحين واقف قدامي!"

صنمت دقيقة كاملة وأنا في عالمي الخاص...
هو توهق،
حمحم مره ومرتين،
بس ما انتبهت له.
ما فكني من الصدمة إلا دفّة من أخوي الصغير لي وهو يقول بحماس:
"حلا، هذا صديقي ركان وهذا أخوه الكبير عبدالله!"

حسيت كأن موية باردة انكبت عليّ فجأة.
صح هو ما طلع مع ولده،
بس الموقف كان يصدم لدرجة
أني تهت بين الواقعي والخيال للحظة.

لقاء غبيّ ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن