صبَـاحٌ فِـي المّـزرعَة.

289 12 0
                                    

‎صباح في المزرعة

‎كان الفجر قد بدأ لتوه بالانفجار بألوانه الوردية والبنفسجية في الأفق عندما استيقظت أفروديت على صوت العصافير المغردة خارج نافذتها الخشبية. أضاءت الشمس وجهها الشابّ الذي ارتسمت عليه ملامح الراحة، بينما كانت الستائر البيضاء الرقيقة تتحرك ببطء مع النسيم الصباحي. فتحت عينيها ببطء، لتجد أمامها صورة جدتها وجدها على الجدار، ابتسمت وهي تشعر بالحب والدفء العائلي يغمرها.

‎نهضت من السرير، وقد وضعت قدميها الحافيتين على الأرضية الخشبية الباردة قليلاً. مدت ذراعيها في الهواء لتتخلص من ثقل النوم، ثم توجهت نحو نافذتها المطلة على حقول المزرعة الواسعة، حيث كان الضباب لا
‎يزال يغطي الأرض مبتسمه

‎توجهت إلى خزانة الملابس الخشبية، اختارت فستانًا بسيطًا بلون أبيض ، مزينًا بأزهار صغيرة. ارتدته بسرعة، ثم لفت شعرها الاحمر حول رأسها في ضفيرة مرتبة. بعد ذلك، توجهت إلى المطبخ حيث كانت رائحة القهوة الطازجة تملأ الهواء.

‎"صباح الخير يا جدتي!"
‎ قالت بصوت ناعم وهي تدخل إلى المطبخ.

‎صباح الخير يا عزيزتي، هل نمتِ جيدًا؟"

‎ردت جدتها بابتسامة دافئة، وهي تسكب
‎القهوة في فنجان قديم كان من ضمن تذكارات العائلة.
‎"نعم، الحمد للإله. لدي شعور بأن هذا اليوم سيكون جميلاً."

‎جلست أفروديت على الطاولة الخشبية الصغيرة، تناولت فطورها المكون من خبز طازج وبعض الفاكهة التي قطفتها من الحديقة في اليوم السابق. أثناء تناول الطعام، تحدثت هي وجدتها عن بعض الأمور اليومية - السوق، العمل في الحقول، وبعض الأخبار من القرية. كانت الأحاديث تبدو بسيطة لكنها مليئة بالحب والاهتمام.

‎بعد الإفطار، ارتدت قبعت القش، وخرجت إلى الحقول وهي تحمل سله فارغة. الجو كان لا يزال منعشًا وهادئًا، والطريق الترابي تحت قدميها كان ناعمًا بفعل الندى الصباحي. كان كل شيء يبدو هادئًا، فقط صوت حفيف الأشجار وهسهسة العشب الطويل يرافق خطواتها.

‎بينما كانت تجمع الطماطم الطازجة من النباتات المصفوفة بعناية، ظهرت فجأة ضحكة من خلفها. التفتت لترى جارتها الشابة، ماريا، تقف خلف السور الخشبي وتلوح لها بيدها.

‎"صباح الخير يا أفروديت! هل ذاهبة إلى السوق اليوم؟"
‎"نعم، سنبيع بعض الخضروات اليوم. ماذا عنكِ؟"
‎"لدي بعض البيض والحليب الطازج لأبيعهما. هل ستذهبين لوحدك؟"
‎"لا، سأذهب مع جدتي كالمعتاد."

‎ابتسمتا لبعضهما واستمرتا في حديث قصير حول الحياة في القرية، ثم ودعتها أفروديت وأكملت جمع الخضروات.

‎في منتصف النهار، وضعت أفروديت الخضروات الطازجة في عربة خشبية قديمة يجرها حصان بني قوي. كانت جدتها قد انضمت إليها، وبدأتا رحلتهما إلى السوق عبر الطريق الترابي الضيق الذي يمر عبر التلال والحقول. الطريق كان مليئًا بالمناظر الطبيعية الخلابة: أشجار الزيتون على الجانبين، الحقول الذهبية المفتوحة، وصوت الماء المتدفق من النهر القريب.

‎"أتذكرين يا جدتي عندما كنت صغيرة وأحببتُ ركوب هذه العربة؟" قالت أفروديت وهي تمسك بلجام الحصان.
‎"نعم، كنتِ دائمًا تطلبين أن تقودي العربة بنفسك، حتى وإن كنتِ لا تزالين طفلة صغيرة." ضحكت الجدة بينما كانت تراقب المناظر الطبيعية من حولها.

‎"أحب هذه الطريق. دائمًا ما أشعر بالراحة عندما أسلكه."
‎"هذا لأنك ولدتِ هنا، بين الحقول والمزارع. هذا المكان جزء منك."

--

‎عندما وصلت أفروديت وجدتها إلى السوق، كان المكان يعج بالحركة. التجار يعرضون بضاعتهم، وأصوات الناس تملأ الجو، منادية على منتجاتهم، ومتفاوضة على الأسعار. كان السوق يعج بالألوان، من الفواكه والخضروات الطازجة إلى الأقمشة والحرف اليدوية.

‎"مرحبًا يا أفروديت!"
‎صاح أحد التجار، شاب يدعى كارلوس، كان معروفًا بميله الدائم للتودد إلى الفتيات.
‎"مرحبًا، كارلوس."
‎ ردت عليه بابتسامة خفيفة.
‎"هل تودين بعض المساعدة في ترتيب البضاعة؟"
‎قال وهو يحاول لفت انتباهها.
‎"لا شكراً، يمكنني التعامل مع الأمر."
‎ ردت بأدب، بينما بدأت في ترتيب الخضروات على الطاولة.

‎رغم محاولات كارلوس المتكررة للحديث معها، كانت أفروديت تجيب بهدوء ولطف دون أن تعطيه الكثير من الاهتمام. كانت تعرف تماماً كيف تتعامل مع هذه المواقف، فقد كانت محاطة بالمعاكسات طوال حياتها.

--

‎بعد يوم طويل في السوق، عادت أفروديت وجدتها إلى المزرعة مع بعض المشتريات. بينما كانتا تستعدان لتحضير العشاء، شعرت أفروديت بالتعب يغلب عليها، لكنها مع ذلك اتجهت إلى الإسطبل حيث كان حصانها الأبيض ينتظرها.

‎وقفت أمامه، تربت على عنقه بلطف، وهمست له قائلة: "أنت دائمًا هنا لتستمع لي، أليس كذلك؟"

‎استمرت في مراقبته، وعيناه السوداوان تحدقان بها كما لو كان يفهم تمامًا كل كلمة تقولها. انتهى اليوم بهدوء، وعادت أفروديت إلى منزلها وهي تفكر في الغد، غير مدركة أن حياتها على وشك أن تتغير جذريًا.

𝐅𝐀𝐑𝐌𝐄𝐑حيث تعيش القصص. اكتشف الآن