الفصل الأول :"مدليس"

3 1 0
                                    

⬛ " :- كيف بإمكانك أن تدرك أنك مبصر ...
        وسط هذا الظلام المطلق !؟
     كيف لك أن تعرف أنك تسمع ...
   في هذا الصمت الطبق؟!
 

       وكيف أمكنك أن تدرك أنك حي ....
    في هذا الفراغ الشامل."
   :- استطيع أن أدرك من نظرات
احتقارهم

               استطيع أن أدرك من صوت شتائمهم
   وضحكاتهم
     استطيع أن أدرك ببساطة ...
       وذلك من كمية الكره التي يكنونها لي "⬛
                                                          •مدليس•

_____
























▪️📜¹.  ”الغريب“▪️

  

      تسللت أشعة الشمس عبر ذلك الزجاج المصفر البالي لذلك الكوخ المهترئ ، مداعبة ذرات الغبار المتطايرة في كل مكان لتستقر في النهاية على وجه ذلك الكهل المستلقي فوق فراشه في تعب ، فيفتح عينيه الرماديتين بعد جهد جهيد مثبتاً اياها على سقف الغرفة المتهالك مدققاً في تفاصيله - والتي يحفظها عن ظهر قلب -  للمرة المئة، مر دهر قبل أن يحرك ساكناً... ثم وبتثاقل شديد إعتدل جالساً على حافة السرير وراح ينظر حوله فبدا له المكان غريباً ومألوفاً في آن واحد، مد يده -المترتجفة و المتعبة- هاماً بالقيام نحو عصاه... والتي أخذ يتلمس نقوشها الباهتة بإمعان شديد ليهمس في النهاية " آثــنـا.." متألماً.
                            ______

      صوت العشب الجاف متكسراً تحت قدميه تناغم تناغماً تاماً مع زقزقة العصافير وحفيف الشجر بينما يتقدم هو في طريقه ببطئ، توقف عند النهر وأخذ يغترف منه ويشرب...وقبل أن يذهب تقابلت عيناه مع عيني انعكاسه في الماء، وقف مبهوتاً ربما لثانية وهو يتطلع إلى ما آلت إليه حاله - بشرته الشبحية الباهتة عيناه الرماديتان المتعبتان ذقنه غير الحليقة و شعره الفضي الأشعث والطويل ..يغطي ظهره نفس المعطف المتسخ المصنوع من فروة غزال منذ أكثر من عشرين سنة - تسائل :كيف آلت به الحال إلى هذا - إلى هنا، بتنهيدة عميقة وبلامبالاة التقت عصاه وتابع طريقه منسحباً كالظل وسط أشجار الغابة حتى تراءت له من بعيد مخبأة بين أحضان الوادي...
قرية صغيرة.
                                _____

       وسط زحام سوق القرية بضوضائه المتداخلة وفوضى روائحه المتنافرة، شق ذلك الكهل طريقه بين الأكتاف المتزاحمة محاولاً عدم لفت الإنتباه ولكن محاولاته بائت بالفشل فنظرات كل من حوله... نظرات اشمئزاز تعجب وحتى شفقة... همهمات هنا وقهقهات هناك وتساؤلات الأطفال لأمهاتهم " أمي ما به هذا الشخص "، كل ذلك جعله - ورغم الزحام الشديد رغم كل أولئك الذين من حوله - يشعر بوحدة مطلقة بفراغ كالعدم، جعله يشعر وكأنه يسير منذ ألف سنة دون أن يتقدم خطوة واحدة..جعله يشعر كـ" الغريب" .
      وبعد بعض المسير  وقف أمام أحد المحال التجارية شارداً للحظات قبل أن يصدمه أحدهم في كتفه شاتماً، وبداخل المحل... كان هناك العديد من التجار والعديد من المشترين والكل جد مشغولين، تقدم الكهل نحو أحد الباعة وتبادل معه النظرات لبعض ثوانٍ قبل أن يقطع البائع ذلك الصمت قائلاً :" ماذا تريد... أهو المعتاد" فأومأ له الكهل برأسه إيجاباً، أخرج البائع بعض الفاصولياء قليلاً من الملح وقنينة حبر ... فجمعها الكهل وهم بالمغادرة لو لم يستوقفه البائع مزمجراً :" هاي! أيها العجوز الخرف... هاي مدليس !... نسيت أن تدفع أيها الأحمق" فانحنى عليه جاره في قلق هامساً :" أيها الغبي !... ألم تسمع أن التلفظ بهذا مجلبة للنحس"، "مدليس..." همس الكهل يقلب الاسم على لسانه... لقد مر وقت لم يسمعه فيه حتى كاد ينسى أنه اسمه.
                               _____

      أخذ مدليس يتفقد محتويات حقيبته على طرف إحدى الطرقات يبدو أنه أعطى البائع أكثر مما يستحق، " لا يهم " همس قائلاً وهو يغلق الحقيبة قبل أن يلاحظ عربة تقترب منه مسرعة فيبتعد عن طريقها في اللحظة الأخيرة فرشته عجلاتها بالماء القذر للطريق بينما تعالت شتائم سائقها الأكثر قذارة، أخذت يده ترتجف من شدة الغيظ... قبل أن تبرد في هدوء ليتابع هو طريقه وكأن شيئاً لم يكن، " تبقى القليل... القليل فقط، نعم عليّ الصبر وحسب... فقريباً... قريباً سوف يرون ".
       
       
                                                           _ يتبع _





لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 04 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

   ﴿ لعنة تنين الظلام ﴾ | " أسطورة الظلال "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن