وقف خلف باب مكتبه رجل بثياب عسكريهَ مهيبة، طرق الباب عدة طرقات متتالية قبل ان يصله الأذن ويدخل، وضع الملف السري على مكتب الطرف الأخر وتحدث بنبرة محسوبة ومهنية:
"وصلت موارد الشبكة لجامعةَ ***، لذا نريد منك تولي الأمر.."
اغلق نادر عينيه على الرجل الواقف أمامه وهو يعقد ذراعيه برفض، وأضاف بنبرة عميقة:
"بالتأكيد لا، أنا لست مهتمًا بلعب دور الطالب الجامعي، لدي أشياء أكثر أهمية يجب أن أقلق عليها"
لم يتأثر تعبير الرجل الواقف، بموقف نادر الرافض بل أصر بنبرة حازمة:
"هذه مهمة حاسمة، لقد كنا نتتبع شبكة توزيع الممنوعات هذه منذ أشهر، وقد وصل سمومها للجامعة الأن، إن ذكائك ومهاراتك التحليلية هي بالضبط ما نحتاجه للتسلل وجمع المعلومات اللازمة لتفكيك الشبكة"
أطلق نادر تنهيدة محبطة، وكان فكه ينقبض قليلاً، كان يعلم أن مايقوله الأخر حقيقيًا، كان ذكاؤه ومهاراته التحليلية لا مثيل لها، وكان لديه سجل حافل شبه مثالي في مجاله، ومع ذلك، فإن فكرة التعامل مع طلاب الجامعة ودراماتهم وانفجاراتهم العاطفية آخر شيء أراد أن يتعامل معه، استند إلى كرسيه، وضاق بصره وهو يحدق بالآخر، اطلق زفيرًا طويلاً ثم قبل الأمر بشرط اوضحه لهم.
استلم المهمةَ، وانظم كطالب منتقل للجامعةَ، ارتدى ملابس غير رسميةَ، بنطال جينز مع معطفه أسود بقلنسوة، اظهر عرض اكتافه، واحذية رياضية لم تؤثر كثيرًا بقامته الطويلةَ، عبث بخصلاته القصيرة، وعينيه تتفحص المكان بحذر، كان فكه الحاد وعينيه المبطنة الناعسةً تعطي مظهرًا حادًا وغير مبالي لتعبيره الرواقي، سار بخطى بطيئة نحو الفصل المقرر له حضوره لتتبع أفراد الشبكة قبل ان تصطدم بهَ طالبه، لم يتأثر باصطدامها، بل ابتعد ببطء تاركًا مسافة بينهما بينما سقطت عينيه على أغراضها بالأرض، انحنت لجمع اغراضها بينما تسترق النظرات إليه، لم يظهر اي جانب من جوانب المساعدة، بل تخطاها وتابع سيره ببرود متجاهلاً وجودها، حين وقعت عيناه على احد أفراد المتصل بالعصابة، شد فكه وسار نحوه قبل ان تمسك معطفه لتوقفه، ألتفت اليها وسحب ذراعه بغضب متمتم:
"ماذا!"
"الإ تعرف كيفية الآداب..."
تمتمت بنبرة عذبةَ وعينيها المستديرة الكبيرة تنظر إليه بإحباط، قبل ان يرمقها بحده ويتابع سيره مقاطعًا كلماتها بلامبالاةَ، ابتسمت بسخرية وقد اتسعت عينيها لوقاحته، ضربت بكعبيها الأرض واتجهت لصديقتها، وضعت حقيبتها وتمتمت بسخط وهي تمرر يدها عبر خصلاتها الطويلة بإحباط:
أنت تقرأ
هَمس..
Historia Cortaيُحكى أن الكَلمات الصادقةً تعبر من الثغر كالهمساتَ.. حور أمرأة مُستقلةَ وواثقةَ لكنها تملك نُقطة ضعف وحيدة هي حساسيتها المُفرطةَ والغير واضحةً، بينما كان نادر رجلاً حازمًا وجامدًا لا يتزعزع أمام العواطف بسهولةَ، وفي وسط فوضى هذا العالمّ همست لهَ بك...