أركض، أركض بينما يخرج من فمي بخار أبيض كثيف، يذوب في الهواء البارد.أتعثر في الأكوام الرملية البيضاء الباردة، ثم أنهض من الأرض وأركض مجددًا، رغم يقيني بأنني سأسقط مرة أخرى.
نقاط بيضاء باردة تتساقط من سماء ملبدة بالغيوم، تشبه الثلج لكنها تبعث مزيدًا من البرودة في كل زاوية.
أصوات أصحاب المتاجر تتعالى مع إغلاق الأبواب الداخلية لمتاجرهم، يحرصون على عدم تعرضها للنهب من مراهقين حمقى، لا يبالون بسلامة أحد.
أمهات صرخاتهن تتناثر في الهواء، يحذرن أولادهن من الخروج كي لا يصابوا بالحمى من هذا البرد القارص.
فتيات يتذمرن على آبائهن، يصرخن مطالبات بحلوى قطنية بدلًا من البسكويت الجاف.
مراهقون يتنقلون بين الرمال البيضاء، ضحكاتهم تصدح في الأرجاء وهم يركضون، لا يكترثون لبرودة الأرض التي تتسرب إلى عظامهم.
عجوز مبتسم، ملامحه المتجعدة تنبض بالتفاؤل، يقدم لزوجته وردة حمراء على مقعد العجائز. تأخذها بيدين مرتجفتين، وفي عينيها نظرة تشي بحنين عميق، وكل ما يشغلها هو أن تسقط بتلة من بتلاتها.
رجال يترنحون، يخرجون من الحانات، يلعنون الحياة التي أوقعوا أنفسهم فيها، غير مدركين أنهم هم من دمروا سعادتها.
رجل الشرطة يصرخ في المارة، يطلب منهم الإسراع لتمر السيارات، فهو لا يملك وقتًا ليضيعه في تأخير رحلته، يريد فقط العودة إلى بيته بسلام دون أن يُخصم من راتبه.
متشرد بائس، ضاقت عليه الدنيا فاختبأ فيها لأنه لا مكان له غيرها، لكنه ما لبث أن شعر بالعجز فاستلقى على الأرض الباردة، مغمضًا عينيه في محاولة للهرب من واقع مرير.
فتاة غاضبة، تقذف الزهور على حبيبها بعدما اكتشفت خيانته، وكأنها كانت تظن أنه ملاك سقط من السماء ليمحو كل آلامها.
يا لها من سخريه!
وفوق كل هذا، المياه المالحة التي تقطر من عيني تجعل الرؤية مغشاة، وتزداد صعوبة في كل خطوة أخطوها.
أركض، أتعثر، فيلتصق كفاي بالأرض الباردة، وتستقبلني بحفاوة وألم في ذات الوقت. أحصل على بعض الإصابات والخدوش، لكنني أصر على الاستمرار.
توقفت أمام البيت الذي كان ملجأ لي، بيت كبير لكنه يختلف عن سواه. كان مليئًا بالحنان، بالحب، بالأمان الذي فقدته حين أغادر عتبته.
ملاكه يقاومون الحياه من أجلي ، يواجهون العالم كله لأجل أن أكون بخير.
لكن ما الفائدة؟ دموعي دائمًا تسقط خلفهم.
مسحت مدامعي بأطراف أصابعي.
تقدمت للأمام، وضعت يدي في معطفي البني الداكن، رفعت كاميرا هاتفي فوجدت أن خضرواتي بدت ظاهرة بها العروق الحمراء، بشرتي بيضاء عادية، لكن أنفي كان يبدو كأنني خرجت للتو من سيرك للأطفال.
YOU ARE READING
behind the darkness
Actionفي عالم مليء بالفراغ والظلال، حيث يعجز الأمل عن إيجاد مسار واضح في زحام الحياة اليومية، كانت هي مثالًا حيًا لهذا الوجود المُعذب. شعرت دائمًا أنها عبء على من حولها، كأنها خطأ في الحياة التي لا تُظهر لها إلا الوجوه المعتمة. كانت تحاول دائمًا أن تتخلص...