بعد أن قلَّب عماد في بعض الأوراق الخاصَّة بالتحاليل الطبية، نظر بنصف عين إلى الضابط النافد الصبر، وغمغم قائلًا:
" -مؤشراته الحيويَّة تبدو جيدة. لا مانع من استجوابه إن لم ينهكه ذلك".
" -حتى الآن لا نعلم ما حدث وكيف اختفى الورم فجأة، لذا سنبقيه تحت الملاحظة".
أمال نصر رأسه، ثم قال:
-"لن أصعقه بالكهرباء لو كان هذا ما تقصد".
وقبل أن يهم عماد بالرحيل جذبه نصر واستطرد قائلًا:
" -دكتور عماد، ماذا عن وضع المريض العقليّ؟"
أجاب عماد في اهتمام قائلًا:
ـ "لماذا؟ هل بَدَا لك شيء ما؟"
" -لا أعلم بعدُ؛ أردت فقط الاطمئنان إلى أنني لا أدوِّن هلاوس في تحقيق رسميّ."
عدَّل عماد من وضع عويناته في حيرة، ثم قال:
-"لأصَدُقك القول: أنا لا أستطيع أن أجزم بشيء، نحن نتحدث عن شخص عاد من عالم الأموات بلا أي مقدمات، نحن -الأطبَّاء- مثلما يساورنا القلق على المريض أثناء نوبات مرضه، أيضًا نلقي بالًا كبيرًا لمن يصبح نظيفًا فجأة دون تفسيرٍ طبيٍّ مقنع، ربما تكون هذه مقدمة لانتكاسة كبيرة وربما لا، لكنني أستطيع أن أجزم بشيء واحد لا نقاش فيه، وهو أنَّ آدم الذي أعرفه لن يؤذي حشرة، ناهيك عن أن يرتكب جريمة قتل. لذلك، أنصحك بأن تبحث جاهدًا عن الحقيقة وألا تأخذ بالمعطيات التي أمامك كمسلَّمات، فإذا سمحت لي: إني لأرى اتهامه بتلك القضايا من السخف، لكن -بالطبع- سأترك لك الكلمة الأخيرة، ففي النهاية هذه حدودي، وهي أن أقيِّم حالته الصِّحيَّة لا أكثر".
ثم غاب عماد في الردهة تاركًا كلماته تتردَّد في عقل نصر، وبدأتِ الحيرة تتشكل أكثر على ملامحه.
وحينما دلف نصر إلى حجرتي، اصطدم بكتف صفوت الذي كان يهم بالمغادرة، اصطدم بكتف أحد أبواب الحقيقة، ولكنه لم يكن يوقن بعد.
أمسك بمعصمه، فأوقفه قائلًا:
-"ماذا تفعل هنا؟".
قالها في ارتياب وهو ينظر للشرطي على باب الحجرة الذي كان قد أتى مسرعًا ممسكًا بسحاب بنطاله، فقال معتذرًا في تلهُّف:
-"أعتذر منك؛ لقد كنت في الحمام".
بادرت بالقول:
-"سيادة المقدم، إنه أحد موظفي الشركة أتى للاطمئنان عليًّ".
حدج صفوت بنظرة متفحصة، فتَّشه جيِّدًا، وحين لم يجد شيئًا أشار له بأن يمضي، ثم استدار ليأمر الشرطي الآخر في حزم:
-"لا تترك مكانك ولا تسمح لأحد بالدخول، وهذا آخر إنذار لك. مفهوم؟".
بعدها أغلق الباب علينا، ثم أخرج مسجِلًا صغيرًا من جيب معطفه ووضعه بجواري. استدار ليخلع المعطف واضعًا إياه على مشجب خشبيٍّ في ركن الغرفة، وكأنه يخبرني دون كلمات أنه لن يغادر كلانا قريبًا.
جلس في هدوء، ثم أشار إلى المسجل بجانبي، وقال:
-"كلي آذان مصغية".
نظرت له في غيظ مكمود والقلق يفترس أحشائي.
بالرغم من كل شيء فإنه محق؛ هو يؤدي واجبه، وهذا ما كنت سأفعله لو كنت مكانه.
بيدَ أنه لا مناص لي من تلك الأصفاد سوى أن أخبره.
أعلم أنه سيتهمني بالجنون...
أعلم أن ما سأقوله سيبدو هذيانًا...
ومن يحتمل الحقيقة؟
الحقيقة التي تربط عنقي وتجذبني إلى المحيط بلا تنفس، بلا بذلة غطس، تمتصني داخل الشعاب المرجانية، وسط سرب من أسماك القرش يقضم رأسي أحدهم ثم يمزق جثتي الآخر.
كنت أعلم جيِّدًا أنه لن يروقه ما سوف أقول، ولكنني سوف أقوله على أيِّ حال.
أغمضت عيني لوهلة كي أسترجع ما حدث منذ نحو عشرين يومًا، ثم بدأت في السرد.
YOU ARE READING
ملاك الظل
Mystery / Thrillerتتحدث الروايه عن ادم وجيه .. شخصيه استغلاليه انانيه يري بفطرته ان كل شئ علي مايرام وان افعاله النموذجيه لا تحتاج الي تصويب الي ان يصاب بالسرطان الذي لا شفاء منه ويضطر الي تناول عقار تحت التجربه يرسله الي بعد اخر يجد فيه شبيهه وحش ادمي يتغذي علي الام...