ليلة باردة

3 0 0
                                    

في ليلة شتوية باردة، حيث كانت الرياح تعصف بالخارج وتضرب النوافذ الزجاجية، جلست غيداء في غرفتها، محاطة بألوان الضوء الخافت المنبعث من الشموع المشتعلة. على الرغم من النار المتقدة في المدفأة، كانت البرودة تتسلل إلى أعماق قلبها، مثقلة بأفكار لم تفارقها.

كانت ترتدي ثوبًا من الحرير الأسود، يلتف حول جسدها برقة، لكنها شعرت وكأن تلك الأقمشة الفاخرة لا تعكس سوى قيدها في حياة لا ترغبها. كان هناك شيء مفقود في عينيها، شيئًا كان يناديها للعودة إلى ما كانت عليه.

لم تكن والدتها الملكة، لكنها كانت تعيش حياة من الرفاهية، تحمل صفات النبلاء. جلست في الزاوية، تشرف على الأمور بنظرات حذرة، وعينيها تعكسان مزيجًا من الحب والقلق. كانت تعرف جيدًا ما تعانيه ابنتها، لكنها كانت تجد صعوبة في التعبير عن ذلك.

"اصبري يا غيداء،" قالت والدتها بصوت هادئ، مفعم بالحكمة. "مهما كانت الحياة قاسية، لا تجعلي ابتسامتك تذوب. تذكري، بعد كل عاصفة، تشرق الشمس."

غيداء ابتسمت برفق، لكن قلبها كان يختلج بألم عميق. كيف يمكن لابتسامة أن تحل محل ما فقدته؟ كانت تحاول جاهدة عدم الانغماس في ذكرياتها المؤلمة، لكنها كانت تحس بتلك الخيوط الرفيعة التي تربطها بشخص كانت تحبه بصدق.

بينما كانت والدتها تواصل حديثها، شعرت بشيء غير عادي، صوت خطوات تتقرب ببطء. كان هناك شعور بالقلق يتسلل إلى أعماقها، كأنه نذير لما سيأتي.

دخل رجل ذو هيبة، كان يحمل في مظهره شيئًا من الغموض. كان ابن الملك، زوجها، لكنه لم يكن مجرد زوج، بل كان رمزًا لحياتها التي انقلبت رأسًا على عقب.

توقف خلفها، وصوته ينساب كالنهر، يحمل طابع السلطة. "هل تجهزتي؟" سأل، وكأن الكلمات تتدفق بينهما كتساؤلات لم تُطرح.

استدارت ببطء، تواجهه للمرة الأولى منذ فترة. كانت عينيه تتأملانها، وكانت تعرف أن هذه اللحظة تعني الكثير. "نعم، أنا جاهزة." أجابت، على الرغم من أن قلبها كان يختلج بمشاعر مختلطة، بين القبول والرفض.

كان الجو مشحونًا بالتوتر، كما لو أن الليل نفسه كان يستمع إلى ما يجري. لقد كانت تلك اللحظة بداية جديدة، لكنها كانت تحمل في طياتها العديد من الأسرار والتحديات التي لا يمكن الهروب منها.

--------------------------------------------------------------
و

قفت غيداء مترددة، يد ابن الملك تمتد نحوها، متجاوزة الحدود الفاصلة بين واجبها ورغباتها المنسية. حاولت أن تفلت يدها من قبضته، لكن نظرات والدتها الحذرة، التي كانت تدعوها دائمًا إلى الظهور بمظهر جيد أمام الجميع، جعلتها تكتم غيضها في أعماقها. في قلبها، كانت ثورة من المشاعر تتلاطم، لكن قيد المجتمع كان يثقل عليها.

"أتمنى لكم حياة سعيدة حقًا،" قالت والدتها بصوت مفعم بالأمل، لكن غيداء شعرت أن تلك الكلمات أشبه بنغمة كاذبة تتردد في آذانها. ابتسمت بحزن، تجاهد لتبقي تلك الابتسامة متماسكة، رغم أنها كانت في قاع روحها.

خارج أسوار القلعة، كان صوت الطبول يضرب في أرجاء المكان، ويدعوه العزف ليجعل من هذه الليلة احتفالية باهرة. لكن كل ذلك كان يردد في ذهن غيداء كصرخة في وسط بحر عاصف. كيف يمكن أن يكون هذا اليوم سعيدًا بينما كانت الذكريات المؤلمة تلاحقها، تقفز بين طيات أفكارها؟

تقدمت نحو الجمهور، كان هناك عيون تراقبها، وأصوات تتهامس. أحست بيد ابن الملك تشدها إلى الأمام، كأنما كانت هناك خيوط غير مرئية تسحبها نحو مصير لم تختاره. "هل أنتِ مستعدة؟" سأل بصوت عميق، كأنما يستدرج ما في داخلها.

تطلعت إليه، وفي عينيها كانت تتأمل شيئًا مختلفًا، شيئًا يشبه الظلال التي تعكس حزنًا عميقًا. "نعم، أنا جاهزة..." همست، لكنها كانت تخفي تحت تلك الكلمات غموضًا لا يعرفه أحد.

بينما بدأ الزفاف، كانت تلك الأضواء الساطعة تتلألأ حولها، شعرت وكأنها تسير في ممر مظلم، محاطة بالفرح الزائف الذي لا يعنيها. كان هناك شعور بالخسارة في كل خطوة، كما لو كانت تخسر جزءًا من نفسها.

تمنت لو أن بمقدورها أن تعبر عن كل ما في قلبها، أن تخبرهم أنها لم تكن هنا من أجل الاحتفال، بل لتسقط قناع الزيف الذي ارتدته لفترة طويلة. لكنها عرفت أن ذلك كان مستحيلًا.

مع كل دقات الطبول، كان قلبها ينقض على أحلامها المفقودة، والألم الذي لا يزال ينبض في صدورها. لكن خلف كل ذلك، كان هناك شعاع من الأمل يتلألأ في ظلام حياتها، أمل في غدٍ أفضل، أمل في أن تنكسر القيود ذات يوم، وأن تجد الطريق إلى نفسها المفقودة.

وهكذا، كان كل شيء يجري حولها، بينما كانت هي، في قلب الزفاف، تبحث عن سبل الهروب من الحياة التي لم تخترها.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 03 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

DAGGER OF LOVEحيث تعيش القصص. اكتشف الآن