بهدوء الوضع والصمت الذي حل على الجميع، يشير إلى أن معظمهم تأثر، عداي.
أحسست لوهلة بأنه والد تاشا رغم اختلاف الهيئة بالكامل وخشونة الصوت، لكن كل ما يقوله يذكرني بوالدها. لم يتعرف على المنزل، ما يفسر طول المدة التي ابتعد فيها عنه، بينما تاشا فقد عادت إلى هنا قبل عدة سنوات فتمكنت من تذكره، وبالطبع ستتذكره فهو عالق طوال الوقت في ذاكرتها على أمل عودتها إليه يوماً ما.
إنه يحاسبني على أني أهدر جمالي بمخاطرتي وتهوري، وطالما أنه يتحدث عن الجمال، إذاً فهذا لأن تاشا -ابنته- فقدت الكثير منه.
التفت إلى لارا وسألت: ألم تغلقي الباب خلفك؟
فتحت عيناها مصدومة مما قلت وأنا في وضع كهذا، الجراح تملؤ وجهي ويداي منتفختان حمراوان من كثرة الدهس عليهما بأحذيتهن، وهذا الغريب قد قام بإلقاء محاضرة معبرة للتو لكني لم أعر ذلك أي اهتمام.
أمسك ذلك الضخم بذراعي وسحبني للأسفل وأنا أقاوم قدر الإمكان لأقف فلا يستطيع سحبي لكنه أقوى من أن أمنعه عن أي شيء.
استغرب الجميع مما يحدث فسمعت بعض الأسئلة المنخفضة:
"من يكون يا ترى؟"
"كيف استطاعت أن تأتي بشخص كهذا، ومن وراء علمنا أيضا؟!"
"هل هذا والدها؟ لكنه تحدث عن قلق والداها إذاً فهل يكون قريبها؟"
"أهو حارسها الشخصي؟ لابد من ذلك فشخص بجمالها ودلالها لابد من تواجد من يحرسه."
لم يتوقف عن سحبي إلا بعدما خرجنا من منزل تاشا. حررت ذراعي من يده بقوة وقلت بغضب واستنفار: ماذا تفعل بالله عليك؟ ألم ينتهي ما بيننا منذ عدة دقائق؟ لقد طلبت مني أن أكون ممتنة لا أكثر، فلماذا تبعتني وحشرت نفسك في أمور لا تعنيك؟
أجاب بهدوء ورزانة: أنت تذكرينني بابنتي لهذا عاملتك وكأنك هي.
لقد شككت في ذلك منذ البداية لكنني كنت في وضع لم يسمح لي بسؤاله عنها.
قلت بعصبية: حتى وإن ذكرتك بها فما ذنبي لتتدخل بحياتي؟ إنها حياتي أنا وأنا حرة بتعريضها للخطر من عدمه، فبالنهاية هي ملكي أنا وليست ملكك أو ملك ابنتك.
حل الصمت بعد عاصفة الغضب هذه. طأطأ رأسه حزنا، لابد وأنه شعر بخيبة أمل كبيرة بسببي.
غادرتُ المكان في طريقي إلى البيت وفجأة تذكرت العمل، علي أن أذهب الآن لأكمل كل التوابع فأتوظف لكن.. أليس هناك ما ينقص؟ أمر يقلقني بشدة ليذكرني بأن هناك ما علي فعله قبل أي شيء آخر. أتساءل ما هو؟
اتجهت إلى البحر غير معيرة الوقت أي اهتمام، سمحت لرئتاي باستنشاق الهواء المنعش والمريح، فتذكرت..
إنه الأسلوب الذي سأكمل به حياتي خاصة وقد نجيت من الموت بأعجوبة فقبل كل شيء تمنيت لو أتابع حياتي كنقية بريئة وقد ظننت وقتها بأن الأوان فات.
ها قد أتت لي الفرصة مجددا كما لو أنها على طبق من ذهب.. لذا وقبل كل شيء سأشكر هذه النعمة فأبدأ حياتي باعتذاري من الجميع، فبعد كل شيء، عوملت كنقية طاهرة فالجميع يتوقع مني ذلك لذا.. لمَ لا أعيش هكذا؟
لولا أنها صفة حسنة يجدر بي أن أكون فخورة ط لامتلاكها في الماضي، وإلا لأكملت طريقي دون أن أبالي.
عدت أدراجي إلى منزل تاشا فربما التقيت بذلك الرجل الطيب، إلا أنني لم أجده ووجدت بدلا منه تاشا.
كان الظلام قد حل بالمكان وكانت أنوار الشارع بعيدة عن منزلها، نظرت إلى نوافذ المنزل فلم تكن منيرة وهو ما يدل على أن الفتيات غادرن النادي قبل مجيئها فلا مبرر لهن للمجيء في مثل هذا الوقت.
لقد عادت من موعدها ولابد أنها فخورة بنفسها جدا الآن.
ابتسمت حينما رأتني ورغم قرب المسافة إلا أنها لم تلاحظ الحالة السيئة التي كنت بها.
قالت بلطف: ها قد التقينا أخيرا.
أجبت بهدوء: أجل.
- ما الأمر؟ لا تبدين سعيدة.
ماذا علي أن أفعل؟ ماذا علي أن أقول؟ هل أخبرها بما حصل؟ أم أخبرها بحقيقة خيبة أملي لرؤيتها؟ أأفتح عينيها على ما تقوم به وتستمر في فعله؟ أم أنسى كل هذا وأغادر؟
خفضت بصري وقلت بطريقة بدت عادية: يا تاشا، توقفي عن كل ذلك أرجوك، إنك تدمرين نفسك أكثر فأكثر، ومع مرور الوقت ستلاحظين.. عند زوال الغشاء الذي يحجب عنك رؤية الحقيقة فتصدمين وتندمين بعد فوات الأوان.
أنت لست جميلة كما تظنين. آسفة، لقد كذبت عليك ومن الصعب مسامحتي على ذلك. رفعت من شأنك كثيرا فبالغت وانتهيت بأذيتك دون أن أشعر خاصة وأني دعمتك على فكرة النادي وشجعتك على مواصلة حلمك بجعله مقر تجمع لأكبر عدد من الجميلات. إنك تلقين بنفسك في الهاوية لذا توقفي عن الالتقاء بالشبان الحثالة وانتظري مصيرك بالزواج الشريف، صوني نفسك وأعطيها حقها لذا أوقفي كل هذه الترهات.
غادرت وتركتها تتساءل عن أية حقيقة أتحدث وعما هو الغشاء الذي يحجب عنها تلك الحقيقة.
وصلت إلى النهر وبكيت هناك، سأكفر عن جميع أخطائي، وسأعود إلى نفسي القديمة، فلم أكن ضعيفة كما يظنون، ولطالما كنت قوية دون أن أدرك ذلك.
كل ما في الأمر هو أن النقاء أمر ثمين ونادر هذه الأيام. امتلاكي ولو لجزء بسيط منه سيغير حياتي إلى الأفضل فيؤثر على تصرفاتي ويحيي ضميري ليرشدني في النهاية إلى الطريق الصحيح.
هكذا قررت في تلك الليلة المنيرة.. تحت القمر.. وسط النجوم.. ومن حولي الهواء.
النهاية
أنت تقرأ
قلوبٌ نقية
Teenfikceيخلو العالم من صفاء ونقاء القلوب، فهي قاسية كالحجارة، صلبة كالصخر، سوداء كالليل وفارغة.. تواجد الطيبون هو أمر نادر كالأحجار الثمينة.. فماذا سيحدث إن ظهر أحد هذه الأحجار؟