الفصل الخامس

143 19 2
                                    

بقيت واقفة حانقة لبضعة دقائق حتى خرجت والدتي من غرفتها ورأتني فابتسمت وقالت بلطف: هل تودين أن أعد لك أنت أيضا الطعام؟

أجبت وأنا أهم نحو غرفتي: كلا شكرا لك.

استلقيت على سريري بتعب أنكر سببه وفتحت هاتفي لأجد رسالة جديدة، إنه أمر نادر بالفعل تواجد الرسائل في هذا الهاتف.

فتحتها وقرأت: غدا في النادي سنلتقي الساعة السابعة مساءً.

وكان المرسل هو: لارا.

بلعت ريقي عدة مرات حتى جف، وأغلقت الهاتف بصمت ووجل، تركته ليقع أينما يريد وثبت رأسي على الوسادة لأغمض عيني.

استيقظت في المساء وكانت الساعة تشير إلى العاشرة، لا يزال لدي يوما بأكمله قبل أن يقضوا على حياتي، وإن لم أذهب سيستمرون بملاحقتي وتهديدي، علي أن أنهي كل هذا والآن.

علي أن أكون قوية في زمن انتشر فيه العفنون والفاسدون والظالمون، في زمن انتهى به النقاء ليحل محله المكر والخبث، في زمن السواد وانتشار العمى، يرون المُصلِح مفرّق والمفرق مصلح.

خرجت إلى المطبخ لأحضر بعض الطعام. فتحت الثلاجة وإذا بها شبه فارغة، إذاً هذا هو الفرق.. أشعر بالأسف لاكتشافي له الآن.

لم يكن والدي مقصراً كما كنت أعتقد، لقد كان فقط يعمل بجد وإن كان يذهب إلى أماكن أخرى فذلك لأنه يبحث عما يرفه ويخفف به عن نفسه فوالدتي لا تجيد إلا البكاء والرجاء.

لا بد لي من البحث عن عمل وفي الحال. سأعمل في الصباح وأنتهي بالمساء، ربما هناك وميض من الأمل، فلأتمسك به حتى أرتاح ولو قليلا.

بعدما انتهيت من تناول وجبتي وغسل الأطباق، اتجهت لغرفة أخي وثبت أذني على الباب ففتح. كدت أقع أرضا لكنني استعدت توازني قبل حدوث ذلك. كان الظلام يحيط بالمكان وأخي.. نائم.

اقتربت منه لكنني تعثرت ببضعة ألعاب في الطريق فأحدث ذلك ضجة جعلت أخي يستيقظ.

لم يميزني بين الظلام فظنني سارق ربما، وبدأ بالصراخ الشديد. توترت ولم أعرف ما علي فعله، إن اقتربت أكثر سيصرخ أكثر وإن بقيت هكذا، سيستمر بالصراخ حتى تستيقظ أمي، لذلك انسحبت بسرعة وعدت لغرفتي.

استلقيت على سريري مجددا وبعد بضعة ثوان فُتح باب غرفتي بقوة ودخل أخي ومعه عصا. صرخ: أين هو شبح الظلام؟ أين هو؟

كانت الأنوار مضاءة فرأى وجهي مصدوما مستغربا. أنزل العصا واقترب مني ليسألني: هل أنت بخير؟ لقد رأيت ذلك الشبح يدخل إلى غرفتك فأين هو؟

ربت على كتفه وقلت بسخرية: هل أنت مع كامل قواك العقلية؟ كان شبح الظلام ذاك هو أنا، وكنت أود أن أطمئن عليك.

فتح عينيه دهشة وسرعان ما حل محلهما نظرات الجدية وقال بحزم: لا تستهيني بحجمي فعقلي أكبر من أن يصدق قصة كهذه، اعترفي أين تخبئينه؟ لا بد أنه أسفل السرير.

- إذاً فلتبحث عنه أينما تريد فأنا أريد أن أنام.

أدرت رأسي إلى جانبي الأيمن فوق الوسادة. أغمضت عيني وتساءلت كيف يفكرون هؤلاء الصغار؟

كان الصمت يحل أرجاء الغرفة حتى سمعت خطواته تبتعد بالتدريج ليخرج أخيرا، لقد اطمئن.

في صباح اليوم التالي، استيقظت في ساعة متأخرة مجددا، لكني لم أبالي فالأيام أصبحت طويلة ولم أعد أطيق ذلك.

غادرت المنزل دون أن ألتفت لأي شيء، كنت في طريقي مباشرة إلى أي عمل.

اشتريت جريدة اليوم واتجهت إلى المنتزه أقرأها، قلبت صفحة تلو الأخرى حتى وصلت إلى إعلان يطلب نادلة في مطعم.

غادرت الحديقة ووصلت إلى ذلك المطعم بسهولة لأنه كتب عنوانه أسفل الإعلان.

كان صغيرا بسيطا وعلى ما يبدو أنه جديد. دخلت ووصلت عند مكتب الطلبات وسألت: أين أجد المدير؟

فأجاب أحدهم: أنا هو المدير، ماذا تريدين؟

يا إلهي كم هو صغير! ظننت بأنه سيكون رجلا أو عجوزا ليس شابا.

أجبت ببساطة: سأتقدم للعمل كنادلة.

- من الإعلان؟

- أجل، وأود أن أعرف أيضا كم الراتب، وكم عدد ساعات العمل، وما هي الأيام والعطل.

- يبدو أن لديك الكثير من الأسئلة والاستفسارات، وكما ترين أنا مشغول الآن. تعالي إلى هنا في الثامنة مساء فهو وقت إغلاق المطعم، سأعمل مقابلة لك لأتأكد من مناسبتك للعمل وسأجيب عن جميع أسئلتك بعد المقابلة.

تبين أن ليس لدي أي خيار آخر فمقابلتي لفتيات النادي اللعين كانت في السابعة، لكن لا بأس، لدي ساعة لحل الموضوع فأنتهي منهم.

خرجت واتجهت إلى النهر. تمددت بجانبه وليس على ضفته لأنني أحتاج إلى أن تبقى ملابسي نظيفة لمقابلة العمل، وغفوت دون أن أشعر.

قلوبٌ نقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن