وأقام موسى عند شعيب يرعى له غنمه عشر سنين ، وسار بأهله في زمن شتاء وبرد ، فلما كانت الليلة التي أراد الله - عز وجل - لموسى كرامته ، وابتداءه فيها بنبوته ، وكلامه أخطأ فيها الطريق حتى لا يدري أين يتوجه ، وكانت امرأته حاملا ، فأخذها الطلق في ليلة شاتية ذات مطر ، ورعد ، وبرق ، فأخرج زنده ليقدح نارا لأهله ليصطلوا ويبيتوا حتى يصبح ويعلم وجه طريقه ، فأصلد زنده فقدح حتى أعيا ، فرفعت له نار ، فلما رآها ظن أنها نار ، وكانت من نور الله ، فـ قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر ، فإن لم أجد خبرا ( آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ) . فحين قصدها رآها نورا ممتدا من السماء إلى شجرة عظيمة من العوسج ، وقيل من العناب ، فتحير موسى وخاف حين رأى نارا عظيمة بغير دخان وهي تلتهب في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا عظما ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ، فلما دنا منها استأخرت عنه ، ففزع ورجع ، فنودي منها ، فلما سمع الصوت استأنس فعاد ، فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة . [ ص: 157 ] أن بورك من في النار ومن حولها ياموسى إني أنا الله رب العالمين ، فلما سمع النداء ورأى تلك الهيبة علم أنه ربه تعالى ، فخفق قلبه وكل لسانه ، وضعفت قوته ، وصار حيا كميت إلا أن الروح يتردد فيه ، فأرسل الله إليه ملكا يشد قلبه ، فلما ثاب إليه عقله نودي : فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ، وإنما أمر بخلع نعليه لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، وقيل : لينال قدمه الأرض المباركة ، ثم قال له تسكينا لقلبه : وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، يقول : أضرب الشجر فيسقط ورقه للغنم ، ولي فيها مآرب أخرى أحمل عليها المزود والسقاء .
وكانت تضيء لموسى في الليلة المظلمة ، وكانت إذا أعوزه الماء أدلاها في البئر فينال الماء ويصير في رأسها شبه الدلو ، وكان إذا اشتهى فاكهة غرسها في الأرض فنبتت لها أغصان تحمل الفاكهة لوقتها .