فلما طال الأمر على موسى أوحى الله إليه يأمره بالمسير ببني إسرائيل وأن يحمل معه تابوت يوسف بن يعقوب ويدفنه بالأرض المقدسة ، فسأل موسى عنه فلم يعرفه إلا امرأة عجوز فأرته مكانه في النيل ، فاستخرجه موسى ، وهو في صندوق مرمر ، فأخذه معه فسار ، وأمر بني إسرائيل أن يستعيروا من حلي القبط ما أمكنهم ، ففعلوا ذلك وأخذوا شيئا كثيرا .
وخرج موسى ببني إسرائيل ليلا والقبط لا يعلمون ، وكان موسى على ساقة بني إسرائيل ، وهارون على مقدمتهم ، وكان بنو إسرائيل لما ساروا من مصر ستمائة ألف وعشرين ألفا وتبعهم فرعون ، وعلى مقدمته هامان ، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون يا موسى ! أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، أما الأول فكانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، وأما الآن فيدركنا فرعون فيقتلنا . قال موسى : كلا إن معي ربي سيهدين .
وبلغ بنو إسرائيل إلى البحر وبقي بين أيديهم وفرعون من ورائهم ، فأيقنوا بالهلاك ، فتقدم موسى فضرب البحر بعصاه فانفلق ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، وصار فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق ، فقال كل سبط : قد هلك أصحابنا . فأمر الله الماء فصار كالشباك ، فكان كل سبط يرى من عن يمينه وعن شماله حتى خرجوا ، ودنا فرعون وأصحابه من البحر فرأى الماء على هيئته والطرق فيه ، فقال [ ص: 164 ] لأصحابه : ألا ترون البحر قد فرق مني وانفتح لي حتى أدرك أعدائي ؟ فلما وقف فرعون على أفواه الطرق لم تقتحمه خيله ، فنزل جبرائيل على فرس أنثى وديق ، فشمت الحصن ريحها فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم أمر البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم فأغرقهم ، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم .
وانفرد جبرائيل بفرعون يأخذ من حمأة البحر فيجعلها في فيه ، وقال حين أدركه الغرق : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، وغرق ، فبعث الله إليه ميكائيل يعيره ، فقال له : آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين . وقال جبرائيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو رأيتني وأنا أدس من حمأة البحر في فم فرعون مخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها .
فلما نجا بنو إسرائيل قالوا : إن فرعون لم يغرق . فدعا موسى فأخرج الله فرعون غريقا ، فأخذه بنو إسرائيل يتمثلون به ، ثم ساروا فأتوا على قوم يعبدون الأصنام فقالوا ياموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون . فتركوا ذلك .
ثم بعث موسى جندين عظيمين كل جند اثنا عشر ألفا إلى مدائن فرعون ، وهي يومئذ خالية من أهلها قد أهلك الله عظماءهم ورؤساءهم ، ولم يبق غير النساء ، والصبيان والزمنى ، والمرضى ، والمشايخ ، والعاجزين ، فدخلوا البلاد وغنموا الأموال وحملوا ما أطاقوا وباعوا ما عجزوا عن حمله من غيرهم ، وكان على الجندين يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا .