*
نحلق عاليا وسط السماء مع انصباغ الآفاق بألوان صفراء برتقاليه تعلن عن شروق الشمس ، يوشك الليل أن ينتهي ورغم أن زروة النشاط اليومي قد بدأت الا أن هناك هدوء مريب ، نحن نوجد عند ضاحية من ضواحي منهاتن ، يتجه خط رؤيتنا الي منطقة فقيره نوعا ما ، نركز البؤرة ثم نهبط بصمت ، فإذا به ذاك المبني الراقي الوحيد بالقريه يسمونه * القصر الذهبي * ، الوقت هو أواخر الخريف ، ليس هناك رياح الا أن الهواء يحمل لفحة من البرد ، دعونا نركز بؤرتنا علي ذاك المبني الفاره ، تلك الغرفة لقد جذبتنا حقا ، ان طابعها يتميز باللون الأبيض ، تستقر أعيننا علي فتاة نائمة بعمق ، لما هي بالذات ؟ ولماذا ليس أحد غيرها ؟ ، سؤال يصعب الإجابة عليه ، نحدق بها محاولة منا لإكتشاف ذلك ، نقرب عدسة الرؤية من تلك الفتاه ، شعرها الفاحم منسدل علي الوساده مثل فيضان الماء الأسود ، شفتاها الصغيرتان مضمومتان ، انها نائمة بعمق وكأنها لا تريد للنوم أن ينتهي ، لكن ما يلفت أنظارنا تلك الكدمات المنتشره بأنحاء جسدها ، بينما نلاحظ روز كلاود ، نلاحظ تدريجيا أنه لا توجد عضلة واحده بوجهها تتحرك ، رقبتها النحيفة البيضاء ، عظام ترقوتها البارزه تحافظ علي الهدوء ، أما ذقنها الصغيرة فتأخذ زاوية حادة مثل بروز أنيق الشكل ، تتواصل نبضات روز وأنفاسها عند أقل مستوي ممكن ، لا ريب أنه يوجد شيء هنا لا يتوافق مع الطبيعة ، بالكاد يدخل شعاع من الشمس الي تلك الغرفه مخترقا الزجاج الشفاف والذي تكونت عليه طبقة كثيفه من الضباب ليبدأ بمداعبة شفتيها الممزقتين ولا تزال تلك الدماء ترسم خطوطها بين تشققاتها
*
تتابع دخول أشعة الشمس للغرفه معلنا عن مجيء الصباح ، أنين خافت خرج من بين شفتي روز ، حاجبيها بدآ بالتجعد ، فتحت عينيها المطلية بلون السماء بتثاقل لتعلن بداية يوم جديد من الحزن والشقاء وكأنها تتمني أن تلفها الظلمة للأبد ، حاولت الجلوس لكنها شعرت بألم يعتصرها ، وضعت قدميها فوق الأرض البيضاء ، تكبدت العناء حتي وقفت ، حركت قدميها النحيلة مستندة علي الحائط وهي تحاول الوصول الي ذاك الحمام الصغير ، سارت بضع خطوات علي غير هدي قبل أن تتعثر بذاك الشق الموجود بأرضية الغرفة المصقولة ، انتشار الألم بأنحاء جسدها الهزيل لم يمنعها من محاولة الوقوف مره أخري ، وصلت أخيرا الي الحمام انه بالكاد يكفيها ، خلعت ذاك الثوب الخفيف من علي جسدها والذي لا تمتلك غيره فهي ترتديه منذ وقت طويل للغاية ، فتحت المياه لتنزل تلك القطرات الباردة ببطء علي جسدها لتشعرها بمزيد من الألم ، انعكست صورتها علي مجموعة من المرايا غير المتجانسه ، نظرت الي جسدها الهزيل ، تلك البقع الداكنه المنتشرة في أنحاء جسدها ، جسدها الضئيل ، صدرها الباهت ، عظامها البارزه وتلك الجروح الغائرة والتي أرهقت جسدها بشده ، عينيها تدوران بيأس حتي نظرت للأسفل لتجد المياة تلونت بذاك الأحمر القاني ، استندت علي الجدار ، ابتلعت غصتها وهي تشدد علي قبضة يديها وذكرياتها تتدفق لعقلها بلا أدني توقف ، جسدها الذي ينتهك كل يوم بوحشية سواء بالضرب أو الاعتداء كل ليلة بواسطة عمها والذي يكبرها بعدة سنوات لذنب لا تعلمه حتي ، انحنت ببطء لتغلق المياه ، مدت يديها لتأخذ ذاك الثوب الواسع المغطي بدمائها ، خرجت من ذاك المكان الضيق ، نظرت لتلك الغرفة الباردة الهادئة التي تبث الرهبه في نفس كل من يدخل اليها ، استلقت علي السرير وتكورت حول نفسها ببطء حتي لا تشعر بذاك الألم ، ولكن أني لها ألا تشعر به وتلك الجروح تغزو كامل جسدها ، شعرها الأسود الفاحم في حالة فوضي ، لا تزال تشعر بقبضة عمها وهو يشد شعرها ويعذبها بلا رحمة " ما تلك الحياة ! "
بقيت ساكنه علي السرير ، انها لا تتحرك ، كما لو أن جسدها قد غلف بشمع دافئ ، تدافعت الذكريات الي رأسها ، السرير الدافئ ، حنان والديها ، ابتسامة والدتها الحانيه ، ضحكة أخوها الصغير مجلجلة في أرجاء المنزل ، تنهدت بحزن فتلك الأجواء المشحونة بالحب ، فقدتها بلمح البصر فمنذ سنتين وهي تتأرجح بذاك المكان البارد المخيف والكئيب فمنذ وفاة والديها بحادث غامض وجدت نفسها محتجزه في منزل عم لم تره الا عدة مرات في مناسبات لا تكاد تعد بأصابع اليد ، أصبح الوصي عليها ، بسببه لم تعد تعلم أي شيء بهذا العالم ، لا شيء ، لا أصدقاء لا هاتف لا خروج من الغرفة ولا حتي دراسة ، ليجعلها دميته التي يفرغ طاقته عليها من جميع أنواع الضرب والتعذيب والإهانة كل ليلة ، ترقرقت عيناها بالدموع وشقت طريقها علي وجهها الشاحب ، شعرت بحرارتها ، أخذت تنتحب ببطء وبصوت مكبوت حزين ، لا تستطيع الصراخ ، صوتها يبح كل يوم من الصراخ لترجوه وتتوسل لعله يدعها تلك الليلة فقط ، أن يرخي أصابعه عن ضربها والاعتداء عليها بوحشية ، حملت نفسها علي المشي قليلا وجلست بجانب تلك النافذة الأثيرة ، ترقب عيناها الناس الذين يمشون بالشوارع ، تتمني لو أن أحدهم ينظر اليها لينقذها مما هي فيه ولكن لا حياة لمن تنادي فالمرة الوحيدة التي حاولت الهرب فيها عذبها عمها بأن لف سلك من الكهرباء حول جسدها لتشعر بتلك الشحنات الكهربائية تصعقها بقوة وبلا رحمة حتي سقطت مغشيا عليها ، ابتسمت بدفء لأنها استطاعت أن تجعل أخيها الأصغر يفلت من بين يدي عمها الشاذ الذي كان يفرغ شوهته الجنسية به بلا أدني رحمة متجاهلا صغر سنه وأنه عاش بعائلة مستقيمة دينيا ، تنهدت وهي تتأسي علي حالها قائلة : " من كان يظن أن روز كلاود تلك الفتاه التي كان يتوقع لها الجميع مستقبل باهر أن تصبح علي هذه الحاله ، كم عمري الآن ، هل أصبحت بالتاسعة عشر ، العشرين ؟ ، لا أدري حقا
أنت تقرأ
الإنتقام || The Revenge
Mystery / Thrillerيضرب علي أوجاعهم بلا مبالاة وكأن حياتهم بلا قيمة يلعب بهم وكأنهم دُماه لم يكن المال ما يحبه حتي اشعباع رغبته لم تكن ما يسعي اليه ذاك الرجل الذي ينهشه الحقد رغبته العارمة بالإنتقام أعمت عينيه أما هواه الحق فستعرفه اذا ملكت الجرأه والقوة علي أ...