الحزء السابع .. "المطعم"

33 4 0
                                    

ظلاَّ طول الطريق صامتين، كأنهما يبعثان رسائل بينهما دون الحاجة لأن يتحدث أحدهما مع الآخر شفهيا. الأرواح المتحابة تجد دائما طريقا لتبوح بما يجول بخاطرها، لكن المتلقي يجب أن يكون مرهف الحس ليفهم هذه المعاني.. هذا يعرف ب .. إمم.. لحظة لأذكر الكلمة.. إمم.. نعم!!! وجدتها: التخاطر ! لم يكن للحديث أدنى قيمة بينهما، يحتاجان إليه لذِكر التفاصيل فقط.
- هذا المكان الذي سنذهب إليه مميز، أرجو أن يعجك.
- بدأتُ من الآن أحاول تخيل شكله و يعتريني الفضول! أيُمكن أن تلمح لي و لو تلميحا بسيطا عنه.
-مستحيل. مجيبا.
- أرجوك !!!
- لا، لا مجال. لمَ لا تحدثيني أنتِ عن شكله و كيف تتوقعين أن يكون؟
بعد شهيق طويل بدأت تقص عليه ما جال في خاطرها.. كان جاسم يبتسم لحديثها و لم يُعلق على أية جزئية إطلاقا. تركها تتحدث من تلقاء نفسها و تسرد له جميع تقاصيل المطعم، من شكله الخارجي حتى لون مقاعده و أنواع الخشب المستخدم في الأرضية. لم تترك لا شاردة و لا واردة إلا قالتها. وجد الشاب حديثها ممتعا. أحست جود فجأة أن الوقت المستغرق للوصول إلى المطعم شيء ما أطول مما توقعت، لكنها لم تخبر زوجها بل أكملت سرد التفاصيل، كان جاسم سعيدا أيَّما سعادة بحديثها.
ما إن انتهت من الكلام حتى قال لها:
- أما عن المطعم، فليس حقيقة مطعما، بل هو مكانٌ خارج المدينة قرب النهر الكبير، كنت أذهب إليه أحيانا لأتأمل في النهر. يأسرني دائما جماله و يذهب بي لعوالم أخرى.. عوالم الأمزجة، و الخير و الشر في الإنسان، ثم أبدأ بالتفكير بهمجية تفكيرنا و مدى الانحطاط الذي وصلنا إليه لدرجة أن القانون أو النظام بات للشخص الأخرق فقط أو الملل.. كل تلك الهواجس و أخرى كانت تأتيني بعد قضاء ساعات طوال من قراءة كتب المنهج النفسية. لذلك أحببتُ أن تتوهي في بنات أفكارك أنت أيضا. مبتسا.
- إذن لقد خُدعتُ!
لم يتمالك جاسم نفسه من الضحك حتى بدأت عيونه تدمع، أما عن زوجه فحاولت إيجاد شيء ما لتضربه به ليكف عن الضحك..
بدا أن أصوات أبواق السيارات و العجلات و أصوات المحركات بدأت تخف شيء فشيء.
حينما كادت السيارة تصل، أسر عينا جود ما رأته. مسطح أزرق متوهج نتيجة الإنعكاس الطبيعي لأشعة الشمس.
- يبدو أن هذا هو المكان الذي كنت تجلس فيه. مشيرة بيدها لشجرة زيتون صامدة، تحرك الرياح أغصانها. بدأ الزيتون ينضج؛  فبعض حباته لونها أحمر قاتم.كانت شجرة ذات ظل طويل، يسهل على المرئ أن تأخذه سنة أو نوم  تحتها على الرغم من تغريد الطيور.
أطفأ جاسم محرك سيارته الصفراء، ثم خرج و فتح الباب الخلفي للسيارة بينما جود قد خرجت من السيارة و تتأمل مياه النهر العذبة. أخرج منها سلة طعام ثم توجها تلقاء الشجرة ليستظلا بظلها، أخذ يحدث زوجه عن جمال المنظر و عن بعض تأملات التي لا تزال عالقة بذاكرته أيام الكلية و المذاكرة تحت هذه الشجرة.

_______________________________

أعتذر عن تأخري في تكملة الأجزاء.. للرواية بقية إن شاء الله.

يوميات بيت مسلمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن