الفصل الأول " شَالٌ وَ قِطعَةُ خُبز "

268 12 15
                                    

في إحدى ليالي فصل الشتاء من العام المجهول ، في الليلة التي لا أعلمها في اي شهر تكون ، كنتُ مرتمياً حافياً في أحد أزقة هذا العالم الضائع ، متلحف بقطعة قماش بالية ، أصنع كُرات الثلج ، وأاكلها لعلها تسد جوعي .
كنت وحيداً ، فوالدي قد انتحر بعد خنقه لوالدتي حتى الموت ، لا أعلم لمآ فعل ذلك لكنهما كانا سعيدين جداً ؛ لا أزال أذكر ما حدث في تلك الليلة جيداً ، كان برداً قارصاً ، ووالدتي كانت ترتجف كثيراً ، عانقها والدي ، ثم وضع يديه على رقبتها ، وخنقها حتى الموت ، بعدها بلحظات أخذ قطعة زجاج حادة ، وغرسها في صدره ؛ صرخت ، وهرعت من الزقاق الذي كنا نسكنه ، كنت اركض بسرعة ، واصرخ من هول ما رأيته ، وحين توقفت كنت قد وجدت لنفسي زقاقاً جديداً ، رميت جسدي فيه ، ولم أستطع النوم لمدة طويلة فكان ما رأيته هو أسوء كابوس في حياتي ؛ ذهبا سعيدين وتركاني في هذا العالم البارد والموحش لوحدي ؛
مرت فترة طويلة إلى أن بدأت الإعتياد على الأمر ، ثم صرت أخرج في النهار حافياً في البرد بثيابي المهترئة ابحث عن قطعة خبز بجانب قمامة ، أو بقايا طعام بجوار مطعم مرمية ، أجد أحياناً ما يملأ جوعي ، وأحياناً أعود للزقاق ، واحشوا فمي  بالكرات الثلجية ؛ واصلت العيش هكذا لمدة طويلة لا أعلم كم ربيعًا مضى بعد ذاك الكابوس المؤلم ، ولكنها مدة طويلة .

استيقظت في احد النهارات المجهولة ، لا اعلم أنحن في الصباح ، أم الظهيرة ، خرجت حافيًا كالعادة ابحث عن قارورة فارغة ، وبقايا طعام بجانب قمامة مرمية ، وجدت كليهما ، وعدت الى زقاقي مجدداً ، ملأت القارورة بالثلج ، واخرجتها للشمس قليلاً علهُ يذوب وأروي عطشي به ، بقيت منتظراً ذوبان الثلج في القارورة ، وأاكل بقايا الطعام التي جمعتها من القمامة ، واذا بي ارى عربة قد جاءت ، و توقفت أمام الفندق الكبير المقابل للزقاق ، نزلت منه فتاة لم استطع رؤية ملامحها بدقة ، ولكن شعرها الأسود كان به جاذبية غريبة ، وكانت ترتدي ملابس دافئة ، فبدى لي انها فتاة ثرية ، بقيت اتأمل تلك العربة الفخمة ، واشاهدهم وهم ينزلون حقائب و صناديق كثيرة إلى أن ذاب الثلج الثلج الذي في القارورة ، ورويت عطشي به ؛ ذهبت العربة  ، وواصلت يومي اتأمل في القارورة الفارغة إلى ان اسدل الليل ستاره ، غطيت جسدي بقطعتي البالية فالليلة كغيرها من الليالي الباردة حشوت فمي من الكرات الثلجية وواصلت حشوه حتى نمت .

استيقضت صباحًا ، فوجدت بقربي قطعة خبز ، و شال عليه كلمة لم استطع قرائتها لانني لم أتعلم القراءة ، لففته حول عنقي ، ورائحته العطرة تبعث في نفسي البهجة ؛ كان اول يوم منذ مدة طويلة اشعر فيه بانني دافئ ، وكان اول يوم أاكل فيه قطعة خبزٍ كبيرةٍ غير متسخة ، انهيت أكل قطعة الخبز ، وقمت أتجول في الأزقة ، وفي شوارع هذه المدينة الضائعة ؛ امشي وحول عنقي شال دافئ ، تنبعث منه رائحة عطره تفوح في كل مكان ، لاول مرة اتجول وأنا أشعر بسعادة ، انهيت جولتي وعدت الى الزقاق لم افكر من أين جاءت قطعة الخبز و الشال ؛ قلت فقط أن الله يحبني ، وأعطاني هدية ؛ حين وصلت إلى زقاقي سمعت صوت انفتاح شرفة ، فنظرت وإذا هي الفتاة ذات الشعر الأسود قد فتحت الشرفة ؛ كان شعرها يغطي ملامحها ربما هي فاتنة ، خُيّل لي أنها تنظر باتجاهي ، لذا غطيت وجهي بشالي الجديد ، وواصلت النظر نحو شرفتها ، كانت تمسك كتابًا ، وترتدي ملابس دافئة ، وكان الهواء يداعب شعرها ، بقيَت هناك طويلاً إلى ان بدأت الشمس بالغروب ، واكتست السماء رداءها الأحمر ، ثم عادت لغرفتها ، وأغلقت الشرفة ؛ بقيت أراقب زجاج شرفتها من الزقاق ، عنقي يتلحفه الشال ، ويشعره بالدفئ أما بقية جسدي فقد كان مغطى بقطعة قماش بالية ، ومهترئة ، وبها ثقوب كثير ، لكن لا بأس ، فالشال يشعرني بالدفئ ولو قليلًا ؛ كان الجو بارداً جدًا ، وأنا أواصل مراقبة زجاج تلك الشرفة ، وفجأة شاهدت ظلًا في ينعكس على زجاج الشرفة ؛ ظننت انني اتخيل ذلك بسبب البرد ، ولكن الظل عاد مجددًا ليرسم نفسه على زجاج تلك الشرفة ، ثم بدأ بالرقص كانت تتمايل كأنها ثملة ، أو ربما هي سعيدة ، ولكن الحقيقة انها كانت ترقص ببراعة ، فرقصها كان جميلاً ؛ راقبتها طويلا ، ولكن من شدة البرد اغلقت عينيَّ ، ولم استطع فتحهما مجددًا ؛ نمت سهوًا ، وأثناء نومي حصل امر غريب ، أو ربما حلم جميل ، شاهدت شخصاً بقربي يضع الخبز ، ثم بدأ يمسح بيده على رأسي ويتحسس ملامحي ، فتحت عيناي ولكن لم أستطع رؤية ملامح هذا الشخص جيداً .
سألته : " من انت ؟ " ، وحين اجاب تعجبت ! كان صوت أنثى .
قالت : " أنا رُولِين "
ابتسمت وعلمت أنني أحلم ، ثم واصلت نومي .

صحوت في الصباح ، ولازال الشال يعانقني ؛ اخذت كرة ثلجية ووضعتها في فمي ، أردت النهوض
لـِ أبحث عن قارورة فارغة ، وبقايا طعامٍ مرميةٍ كما أفعل كل صباح ، وإذا بي أجد قطعة من الخبز بجانبي ، سرحت قليلًا ! وتذكرت ما حدث في الليل ، اخذت قطعة الخبز ، وبدأت بأكلها وأنا شارد الذهن ! أفكر ما ان كان ما حدث في الليل حلمٌ أم أنني تخيلت ذالك ؟!.
وان كان حلمًا أو كنت أتخيل ذالك ؛
فمن اين جاءت قطعة الخبز ؟.
من هي تلك الفتاة ؟.
من هي رولين ؟.
تساؤلات كثيرة واصلت ازعاجي ، لم أشعر بنفسي حتى أنهيت قطعة الخبز ، وعضضت على اصبعي حتى أنني لم الاحظ خروج تلك الفتاة إلى الشرفة ، عدت للحال التي كنت بها مساء الأمس ، بقيت أراقبها طويلًا إلى ان احسست بامر غريب ، دخلت هي إلى غرفتها وأغلقت الشرفة ، وأنا بقيت في وضعي الغريب شعرت وكأن الدنيا تدور ، ولم استطع الوقوف ، سقطت على الارض ، ولم أشعر بنفسي ، وكان الأغرب ما شاهدته عند صحوتي .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 04, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رُولِينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن