لحظة تغيير

41 4 27
                                    

يجلس هو في ركن من أركان حجرته، عيناه سوداوان وكأن النوم لم يزره لثانية منذ أسابيع، شاحب اللون، ضعيف البنية.
بدى وكأنه بكى وبكى وبكى حتى فارق الدمع عيناه، كتبه الثمينة التي لم تفارق يديه يوماً كستها طبقة من الغبار، صرخت به عاتبة، حتى أحرفها تبعثرت لتكون كلمات عتاب وحزن شديد، لكن ما عساه يفعل سوى النظر اليها نظرة القاتل الهارب ينظر الى أحباءه من مكان بعيد، خائف ان يقترب منهم حتى لا ينتهي به المطاف في السجن. نعم، هذا هو أحمد، الشاب الذي لطالما تُوِقِّعَ له مستقبل باهر. لكن للأسف انتهى به الامر يدخل غابة من الضياع تودي به الى الهاوية.
بينما هو يجلس في عزلة، بدأ يتذكر ماضيه الذي تذكره آلاف المرات، سواء اللحظات الحلوة ام اللحظات السيئة الجارحة.
تنادي الام:- أحمد فلتستيقظ، انها ٦:٣٠ صباحا.
نهض احمد من سريره يشعر بالنشاط ليستعد للذهاب للمدرسة.
هو كان طالب متفوق كل زملائه يحسدونه على ذكائه الغير معتاد، لم يستطع يوماً اي طالب تخطيه في اي شيء سواء في الاختبارات او في المسابقات او اي شيء اخر، لكن الانسان ليس كاملاً كمال تام، فلا بد من انه لديه ما ينقصه، فما كان ينقص احمد هو الذكاء الاجتماعي... للأسف عاش حياته بين كتبه، يقرأ كل ما يقع بين يديه، يمضي وقته في غرفته لا يخرج منها سوى للذهاب الى المدرسة، الى جانب المدرسة كان يتغذى قراءةً، أصدقائه هم كتبه، كتب الدراسة، روايات، ودراسات، لم ينشئ اي علاقات خارج حدود الكتاب الذي بين يديه، كان قليل الكلام، الى درجة انه نسي كيف يتكلم الانسان، لم يتعامل مع الماس من حوله كثيراً الا للضرورة الماسّة، لطالما لقبوه من حوله بالمجنون، قالوا عنه انه منفصم الشخصية.
لم يملك خبرة في الحياة سوى من الكتب، لم يقم بأي نشاط يمدّه بالخبرة. ذلك ما كان يُعيب أحمد.
على الرغم من انه يحب المدرسة منذ اول يوم له فيها، حتى بعد ١٢ عام، فهو ام يتبقى له سوى عده أشهر ثم يصبح في الجامعة، الا انه لم يستطع ان يفلت من كلام زملائه السيئين، الذين لطالما سخروا منه وقالوا عنه كلام يستفز اي إنسان حتى الصخر، ولطالما حركوا مشاعره وجعلوا قلبه يعتصر حزنا وألماً.
دخل احمد الصف كعادته قائله بصوت لا يكاد يُسمَع: صباح الخير.
لتلحقه عبارات الاستهزاء:- صباح الخير بالطالب العبقري.
ليقول طالب يدعى علي:- انا احسد احمد فعلا، أتمنى لو انني املك ذرة منذكائه.
يضحك سامي ليقول:- اي حسد، هذا الانسان يوماً ما سوف يَجُنَّ من شدة ذكائه، فهو منطويٌ لا يعرف سوى كتبه.
ضحك جميع الطلاب على تلك الجملة مستهزئين من أحمد.
بعد انتهاء الدوام المدرسي، خرج احمد من الصف ليقصد البيت كعادته. لكن استوقفه صوت سامي قائلاً بلهجة خالية من الاحترام:- هاي، احمد انتظر.
التفت احمد وقال بانكماش:- ماذا.. مااا.. ماذا تريدون مني؟!
اقترب علي وسامي وطالبين اخرين منه مبتسمين فقال علي:- لا تخف يا أينشتاين، نريد التكلم معك قليلا فقط.
سأل أحمد:- نعم.
- هل لديك اي خطط اليوم بعد الدراسة.
اجاب أحمد:- نعم، علي إنهاء قراءة كتاب اليوم.
قال سامي:- كتاب؟ فلتنسى ذلك، يمكنك قراءته لاحقاً، ما رأيك ان تخرج معنا اليوم لنتسكع، ستستمتع.
نظر أحمد مفكراً: حسنا لكن علي استشارة والدي اولا.
ضحك علي ساخراً، فقال علي:- استشيرهم براحتك يا زلمة، راح نكون عندك ع باب الدار اليوم الساع ٦ مساءً.

انتظروا الجزء الثاني... لكن بعد رؤيه تشجيعكم

غابة الضياعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن