"سيّدة بهية... أتعلمين؟ أنتِ تحتاجين لإصلاح"
زفر بضيق وهو يحرِّك قطعة الحلوى التي أعطته تلكَ الصغيرة إياها في فمه، ها هي الآن تناديه بصيغة التأنيث وقد غيَّرت اسمه قبل قليل، إنّه عالقٌ معها، أحاديثها لا تتوقف، يريد تركها ولكن لا يستطيع، هي وحدها، وإذا سألها عن عائلتها تتجاهله "لِمَ؟" سألها بعدم اهتمامٍ بينما كان جالسًا بجانبها على إحدى كراسي الانتظار الخاصةِ بالمجمَّع.
"أنتِ خجولةٌ أكثر من اللازم، تسايرين الكل، ضعيفة الشخصية، وماذا أيضًا؟ لا تستطيعين التخلص من طفلة صغيرةٍ مثلي"، رمقها بنظرةٍ ساخرة "أشكُّ في كونِكِ طفلة، أو بالأحرى فتاة"، كانت تجلس بطريقة خشنة على الكرسي حيث كانت متربِّعةً ومتكئةً بمرفقها على فخذها الأيمن تحدِّق بالناس.
مهما حدَّق بها، يجد مظهرها مميَّزًا بعض الشيء، خاصةً بسواد بشرتها، وقصةِ شعرها التي لم تبقِ الكثير منه، حيث أنه لا يصل إلى أذنيها، مِنَ السهل تذكر مظهرها، تساءل، ما فائدة العباءة من النوع الذي يوضع على الكتف التي تلبسها؟، ملابسها ظاهرة، حسنًا، لا تزال في التاسعة لذا يحدث هذا كثيرًا، ولكن، أَمِنَ الجيّدِ البقاء معها حقًّا؟، إنّه يبدو نوعًا ما كـ، لا يعلم.
"ألديكَ أصدقاء؟" سألته بملل، إنها تحدثه بالصيغة المذكرة الآن، فكّر، أجاب بنفس النبرة محدِّقًا حيث تحدِّق "بالطبع"، رفعت حاجبيها متفاجئةً من الإجابة "حقًّا؟، مع كونِكَ هكذا؟"، إنها تهينه منذ أن التقاها، أهو حقًّا بهذا السوء؟ "لِمَ؟"، حدَّقت فيه، فبادلها مستغربًا، "أنتَ عكسي تمامًا"، ابتلع قطعة الحلوى، بالتفكير في الأمر، كلامها صحيح، "أحان الوقت لنبحث عن أهلكِ؟" سألها مغيِّرًا الموضوع، نهضت من الكرسي "لا، حان الوقت لجولة طويلة في هذا المجمَّع"، حكَّ شعر رأسه بأطراف أصابعه غير معجبٍ بهذه الورطة "والدتي ستستاء من تأخري"، قطبت حاجبيها، وأشارت بسبّابتها الصغيرةِ إلى أنفه "أأنتَ طفل؟، حقًّا!"، أبعد سبَّابتها "وأهلكِ أيضًا سيستاؤون، يجب عليكِ العودة إليهم!"، هزَّت رأسها بقوة "ليسَ قبل أن تذهب في جولةٍ معي، فكما قلت، أنتَ تحتاج إلى إصلاح!"
_._
"آسف، لم أسمعك، أعد ما قلت"
كانا مبتعدين عن صخب بقيًّة الأصدقاء، في مكان هادئ تحت ضوء القمر، زفر بضيق "أيسر، أنتَ شارد الذهن كثيرًا هذه الأيام" كان بازي متكئًا على الجدار موجهًا نظراته إلى أيسر الذي كان جالسًا على إحدى الكراسي البلاستيكيَّة ممسكًا بكأس ماء مطأطئًا رأسه "أعتذر".
ارتخت ملامحه قليلًا "لا بأس، لا عليك" كانت تعابيره ممتزجةً ببعض الحزن، صديقه قد تخطَّى حقيقة موتِ بُسلٍ بصعوبة، ولكن ذلك أثَّرَ عليه بلا شك، حيث أنَّ الجميع قد تخرَّجَ من المرحلة الجامعية ما عداه، وها هم اليوم يقيمون حفلًا داعين إياه متناسين مشاعِرَه.
"أشكركَ يا بازي"، قالها أيسر مبتسمًا، لم يجرؤ على رفع رأسه ومقابلة عينيه عيني بازي الذي قد ساعده كثيرًا في الآونة الأخيرة، يحسُّ بالنقص، الجميع قد سبقه رغم كونهم كانوا يستمعون إلى نفس الدروس معه سابقًا، "لِمَ الشكر يا صديق، أنا مسرورٌ لكونِكَ قد تخطَّيتَ ما أصابكَ سابقًا، ولرؤيتِكَ تخرج من بيتِكَ وتجتمع معنا كما الأيام السابقة".
لا، فكَّر أيسر، ليس كالأيام السابقة، ففي السابق، كان بُسلٌ معهم، أحسَّ بألمٍ يدلُّ على الرغبةِ في البكاء في حلقه، ولكنَّه تحمَّل، لا يجبُ عليه التفكير في هذا الآن،"مباركٌ تخرُّجُك، نسيت قولها" قالها أيسر، ابتسم بازي، ولم يَرُد، بل وجَّهَ نظره نحو السماء "أمامكَ مستقبلٌ طويل مزهرٌ بإذن الله، أيسر"، لم يردَّ أيسر كذلك، ظلَّ مطأطئًا رأسه.
أكمل بازي عندما لم يسمع ردَّه "أنتَ قد التحقت بالجامعة الآن، أي أنَّ حياةً جديدةً قد بدأت، أي أنَّ ماضيًا قديمًا قد ولَّى، ما حدث قد حدث، وحزنكَ عليه دليلٌ على كونه ليسَ بيدِك"، علِم أيسر أن بازي يقصد موتَ بُسل، "مرةً أخرى، أشكرك" قالها أيسر بحزن، فربت بازي على كتفه "يا رجل، ما حدث بفضل الله ثمَّ بفضلها، لم أفعل شيئًا"، تذكَّر أيسر من تقصده، فابتسم "لم يتوجَّب عليَّ شكركَ إذًا"، قالها وهو ينهض من الكرسيِّ ممَّا جعل ابتسامة بازي تتَّسع، (أنا حقًّا شاكرٌ لها) أسرَّها بينه وبينَ نفسه.
_._
"رائع!، أنتَ بارعٌ في صنع الكعكِ حقًّا أخي!"
ابتسم بفخر وهو يخرج صينية الكعكِ من الفرن "رائحته تخطف الأنفاس" قالت وهي تحدِّق بالصينية التي وضعها آسِر على الطاولة "أيمكنني أخذُ قطعة؟"، هزَّ سبَّابته مغلِقًا عينيه رافعًا لحاجبيه بطريقة مستفزَّة "لا للأسف، هذه ليست لكِ"، رفعت حاجبها "لِمَن إذًا؟"، قطب حاجبيه "ستذهبين لاجتماعٍ غدًا صحيح؟، تعرفين بيلسان، لا تفعل هذا إلا بمقابِل، احمدي الله على وجود أخٍ رائع مثلي يساعدكِ في المنافسة التي ستقام غدًا على الطبق الأفضل!".
"لم أتحدث عن منافسة ستقام أبدًا!"، ابتسم "أنا أعرفكنَّ جيَّدًا معشر النساء، لا أريد من أخواتِ آسِر الخسارة"، علَّقت بسخرية "أصبح مغرورًا عندما استطاع طبخ طبقٍ أحرقه العديد من المرَّات!"
"أستحظر الاجتماع غدًا؟"، وجَّها أنظارهما نحو بيلسان التي دخلت المطبخ وهي تسأل هذا السؤال، فهزَّ رأسه تأكيدًا "بالطبع، يقولون أنَّ عدوِّي قد خرج من جحره أخيرًا"، ابتسمت "لقد مرَّت سنينٌ عليه ولا زلت تفكِّر فيه؟"، قال وهو يزيَّن قِطَع الكعك "أكيد"
._._._._.
ألاحظتُم اختلاف شخصيَّةِ آسِر أمام أخواتِه؟ :)
على كلٍّ، بانتظار تعليقاتكم.

أنت تقرأ
حَلْوَى، مَا سَيَحُلُّ كلَّ شَيْءْ.
Mystery / Thriller"عَزِيْزِيْ بَهَاءٌ الّذي يَلْفِظُ أَنْفَاسَهُ الأَخِيْرَةْ، مَا رَأْيُكَ بِقِطْعَةِ حَلْوَى؟" زَوْجَتُكْ،،