عرفان الصياد و حورية البحر

2.6K 175 14
                                    


#عرفان_الصياد_و_حورية_البحر
الفصل الثاني
لم يرد عرفان أن يطيل الشد و الجذب في الشبكة، حتى لا تنقطع و تفلت السمكة.. فما كان منه إلا أن فكر في حل أخير عندما لم تتوقف السمكة عن المقاومة، ألا و هو أن يطعنها بالحربة، و يسحبها ليرفعها فوق القارب، و ما كاد يهم بذلك إلى أن كانت المفاجأة!

إستدارت السمكة بجسدها، و رأى عرفان شيئاً لا يصدق.. لقد كان للسمكة جسد أنثى في النصف الأعلى، و جسد سمكة في النصف الأخر! لقد تذكر حكايات رواها له جاره الطيب حين كان صغيراً.. عن حورية فاتنة تصيد شباب الصيادين كما يصاد السمك، لتوقعهم في غرامها الفتان، و حسنها البهي، و تمتص رحيق عمرهم الفتي عبر غوايتهم بصوتها العذب.

إلتفت حورية البحر بجسدها لتواجه عرفان، و تنظر إليه، و ظلت تغني بصوت يسحر الألباب.. غير مدركة أن عرفان لا يمكنه سماع شيء من أنشودتها.. فهو أصم. أما عرفان، فقد حاول أن يفهم حركات شفتيها، و لكنها كانت تتحدث بلغة غريبة على قومه، لذا بعد برهة من الوقت.. صار يدقق النظر إلى محياها الجميل.. كانت حقاً حسناء.. شعرها كخيوط الذهب و المرجان.. لونه كلون الغروب، أما عيناها فبنيتان تشوبها خيوط رفيعة من الذهب.. عينان آسرتان بعمقهما.. تحيط بهما رموش طويلة داكنة.. كبحيرتان يلتمع عليهما نور الشمس في وجه صاف مرمري.

ظل عرفان ينظر لملامحها الجميلة الآسرة.. أما الحورية، فقد أندهشت من عدم تأثر الصياد بأنشودتها. حاولت أن تغني مرة أخرى، لكن ما ظهر عليه مجرد إعجاب بملامحها. تعجبت من أمر ذلك الشاب، لما هو مختلف عن غيره؟ أخذت تدقق في قسماته.. لم يكن وسيماً، لكن وجهه يحوي شيئاً يجذب الأنظار إليه.. بشرة سمراء، عيون واسعة يتمايل لونها ما بين البني و الأسود، و رموش طويلة سوداء تحسده عليها أجمل نساء الأرض، أنفه مستقيم.. ينحدر نحو فم ممتليء، و لحية خفيفة سوداء على ذقنه.. تتخللها بضعة خصلات قليلة بيضاء رغم صغر سنه.. يبدو أن حياته كانت شاقة.

"حسناً.. ما العمل الآن؟" حدثت الحورية نفسها.. فمن سخرية الأقدار أن صادها في شباكه بدلاً من أن تصطاده هي. حاولت أن تخلص نفسها.. لكن كلما حاولت المقاومة تشابك ذيلها أكثرفي خيوط الشبكة. أخذت تأن في يأس و بكت.. لم يكن الإحساس بالضعف و الهوان من شيمها.. لكن قواها خارت من كثرة مقاومتها، و إحساسها باليأس.. حتى أحست بيد تهز كتفها بلطف، و تمسح دمع عيونها. نظرت إلى وجهه المبتسم.. و إشارات يده الأخرى التي تأمرها بالتوقف عن المقاومة..

حين رأى عرفان الدموع في عيني الحورية، أحس بشيء يعتصر قلبه.. كأنه يسمع أنينها. فهم أنها تتحدث بلغة غير لغته.. حين كانت تشدو، و لم يفهم من حركات شفتيها شيئاً.. فكان السبيل الوحيد أن يستعمل لغة الإشارة، كي يتفاهما. وضع يده على كتفها، ليوقفها عن شد الشباك، حتى لا تمزقها، ثم أشار لها بالتوقف عن الحركة. حين هدأت، أخذ عرفان يحل خيوط الشباك عن جسدها إلى أن أستطاع، أن يحررها منها. حين أحست بإطلاق سراحها، قفزت الحوريه بجسدها في الهواء، لتندفع بعدها في الماء.. أخذت تظهر و تختفي تحت صفحة الموج، مبتسمة، و قطرات الماء تتلألأ حولها كما هالات النور و قطع الماس تحت ضوء الشمس.

وقع عرفان في هوى الحرية، أسرته إبتسامتها، و رقصاتها في الماء.. بدلاً من الأنشودة التى تجذب بها الآخرين. أحس بنبضات قلبه تزداد، و كأنه سينفجر بين أضلعه. أما الحورية، فبعد أن ذهبت عنها نشوى الإحساس بالحرية.. توقفت، و أخذت تنظر للصياد مرة أخرى. لما تبدو ملامحه أكثر جمالاً الآن؟ لما تشعر بهذا الإنجذاب نحوه؟ ما الذي لا يجعله يتأثر بأنشودتها؟ و لما رغم إختلاف لغتيهما و عالم كل واحد منهما.. تحس و كأنها تعرفه؟ لم تجد جواباً لأسئلتها.. فقط كل ما استطاعت عمله هو أن تبتسم، فما كان منه إلا أن عاود الابتسام لها.. ظلا ينظران لبرهة من الوقت لبعضهما. ثم أختفت تحت سطح الماء.. تاركة عرفان في القارب.
ترى هل سيتقابلان مرة أخرى؟
©Salwa M
June 19th, 2016

عرفان و حورية البحرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن