عرفان و حورية البحر

5.1K 231 24
                                    

الجزء الأول من قصة عرفان و حورية البحر 😊 يا رب تعجبكم زي شهرزاد كده.. ربنا يستر 😜
عرفان الصياد و حورية البحر
الفصل الأول
كان عرفان صياداً شاباً.. قوي البنية.. مفتول العضلات. لم يكن يملك من متاع الدنيا شيئاً سوى صحته، و أمه التي أنهكها المرض و دارت على جسدها السنوات بعد وفاة زوجها، و شقائها في البحث عن لقمة عيش.. تسد بها أنياب الجوع التي لطالما نهشت أحشائها وصغيرها.

و حيث أن الله لا ينسى عباده.. فقد كانت تتلقى مساعدات من أهل الحي في بعض الأحيان، و تنظف بيوت بعض القوم الميسوري الحال، و في أحيان أخرى تدخر القدر اليسير من المال، لتشتري الطحين و تصنع الكعك و الخبز، لتبيعه في السوق. استمر الحال بها هكذا حتى كبر الصغير و صار فتاً باراً بها.

عرفان الصياد.. هكذا كان يلقبه الناس.. محبوباً من الكبير و الصغير، دمث الخلق هاديء الطباع. يستيقظ في الصباح الباكر، للذهاب إلى الصيد في البحر. كان ماهراً في عمله، يحمد الله دوماً على رزقه، فكان سبحانه و تعالى يفيض في كرمه عليه كل يوم، فيعود حاملاً معه غنيمة كبيرة من الأسماك الطازجة، التي يبيع معظمها، و يتقاسم ما تبقى مع أمه، و جار له كان للصيد معلماً له، حتى شاخ و لم يعد يقوى على مشقة البحر.

في يوم ما، كان عرفان جالساً في قاربه.. ينتظر بكل صبر أن تقع الأسماك في شباكه، حين عاد بفكره للماضي، لفترة طفولته.. لم يكن يوماً كباقي الصغار.. يلهو و يلعب ، و لا يحمل للدنيا هماً كعادة أي طفل، و إنما كانت عيناه الواسعة تحمل هموماً كثيرة.. فقد كان فاقداً لنعمة السمع بعد إصابته بحمى شديدة في صغره.. لكنه- من رحمة الله به- كان نبيهاً و شديد الذكاء، فاستطاع أن يعلم نفسه كيف يفهم حركات الشفاة، و حيث أنه كان في الخامسة حين أصابه ذلك البلاء، فلم تؤثر تلك الإعاقة في قدرته على الكلام. في بادئ الأمر، كان قرناءه من الأطفال يسخرون منه، لكنه لم يغضب منهم، و كان يقابل كل إساءة.. إما بالتجاهل.. أو الإبتسام، و لكونه حلو المعشر، سريع البديهة، فقد إعتاده الأطفال فيما بعد.. و صاروا يتمنون أن يزين مجالسهم بحضوره.

إلا أن لعرفان إهتمامات أخرى، فقد أراد أن يكبر بسرعة، كي يستطيع أن يعمل، و يريح أمه. لذا كان دوماً يلازم جاره الكهل الذي يعمل بصيد الأسماك، ليتعلم منه أسرار المهنة.. مستمعاً بشغف لكل مهارات تلك الحرفة.. كما الظمآن للماء.

لم يكن لذلك الجار زوجة و لا ولد، و أحس بحب نحو ذلك الطفل الشغوف لتعلم مهنته.. فصار يشرح و يفسر كل شيء له، و في ذات يوم.. طلب من أمه أن يأخذه معه للصيد في البحر في قاربه الصغير المتواضع، و وافقت الأم على مضض.. بعد أن أطال ولدها التوسل و الرجاء.

و قد كان.. فقبل شروق الشمس، كان قارب الجار يشق صفحة ماء البحر. لم يشعر عرفان بتلك الإثارة من قبل، حين رأى الشمس تبزغ في الأفق، و بوادر أشعتها تولد في السماء. و النوارس تحلق حيث تتواجد الأسماك. الشيء العجيب حقاً هو ذلك الشعور بالسكينة، و كأنه في أحضان أمه، بوجوده على القارب في قلب البحر. ظل ينظر حوله ملاحظاً تفاصيل كل شيء حوله في ذلك الامتداد الواسع بين السماء و البحر، حيث أصبحت الأرض خطاً بعيداً في الأفق ورائهم.

ربت الكهل على كتف عرفان، ليلفت إنتباهه لما سيقول. و أخذ يشرح له محركاً شفتيه ببطئ عما يجب أن يتعلمه عرفان، كمعرفة إتجاه الريح.. تثبيت القارب.. كيف يحضر الطعم لصيد السمك، و الاستدلال على أماكن تجمع الأسماك من الطيور المحلقة فوق الموج. و كما تتشرب قطعة الإسفنج بالماء، كان عقله يمتص كل ما يقال له عن وعي، و تركيز، و إهتمام حقيقي.. مما جعل الجار يبتسم للصبي أكثر من مرة.

و تمر الأعوام و عرفان يزداد براعة في الصيد، فإن رجع باقي الصيادين بحصيدة يوم طويل بالكثير من الأسماك، كانت غنيمة ما أصطاده عرفان أكثر. لم يكن الأمر سحراً، و إنما مهارة و رزقاً من الله، فمن ذاق الجوع يحس بمعاناة المسكين، و كان هذا حال عرفان الذي لم ينسى بائساً و لا يتيماً إلا و كان له حصة مما يصطاد.. لذا كان الله يزيده من الرزق الوفير.

كانت الذكريات تدور بعقل عرفان، إلى أن أحس بشيء يشد شباك صيده.. ظن أنه قد أمسك بسمكة كبيرة، فقوة الشد في الشبكة عظيمة، و أستطاع أن يرى ذيلاً كبيراً رائعاً .. يلمع كما الفضة و الألماس..
ترى ما الذي وقع في شباك عرفان؟
©Salwa M
June 19th, 2016

عرفان و حورية البحرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن