كنت في طريق عودتي إلى المنزل من المكتبه .. كانت الساعة تشير للثامنة مساءا ، أقضي وقتي بالمكتبة بعد المدرسة بدل التسكع في الإرجاء كما يفعل الطلاب الأغبياء الذين يضيعون وقتهم ، و في طريقي لمحت عند إحدى نوافذ المقهى المجاور صديقتي "ايري" .. كانت "ايري" تجلس على إحدى طاولات المقهى مع فتى بدى لي أنه حبيبها .... انصدمت نوعا ما .. منذ متى و "ايري" تمتلك حبيبا ؟ ، عائلة "ايري" شديدة حول هذا النوع من العلاقات .. أراهن أن والدها قد يحبسها في المنزل لو علم أنها تمتلك حبيب .. و فوق هذا هي تتسكع معه في مثل هذا الوقت ، تجاهلت ما رأيته و ادعيت أنني لم ارى شيئا .. لأنني لا أحب التدخل في ما لا يعنيني و لكن و بالرغم من هذا بقيت أفكر بالأمر طول طريق عودتي للمنزل .. "ايري" فتاة مهذبة و جبانه تستمع لكل رغبات أهلها مهما كان الأمر ... ما الذي سيدفعها لفعل هذا بالرغم من أنها تعلم أنها ستتلقى عاقبة ما تفعله ؟ .. أليس هذا غباء ؟ ، عندما وصلت للمنزل تعجبت من وجود صندوق ورقي أمام المدخل .. ظننته طردا لأخي بما أنني لم أطلب شيء ، فلا أحد يعيش في المنزل سوانا بعد ما مات والدي و بما أن أخي يعمل كموظف في شركة العاب فهذا الأمر وارد أن يرسل أحد موظفي الشركه إحدى عينات لعبة ما له كالمرة الماضيه فحاولت حمل الصندوق و التوجه للداخل إلا أن الصندوق كان ثقيلا نوعا ما و لكني حملته للداخل بالرغم من هذا .. وضعته على الأرض ثم ذهبت و ناديت على أخي كي يأتي .. و لكن عندما حدقت في الصندوق مرة أخرى وجدت أنه لا يحتوي على أي طوابع بريديه مما أثار هذا حيرتي .. ما قصة هذا الصندوق أن لم يكن مرسل لأخي ؟ ، عندما أتى أخي من الطابق العلوي أخبرته بالأمر و بالفعل لم يطلب أخي شيئا من شركته ، ازدادت حيرتي فقترح أخي أن نفتح الصندوق و نرى ما بداخله أولا ... فأحضرت مشرطا و اعطيته لأخي كي يفتحه و الفضول يقتلني .. بينما كان أخي يحاول فتح الصندوق كنت اشتعل حماسا لمعرفة ما بداخله ... من يدري ؟ قد يكون شيئا مثيرا للإهتمام ؟ .. أسلحة مهربه ؟ .. مكافأة ماليه نقديه ؟ .. كانت أفكاري تتوالى واحدة تلوى أخرى إلى أن فتح أخي الصندوق لنجد ......
لنجد توتا احمر اللون يملئ الصندوق بأكمله .. " توت ؟ " و انا التي سرحت بأفكاري الغبيه .. إنه مجرد توت ، تنهدت بصوت عالي بقليل من خيبة الأمل فالتفت أخي علي قائلا في سعادة "لقد كنت أفكر بشراء التوت مؤخرا ووضعه في الثلاجة .. و لكن يبدو أن الحظ سبقني" .... حظ ؟ ما الذي يقوله ؟ .. نحن حتى لا نعلم من أين أتى هذا التوت حتى ، قلت لأخي بقليل من الغضب "علينا رميه .. نحن حتى لا نستطيع ضمان أن كان مسموما أو لا" .. أخذ أخي إحدى حبات التوت و بدأ يشمه بعناية ثم قال "انه ليس مسموم .. لا تقلقي" .. فقلت في تذمر لعدم وجود شيء كي ارده عليه "حسنا .. يمكنك الإحتفاظ به" ثم ذهبت للطابق العلوي إلى غرفتي لأبدل ثيابي .. ثم توجهت لغرفة المعيشه عندما نزلت للطابق السلفي و بدأت اقلب قنوات التلفاز على أمل أن أجد ما يستحق المشاهده فلمحت الفلم القديم "روميو و جولييت" القصة التي لم يبقى شخص لم يسمع بها .. تلك القصة التي كانت مجرد تفاهة بالنسبة لي .. أعني لما أصر روميو و جولييت على اللقاء دائما و استمرار علاقتهما بحجة غبيه كالحب .. ألم يفكرو بعواقب الحب هذا ؟ ذكرني الأمر ب"ايري" و لكني ابعدتها من رأسي و بينما اشغل نفسي بقصة "روميو و جولييت" الغبيه كان أخي يغسل التوت في المطبخ و هو يتمتم بألحان عشوائية في سعاده .. لم تمر فترة طويله لأجده يجلس بجانبي و بيده صحن توت صغير .. بدأ أخي يتابع فلم "روميو و جولييت" بانسجام بينما يأكل التوت في حين أني كنت أتأمل في الجدار مرة و انظر للفلم مرة بضجر ، و فجأة قاطع أخي دوامة الصمت في ما بيننا و قال لي "هل سمعتي مرة عن قصة ( العاشقين بيراموس و ثيسبى ) ؟ ... فقلت "لا" ثم اردفت "ما الذي جعلك تأتي بسيرتها فجأه ؟" فقال لي "لا شيء .. بينما اشاهد قصة ( روميو و جولييت ) و انا آكل التوت .. جعلني الأمر أتذكرها" .. ترددت قليلا قبل أن ارد عليه و أقول "و ما هي قصة ( العاشقين بيراموس و ثيسبى ) ؟" ... لا أعلم ما الذي جعلني أسأل أخي عن هذه القصه بالرغم من اني أكره قصص الحب و العشق و ما إلى ذلك و لكن ربما و لعلي أردت معرفة علاقة التوت بالأمر .. فأنا فضولية حيال كل شيء .
كانت الثمار الحمراء لشجرة التوت بيضاء كالثلج. وقصة تغير لونها قصة غريبة ومحزنة، ذلك أن موت عاشقين شابين كان وراء ذلك. فقد أحب الشاب بيراموس العذراء الصغيرة ثيسبي وتاق الاثنان إلى الزواج. ولكن الأهل أبوا عليهما ذلك ومنعوهما من اللقاء، فاكتفى العاشقان بتبادل الهمسات ليلاً عبر شق في الجدار الفاصل بين منزليهما.حتى جاء يوم برح بهما فيه الشوق واتفقا على اللقاء ليلاً قرب مقام مقدس لأفروديت خارج المدينة تحت شجرة توت وارفة تنوء بثمارها البيضاء. وصلت الفتاة أولاً ولبثت تنتظر مجيء حبيبها. وفي هذه الأثناء خرجت لبوة من الدغل القريب والدم يضرج فكَّيها بعد أن أكلت فريستها، فهربت ثيسبي تاركة عباءتها التي انقضت عليها اللبوة ومزقتها إرباً ثم ولَّت تاركة عليها آثار الدماء. حضر بيراموس ورأى عباءة ثيسبي فاعتقد بأن الوحش قد افترس حبيبته، فما كان منه إلا أن جلس تحت شجرة التوت وأغمد سيفه في جنبه، وسال دمه على حبيبات التوت ولوَّنها بالأحمر القاني. بعد أن اطمأنت ثيسبي لانصراف اللبوة، عادت إلى المكان لتجد حبيبها يلفظ اسمها قبل أن يموت وعرفت ما حدث، فالتقطت سيفه وأغمدته في قلبها وسقطت إلى جانبه. وبقيت ثمار التوت الحمراء ذكرى أبدية لهذين ( قصة بيراموس و ثيسبى )
ثم اردف أخي قائلا و هو يضحك بعدما انتهى من رواية القصة لي "أنها مجرد أسطورة يونانيه تناقلها الإغريقيون لا أكثر .. ليس الأمر و كأن تدرجات لون التوت الأحمر التي كالدم أصبحت هكذا بسبب موت هؤلاء العاشقين حقا" .. أما أنا تنهدت و قلت بصوت خافت "لا أعلم لما الفتيات في قصص الحب غبيات إلى هذه الدرجه .. لما قتلت "ثيسبي" نفسها ؟ .. هل هناك ما ستجنيه من موتها هكذا ؟" ... فربت أخي على رأسي و هو يبتسم قائلا "الرغبة بالبقاء بجانب شخص ما ... على سبيل المثال ألم تقولي انك تردين البقاء إلى جانبي للأبد عندما كنتي صغيره ؟" .. احمريت خجلا لمجرد تذكر هذا فقلت في تلعثم "هذا و ذاك يختلفان .. انت أخي" .. ضحك أخي و هو يقول "لا .. لا يختلفان" ثم اردف و قال "حب للعائلة .. حب للصداقة .. حب للعاشقين ... هناك الكثير من انواع الحب و لكن في النهاية هم لا يختلفون كثيرا ... ربما تجدين حب العاشقين مختلفا عنهم و لكن هذا فقط لأنك لم تقعي في الحب يوما" .. شعرت بالبتسامة دافئة على وجه أخي و كأنه تذكر شيئا ما ... "ففي النهاية أن كنتي تكنين مشاعر الحب بأي شكل من الأشكال لشخص ما ستشعرين بأنك تردين البقاء بجانبه مهما كانت الظروف " هذا ما قاله أخي قبل أن يكمل متابعته للفلم .... بدأت اسرح قليلا في أفكاري ثم قلت لأخي أنني سأنام الآن بحجة اني متعبه ... و لكن و قبل أن أتوجه للطابق العلوي ذهبت للمطبخ و وضعت بضعة حبات من التوت في صحن صغير ... ثم توجت لغرفتي و الصحن بحوزتي .. جلست على السرير و الصحن في يدي ثم تأملت التوت و انا لا أعلم ما الذي جرني لأخذه من الثلاجة و لكني بدأت بتناوله و انا افكر في فيما قاله أخي .... عندما تذكرت "ايري" أدركت أنها كانت تضحك بسعادة عندما كانت مع حبيبها بالرغم من أنها تعرف أنها ستواجه عقوبات بقائها معه عاجلا أم أجلا .. أتسائل أن كانت "ثيسبى" سعيدة أيضا عندما ماتت بجانب عشيقها ؟ ، و قبل أن آكل آخر حبة توت اعترفت بأنني ربما قللت من شأن كلمة "الحب" ... و لكن هل "الحب" عظيم إلى هذه الدرجة ؟ ... قلت هذا في نفسي و انا آكل آخر حبة توت حمراء .
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
النهاية⠀⠀⠀
