التاسع من شهر صفر, عام 656 هـ
بغداد. عاصمة الخلافة العباسية
ركض فتى يلهث وسط الخراب, وانظاره تلمح وهو يهرع لاهثاً, سيوف تخترق اجساد الابرياء.
رجال يمتطون احصنه ويرمون سهامهم نحو اهدافهم التي كانت اجساد سكان بغداد, بيوتٌ تحترق, دماء تسيل بين الازقة, والقتل في كل مكان.
تمكن بمعجزة الهية ان يصل المكتبة التي كانت منزله وعائلتها, فقد ذبح افراد اسرته قبل عدة سنوات في احدى القرى الواقعة على الحدود المقاربة لبلاد فارس, على يد البرابرة المغول.
دخلها مسرعا وهو يصرخ باحثا عن الشيخ.
وجده ساجدا يصلي, والدموع تسيل من عينيه, نهض ورفع يديه الى السماء مناجيا ربه "يا رب, الطف بعبادك, واحقن دماء المسلمين, اغفر لنا خطايانا واغثنا".
اشاح الشيخ انظاره نحو الفتى والدموع تسيل وقد بللت لحيته, ثم نطق بصوت مبحوح "ماذا تريد يا بني, انجُ بحياتك".
الفتى محاولاً اقناع معلمه "ارجوك تعال معي, انك تعلم اني لا املك عائلة سواك وهذه الكتب".
نهض الشيخ واتجه نحو بعض الكتب الموجودة على الرف, في قسم الكتب الدينية, لامسهم بهدوء ثم اكمل "وانت تعلم اني لا استطيع التخلي عن ابنائي العاجزين الصامتين, لن استطيع اخذهم معي, لذلك سأبقى برفقتهم, فقد استشهد ولداي صباح اليوم, واسال الله ان يتقبلهم في الفردوس الاعلى, بجوار زوجتي المرحومة".
جثى الفتى وهو يبكي مترجيا الشيخ "ارجوك, تعال معي, والا لن اتركك".
مسح الشيخ دموعه ثم اتجه نحو اقصى المكتبة التي احتضنت الالاف الكتب والمخطوطات, واكمل يسير حتى وصل مكانه الخاص الذي اعتاد على الجلوس فيه والقراءة معظم اوقات النهار, ازاح بعضا من الكتب واخرج صندوقا مخبئاً في الحائط.
فتح الصندوق الذي غطاه الغبار امد طويل, ثم اكمل وهو يخرج شيئاً "ان كنت تريد النجاة بكل هذه الكتب التي لا تقدر قيمتها بأي ثمن, عليك ان تحرص على ايصال الكتاب الذي يدعى "كتاب كل شيء" الى ارض الشام, لدي صديق هناك, عليك بتسليم الكتاب اليهِ".
الفتى متسائلا "لم اسمع بهذا الاسم من قبل!, عما يتحدث!"
الشيخ وهو يخرجه من الصندوق, كان كتاب مصنوع من جلدٍ غريبٍ وقديم يشابه لون الاشجار, وعلى غلافه نقشت صور ورموز لشتى مواضيع الحياة, نظر في عيني الفتى
واكمل متحدثا "يا بني لا وقت للشرح, نفذ وصيتي وخذه ولا تفتحه حتى تصل ارض الشام, وهناك حينما تسلمه لرجل يدعى الاندلسي, لديه قلم يقال عنه قلم المرايا, سيكمل كتابة اخر فصول الكتاب, حينها لن تموت مكتبات بغداد العظيمة وستتمكن الاجيال القادمة من الاستفادة منها".
أنت تقرأ
ومضاتٌ منْ عبق التاريخ
Short Storyقصة قصيرة تروي لحظة تاريخية مهمة في حياتنا ايام زمنٍ كنا فيه عظماء, وايام حضارة وصل صداها شرق الارض ومغربا القصة تتحدث عن مشهد في يوم سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية.