بينما كان يتصفح احد الكتب القديمة, وهو يلامس غلافه ذو الملمس الجلدي, قاطعه صوت يتحدث بهدوء "انه لابن زيدون".
اشاح الفتى انظاره ليجد امامه شاباً يقاربه العمر, توحي ابتسامته وبساطته على انه من احد رجال الرب.
مدَ الدرويش يده معرفا عن اسمه "انا افيندار".
صافحه الفتى مجيبا "وانا ادعى كرار".
نظر الاثنان في عينا بعضهم البعض, واكملت الاعين تروي حكاية الم وفراق, خراب وطن ودمار حضارة.
قاطع تلك اللحظات صوت ينادي في المكتبة يدعو الجميع الى التوجه نحو القاعة الرئيسية.
اتجه الصديقان الجديدان, والكثير من الشبان من مختلف الاعمار والملابس, نحو الرجل الذي كان واقفا يتبسم في انتظار ان يلقي خطبته.
تجمعوا حوله وجلسوا في حلقات وكان هو واقفا وسطهم.
ثم تحدث بصوت جهوري "يا ابنائي, انتم اليوم مجتمعون في هذا المكان, لاجل هدفٍ خالد, وهو ان ننقذ الارواح التي لا تملك سوى جسد واحد, وتلك الارواح هي البوابات نحو عوالم اخرى من مختلف العلوم والمعارف, وايديكم هي التي ستحيك اجساداً لتلك الارواح التائهة, انتم ستحمون المجد المندثر, وتسطرونه على الواح ودثر, واوراق تخلد في ذاكرة التاريخ المنطمر"
بينما كان افيندار ينظر بعينه نحو المعلم بشغف لمح خلفه شخصا يرتدي زياً غريباً, وقد احكم اخفاء ملامحه, لكنه استطاع تمييزه على انه فتاة, من طبيعة جسدها النحيل وجلستها الغريبة.
وكان من بين الحاضرين اقدمهم ذلك الجالس خلف الجميع والذي يرتدي لباس بسيطا باللوان رمادية, لكنه يمتاز بجسد ضخم مفتول العضلات وملامح قاسية توحي انه قد واجه اعتى الخطوب خلال ايام حياته.
اجتمع الاربعة في قاعة واحدة, وهم لا يعملون اي قدر ينتظرهم واي خطر يحدق بهم, اذ لم ترسلهم الاقدار لاجل هذه المهمة وحسب.
نظر ذو الزي الرمادي الجالس خلف الجميع, بعينيه الثاقبتين, فميز هو الاخر تلك الفتاة, التي تبدو كالشبان, وحدق في عيني كرار فعلم انه حزين على فراق شخص غالي عليه, واعاد بأنظاره نحو المعلم واكمل يستمع لخطبته.
_________
في ذلك اليوم وصلت جحافل المغول الى اراضي الشام واستعدت للتقدم والتوغل فيها, وقد اصبحت على مشارفها ولا يفصلها شي سوى عدة ايام من مواجهة الجيوش التي ستقف في وجهها.
واذا ما فشلت تلك الجيوش في صد ذلك الزحف الجنوني, ستضيع الشام وسنتهي الحضارة في كل ارجاء المعمورة, وستبدأ حقبة من الظلام والجهل وحكم البرابرة المستبدين.
دخل احد الجنود مسرعا نحو غرفة احد القادة العسكريين, وهو يصرخ حاملا رسالة من احد الرسل على الحدود "مولاي قطز, ان المغول قادمون".
أنت تقرأ
ومضاتٌ منْ عبق التاريخ
Short Storyقصة قصيرة تروي لحظة تاريخية مهمة في حياتنا ايام زمنٍ كنا فيه عظماء, وايام حضارة وصل صداها شرق الارض ومغربا القصة تتحدث عن مشهد في يوم سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية.