رسالة غائب

60 4 2
                                    

أغلقت النوافذ وأنزلت ستائرها من طرف الموظفين، بعد أن مرت الممرضة بالغرف تتفحص المرضى و تعطيهم أدويتهم و تسأل عن أحوالهم كعادتها.
بعدها مرت فتاة، لا تشبه الممرضة و لا الطبيبة و لا حتى عاملة النظافة، تمر الان من الرواق "أ" متجهة نحو الجناح"ب" .. اه، هذه هي اذن الفتاة السمراء التي تزور خطيبها كل مساء. ها هي الان تمشي بخطوات مرتبكة لكن صارمة، شعرها الاسود ينسدل من على ظهرها و عيناها الجميلتان تبدوان و كأنهما تحملان معها حزنها الذي أثقلها في الايام الفائتة، حزنها الذي بات يذكرها في ماضيها الرهيب.. من مشاكل في العمل و أخرى في المجتمع.. حتى علاقاتها الغرامية الكاذبة باتت ترهقها.. و ذاك الحب عديم الوجود..
وصلت الجميلة إلى الغرفة المقصودة، و على ما توقعت فهي لم تجده مستلقيا كعادته،بل ولم تجده أصلا! كل ماتركه هو رسالة، ورقة..كلمات فحسب. اقتربت في خوف و ارتباك، نظرت الى الرسالة و ملامحها بين الدهشة و القلق، لكنها أخذت شجاعتها بكفيها و أخيرا فتحتها.

جلب نظرها رأس الرسالة، الذي كان صورة لهما، نعم كان ذلك في أول لقاء حقيقي بعد اللقاء الافتراضي، صورة جمعت الحب و القلق، الحب و الامل، رغم الالم.. جمعت تلك الصورة ابتسامتيهما و قطعا من قلبيهما، جمعت ضحكاتهما و تمزق روحيهما الطاهرتين، جمعت العاصفة بهدوء امواج البحر و جمعت النور الساطع بالظلام الدامس.. جمعت الصورة روحيهما اللتان شكلتا روحا واحدة ذلك اليوم. يوم لقاء الملاك بجميلته.
ابتسمت الفتاة ولم ترد الانتظار لاسترجاع الذكريات، حيث تفاوتت عيناها على قراءة الرسالة.. الرسالة التي بدأت كالتالي
" كل الرسائل تبدأ ب حبيبتي فلانة و حبييي فلان، كل الرسائل تبدأ ب السلام او الوداع.. الا رسالتي هذه.. فسأبدأها باربعة احرف اعجز عن شرحها، عن فهمها، أو حتى عن حفظ تعريفها لعلي أكتبه لك.. فهي بحسب ظني دون تعريف.. انها أحبك.. نعم أحبك رغم الحب و أحبك قبل الحب و أحبك بعد الحب.. أحبك و انا لا ادري ما الحب..
الا انه شعور نقي طاهر جميل و يشعرني بالراحة بعد ان ارهقتني الحياة.
قد تقولين عني مريض نفسيا او شيئا من هذا القبيل.. لكنني أعدك انني لم أمرض إلا منك أنت دائي و أنت سقمي، فلا دواء الا بوجودكي و لا راحة الا بعد لقائك.
و قد تقولين آنستي أنني سكير، لكنني أعدك انني لم أسكر الا من كلاماتك..فلا مشروب يضاهي جمال كلاماتك و حلاوة عباراتك و تأنق أحرفك..
أتدرين جميلتي أنني أحببت كلماتك قبل ان ارى سحر عينيك، أحببت لطفك و طيبة قلبك قبل ان تلامس أناملك الرقيقة وجهي, أحببتك من دون دافع و لا سابق انذار، أحببتكي في ذروة الانفجار.
احببتكي عندما فقدت كل شيء..
عندما أحسست بكل شيء و بلاشيء..
احببتكي عندما تأكدت أنك تحبينني..
احببتكي عندما أدركت انك تريدينني..
أحببتكي عندما علمت انك لن تتركينني..
احببتكي و زادني حبك لي حبا لك..
احببتكي جميلتي بكل جوانبك، بكل تقلبات مزاجك، بهدوئك المقلق و قلقك الهادئ، أحببتك بانسانيتك عند تحدثك عن القضايا الدولية و العالمية، و بوحشيتك عند كلامك عن حبك لي.
احببتك بحكمتك سيدتي، و عنادك آنستي، احببتك بكلماتك.. تلك التي تعرفت عليها و حفظتها و تلك التي لا تزال غامضة.. كغموض نهاية رسالتي. أحبك جميلتي..
- الغريبة.
جوان2O16.

Kalimat Gharibahحيث تعيش القصص. اكتشف الآن