•٭2٭•

22 1 0
                                    

استرخى باسم على المقعد وهو ينظر إلى جسد سلوى الممد على السرير وهي فاقدة الوعي ثم اخذ يسترجع شريط ذكرياته فقد كانت الأيام الماضية مؤلمة بحق ، كم تمنى هذا الولد وكم حلم به ، لا زال لا يصدق كيف اختفى أبنه ، لم يظهر أي دليل يقوده إليه و ......
قطع شريط ذكرياته صوت خفيف وتأوي صادر من عند سلوى وهي تغمغم :
آه أين أنت يا بني ، لا أرجوك ، اترك أبني الوحيد ، لا تأخذه معك
ثم فجأة انتفضت ونهضت وجلست على السرير وهي تصرخ :
لالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالا
مما جعل باسم يسره وهو يهتف :
- " سلوى " ، ماذا بكِ
قالت سلوى والعرق يتصبب من وجهها :
- كابوس فظيع يا " باسم "
ثم انهارت باكية بينما جلس " باسم " بالقرب منها وهو يغمغم بضيق :
- ليس بوسعنا عمل أي شيء هذه مشيئة الخالق عز وجل
أشارت سلوى بسبابتها إلى صدرها وهي تجيب والدموع تتساقط من عينيها بغزارة :
- ولكن أنا السبب يا " باسم " فلو لم أهمله لما خطف
التقط " باسم " نفساً عميقاً ثم قال بصرامة :
- ألم اقل لكِ سابقا أكثر من مرة لا أريد سماع منك كلمة " لو " على لسانك ؟
صمت لحظة زفر خلالها بشدة وهو يغمغم :
- قد جرى ما حدث والدموع لن تجدي نفعاً أو ترجع طفلنا إلينا ، من يدري ربما يكون ذالك خيراً لنا
حدقت "سلوى " في وجهه " باسم " بدهشة وهي تقول مستنكره :
- خيراً لنا ؟ لم أفهم ؟
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي " باسم " وهو يقول :
- ربما ينفعنا في الآخرة عند رب العالمين من يدري
مطت " سلوى" شفتيها الجميلتين وهي تردف :
- ربما ، من يدري
نعم من يدري ، السنوات القادمة ماذا تحمل لكما
ظلت ذكرى طفلهما عالقة بذهنهما ولم ينساه
وتمر الأيام
وتمر الشهور
وتمر السنوات
*******************************
وبعد مرور عشرة سنوات تصاب " سلوى " بسرطان في الدم وتحتاج إلى إجراء عملية جراحية
دخل " باسم " إلى مكتب الدكتور المسئول عن حالة " سلوى " وسأله بلهفة :
- أرجوك يا دكتور أخبرني هل حالتها خطيرة إلى هذه الدرجة
رفع الدكتور عينيه من الملف الذي كان يتفحص أوراقه ثم قال في أسى :
- أجلس يا " باسم " ، استرح أولاً
جلس " باسم " على أقرب المقاعد إليه ، أطلق الدكتور من أعمق أعماق صدره زفره حارة ثم قال :
- زوجتك حالتها خطيرة جداً فهي مصابة بسرطان في الدم
وقعت عبارة الدكتور على " باسم " كالصاعقة أخرسته تمالك " باسم " أعصابه وقال بثقل :
- أخبرني يا دكتور بالله عليك ، أيوجد أمل في علاجها
ارتسمت ابتسامة ودودة على شفتي الدكتور وهو يقول :
- أهدأ يا " باسم " الأمل في الله كبير
صمت الدكتور لحظة غير طويلة ثم قال :
- ولكن .........
ثم عاد إلى صمته مما جعل " باسم " يهب من مقعده قائلاً يستحثه على المواصلة :
- ولكن ماذا يا دكتور ؟
غمغم الدكتور بصوت خافت خانق :
- ولكنها تحتاج إلى إجراء عملية جراحية في الحال
تهللت أسارير " باسم " وقال بظفر :
- وكم يكلف إجراء هذه العملية ؟
زفر الدكتور بشدة وهو يقول :
- مائة ألف ريال
صدم " باسم " بهذا الخبر وسقط على مقعده مندهشاً ثم غمغم بعد أن أفاق من ذهوله :
- حسناً ، متى تريد إجراء العملية ؟
استرخى الدكتور في مقعده وهو يقول :
- في أسرع وقت ممكن .
حك " باسم " ذقنه بتفكير عميق ثم نهض مسرعاً وفتح باب مكتب الدكتور وقبل أن يغلق الباب هتف الدكتور :
- حاول أن تسرع فالتأخير يؤثر سلبياً على حالتها
أومأ باسم برأسه إيجاباً ثم أغلق الباب خلفه ، سار " باسم " في ممرات المستشفى ببطء وتكاسل وانبثقت في رأسه عشرات الأسئلة
من أين لي هذا المبلغ ؟
أين كان مختبئ كل هذا لي ؟
يجب أجراء العملية وبأي ثمن ؟
ماذا سوف افعل وكيف أتصرف ؟
من يصدق ذلك " سلوى " الوردة اليافعة ، الينبوع المتدفق تصاب بورم سلطاني
لا أتخيل حياتي بدونك يا " سلوى "
ألا يكفي أني فقدت أبني الوحيد ، لا لن أتخلى عنك لو بعت حياتي ثمناً لإنقاذك
من الصعب على " باسم " التخلي عن " سلوى " فقد كان يربطهما قصة حب تنافس قصة قيس وليلي إنه حب أزلي ، نعم يحبها حتى النخاع ، حينما فقدت طفلها لم يتخلى عنها " باسم " وإنما ساعدها على تجاوز هذه المحنة بنجاح ، ثبت لهذه الحياة لا أستطيع تدبير مبلغ كهذا لكي أنقذ زوجتي العزيزة زفر بشده حينما وصل تفكيره إلى هذه اللحظة ، ثم توقف أمام المصعد وصعد به إلى الدور الثاني وحينما وصل الدور خرج مسرعاً وهو يخاطب نفسه :
مائة ألف ريال مبلغ كبير ، لا يوجد لدي خيار ثاني ، غداً صباحاً سأذهب إلى المؤسسة واقترض المبلغ على الرغم من علمي اليقين بأنهم لن يقرضوا لي
ثم طرد هذه الأفكار من ذهنه وأسرع من خطواته حتى وصل إلى إحدى الحجرات طرق الباب بلطف ولكن لم يلق أي إجابة فعاد وطرق الباب ولكنه حينما لم يجد أي إجابة دفع باب أحد الحجرات بهدوء ولكنه فوجئ بالحجرة فارغة لا يوجد بها أي احد فخرج مسرعاً وسأل أول ممرضة صادفته :
- أليس هذه غرفة المريضة " سلوى سعيد " أين ذهبت لا أجدها على سريرها ؟
ارتسمت ابتسامة هادئ على شفتي الممرضة وهي تجيب بأدب :
- عفواً يا أستاذ ، لقد تم نقلها إلى غرفة ( 301 ) التي تقع بآخر الممر
تنهد " باسم " بارتياح ثم سار على الفور باتجاه الغرفة فطرقها بلطف حتى جاء صوت من الداخل
يقول له :
- تفضل بالدخول
فتح " باسم " الباب بهدوء ودلف إليها وجلس إلى المقعد المجاور لها وهو يسألها بحنان قبل أن يمسك يديها ويقبلها بحنان :
- كيف حالك يا عزيزتي ؟
تطلعت إلية " سلوى " في شرود ثم مطت شفتيها في أسى وهي تقول :
- بخير ولله الحمد
حاولت أن تجلس ولكنها لم تستطع مما جعل " باسم " ينهض مسرعاً وهو يقول :
- ارتاحي يا عزيزتي ، لا تتعبي نفسك
استرخت " سلوى " على السرير وهي تغمغم :
- باسم أنا آسفة يا عزيزي لقد سببت لك الكثير من المتاعب
صمتت لحظة ثم انفجرت باكية وهي تقول :
- من أين لك تكلفة العملية ، أنا على علمٍ بكل شيء ، لا أريد أن أجري العملية ، لا أريد
ارتفعتا حاجبا باسم ثم عادا يلتقيان في توتر وهو يستطرد :
- لا تشغلي بالك يا عزيزتي بأمر النقود ، أنا سأتصرف ولو كان ثمن ذلك حياتي من أجلك ، والعملية بإذن الله سوف تجرينها
قال عبارته وهو ينصرف مغادراً المكان تاركاً سلوى تبكي بحرارة
لم تعلم ساعاتها بأنها قد لا ترى زوجها نهائياً ، وبأن القدر يخفي الكثير لزوجها
**************************
- غير معقول أن نخسر مليون دولار من أجل عناد المهندس " باسم " والمهندس "عصام "
نطق مدير المؤسسة التي يعمل بها "باسم " بهذه العبارة بمزيج من الحنق والكراهية مما جعل مستشاره الخاص يغمغم :
- أهدأ يا أستاذ " خالد " الأمر لا يستدعي كل هذه العصبية
صمت لحظة ثم انعقدا حاجباه في تفكير عميق وهو يستطرد :
أمور كهذه تحتاج إلى تدبر في الأمر ، دعنا نفكر بطريقة نقضى فيها على الاثنين معاً
تمتم " خالد " بلهجة أقرب إلى السخرية :
- القضاء على " باسم " و" عصام " معاً ولكن كيف ؟
قبل أن يجيب المستشار الخاص سمع الاثنان طرقاً على باب المكتب اعتدل " خالد " في مقعده وهو يقول
- تفضل بالدخول
دخل السكرتير وهو يقول :
- أستاذ " خالد " المهندس " باسم " في الخارج يرغب في مقابلتك في موضوع خاص
جلس المستشار على احد المقاعد المجاورة لمكتب " خالد " الفاخر وهو يقول :
- دعه يدخل
انصرف السكرتير وبعد لحظات دخل " باسم " خافضاً رأسه في حياء ثم تقدم إلى الأستاذ
" خالد " وناوله ورقة مطوية ، فتح خالد الورقة وهو يقول :
- خيراً يا " باسم "
قرأ " خالد " الورقة بصمت ثم مط شفتيه في أسى وناول الورقة لمستشاره الخاص وهو يغمغم ولكن - ولكن هذا مبلغ كبير
ازدرد " باسم " لعابه في صعوبة ثم قال بصوت خافت :
- ولكن أنا في أمس الحاجة إلى هذا المبلغ فزوجتي في المستشفى وتحتاج إلى أجراء عملية جراحية و إن لم تقم بإجراء العملية ستموت
التفت الأستاذ " خالد " إلى مستشاره الخاص وهمس في أذنه :
- ما رأيك يا مستشاري ؟
التمعت عينا المستشار بظفر وهو يقول :
- ولكن يا " باسم " الأمور المالية والقروض ليست من اختصاص المدير العام لماذا لا تذهب إلى رئيسك المباشر المهندس " عصام " وهو الذي يقوم بتحويل طلبك إلى الشؤون المالية
هز باسم رأسه موافقا وهو يقول :
- أعلم ذلك ولكن كما تعلما الخلاف الذي بيني وبين المهندس " عصام " ولا أظنه سوف يوافق على طلبي مهما كانت الأسباب
صمت لحظة ابتلع ريقه خلالها ثم استطرد :
- في ليلة البارحة نشب بيننا خلاف كبير كنا سنقتل كلانا الآخر من أجل سببٍ تافه
نهض المستشار من مقعده ثم أخذ يربت على كتف " باسم " وارتسمت ابتسامه غادرة على شفتيه وهو يقول :
- ولماذا كل هذا الضيق ؟ سوف أسعى لكي أصلح بينكما وأزيل الخلاف
صمت لحظة ألقى خلالها نظرة ذات معنى " لخالد " ثم أردف :
- أذهب إلى بيتك واسترح وانتظر اتصال المهندس " عصام "
أطلق الأستاذ خالد ضحكة قصيرة وهو يقول :
- لقد أصبح لديك واسطة
نظر " باسم " إلى عيني المستشار مباشرة وتدور بذهنه عشرات الأسئلة :
- ترى ما الذي تخفيه داخل قلبك ؟
لم تكن يوما تعاملني هكذا !
هز " باسم " رأسه محاولاً طرد هذه الأفكار وهو يقول بعد أن مد يده لكي يصافح المستشار :
- شكراً جزيلاً ، أنا عاجز عن شكرك
تمتم المستشار بلهجة أقرب إلى السخرية :
- تشكرني على ماذا يا بني أنا لم افعل سوى الواجب .
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي " باسم " قبل أن يقول :
- أشكرك مرة أخرى سوف أنتظر مكالمة المهندس " عصام " بفارغ الصبر
أعقب جملته بخروجه من المكتب على الفور تاركاً الأستاذ " خالد " يسأل بذهول :
- ما الذي أراه ؟ ولماذا فعلت هكذا ؟
لم ينبس المستشار ببنت شفة بل ظل صامتاً ثم تحرك وأخرج جهازه النقال من جيبه وهو يقول :
- اعتمد علي ، وقريباً سوف نتخلص من الاثنين
ثم أدار أرقام سريعاً بجهازه النقال وقال فور سماعه رداً من الطرف الآخر :
- ألو ... أريدك في مهمة خاصة ومن نوع خاص جداً
ثم أنهى الاتصال ، أطلق الأستاذ خالد ضحكة عالية وهو يقول :
- لقد فهمت ما ترمي له ، يا لك من عبقري !
**************************
دقت الساعة معلنه منتصف الليل بينما كان " باسم " جالس على إحدى المقاعد في منزله بجوار الهاتف واضعاً كفه على جبهته وفجأة وهو غارق بتفكيره وهمومه يرن جرس الهاتف،انتفض " باسم " وخطف سماعة الهاتف بسرعة البرق وهو يقول :
- ألو ,, مرحبا
أتاه صوت عبر أسلاك الهاتف يقول له :
- الو " باسم " أنا المهندس " عصام " تعال إلى منزلي الآن
ابتلع " باسم " ريقه وهو يقول :
- أتعلم كم الساعة الآن ؟
رد عليه المهندس عصام :
- أعلم ذلك ، ولكني غداً سأسافر في الصباح وقد قمت بالتوقيع على موافقة طلب القرض تعال خذ الورقة وقدمه غداً للشؤون المالية
تنهد " باسم " بارتياح وهو يغمغم :
- مسافة الطريق وسأكون عندك
أغلق " باسم " الهاتف وخرج مسرعاً من منزله وخلال دقائق معدودة كان عند منزل المهندس
" عصام " ، صعد سلالم العمارة بحذر فقد كانت أضواء السلالم مطفئة حتى وصل عند أحدى الشقق طرق الباب عدة مرات فلم يُفتح له الباب تأمل الباب فوجده مفتوح فدفعه بحذر وهدوء ، دخل
" باسم " الشقة بقلق قائلا :
- أستاذ " عصام " ، أستاذ " عصام " أين أنت أنا "باسم " جئت حسب الاتفاق...........
بتر عبارته بغتة إثر اصطدام قدميه بجسم ما كادت قدماه تفقد توازنها ثم استعاد توازنه بسرعة ، انحنى " باسم " يقلب وجه الجسم الذي تحت رجليه فإذا به يصرخ قائلا :
- أستـ... أستـ.. عصام من الذي فعل بك هكذا ؟
ولكن المهندس " عصام " لم ينبس ببنت شفه فقد كان ممدد حول بركه من الدماء وثقب واضح في صدره ، تراجع " باسم " مصعوقاً إلى الخلف ، حاول " باسم " الفرار ولكن قوات الأمن كانت بانتظاره ، ارتعدت شفتا " باسم " وهو يقول بخوف :
- صدقني يا حضرة الضابط أنا لم أقتله جئت ووجدته في هذه الحالة
مط الضابط شفتي في آسه وهو يغمغم :
- التحقيق سيثبت صحة كلامك من عدمه
قال عبارته ورجال المعمل الجنائي ينتشرون في المكان ، وأخذوا يغطون الجثة ويمسحون الدماء ، ويبحثون عن الأدلة ويرفعون البصمات ، في حين التفت الضابط إلى رئيسهم وقال بصوت خافت :
- ما الدافع الذي يجعل شاب مثل هذه يرتكب جريمة قتل ؟
غمغم رئيس المعمل الجنائي :
- لا أظن الدافع السرقة
هز الضابط رأسه موافقاً وهو يقول :
- وهذا ما أعتقده أنا ، فلا يوجد شيء يسرقه
صمت لحظة ثم استطرد وهو يلقي نظرة استنكار إلى " باسم " وقال بصوت أقرب إلى الهمس :
- قد يكون الدافع هو الانتقام لاسيما بأنهما يعملان بشركة واحدة
أومأ رئيس المعمل الجنائي برأسه إيجاباً وقبل أن ينبس ببنت شفه تقدم أحد رجال المعمل الجنائي وهو يقول :
- سيدي لم نعثر على أداة الجريمة !
التفت الضابط إلى باسم وهو يسأل :
- أين أخفيت أداة الجريمة ؟
صمت لحظة ثم صرخ قائلاً :
- لا داعي للإنكار الأدلة كلها ضدك
ارتجف جسد باسم وبدت الحيرة والذعر في كل لمحة من لمحات وجهه ثم لم يلبث أن غمغم بجزع وهو يتراجع :
- صدقني أنا برئ لم أقتله أقسم لك أني لم أقتله

ألبـرکـين~♥حيث تعيش القصص. اكتشف الآن