معنى الحديث
الحث على الصدقة
منزلة الحديث كما جاء في الحديث (اتقوا النار ولو بشق تمرة) رواه البخاري وغير ذلك من الفضائل.الفضائل الصدقة
ومن فضائل الصدقة التي دل عليها هذا الحديث القدسي مباركتها للمال، وإخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وقد وعد سبحانه في كتابه بالإخلاف على من أنفق - والله لا يخلف الميعاد - قال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } (سبأ: 39) ، أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فإنه يخلفه عليكم في الدنيا بالبدَل، وفي الآخرة بحسن الجزاء والثواب، فأكد هذا الوعد بثلاث مؤكدات تدل على مزيد العناية بتحقيقه، ثم أتبع ذلك بقوله:{وهو خير الرازقين } لبيان أن ما يُخْلِفه على العبد أفضل مما ينفقه.
ومما يدل أيضاً على أن الصدقة بوابة للرزق ومن أسباب سعته واستمراره وزيادته، قوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم } (إبراهيم: 7)، والصدقة غايةٌ في الشكر، كما أن نصوص السنة الثابتة جاءت بما يؤكد هذا المعنى الذي دلت عليه آيات الكتاب، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (.. وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة....) رواه أحمد ، وقوله: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا) أخرجاه في الصحيحين.
وفي مقابل ذلك جاءت نصوص عديدة تردُّ على من ظن أن الصدقة منقصة للمال، جالبة للفقر، وتبين أن الشح والبخل هو سبب حرمان البركة وتضييق الرزق، يقول- صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة....) رواه الترمذي .
وعادَ - صلى الله عليه وسلم- بلالاً ذات مرة في مرض أصابه، فأخرج له بلال كومة من تمر، فقال: ما هذا يا بلال ؟ قال: ادخرته لك يا رسول الله، قال: (أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن.
إضافة إلى أن الواقع والتجربة المشاهدة والمحسوسة، تثبت أن المعونة تأتي من الله على قدر المؤونة، وأن رزق العبد يأتيه بقدر عطيته ونفقته، فمن أَكثر أُكثر له، ومن أقل أُقِل له، ومن أمسك أُمسِك عليه، وهو أمر مجرب محسوس، والقضية ترتبط بإيمان العبد ويقينه بما عند الله، قال الحسن البصري رحمه الله: من أيقن بالخُلْف جاد بالعطية.
بين الإسراف والتقتير
ولأن هذا المال هو في الحقيقة مال الله، استخلف عباده فيه لينظر كيف يعملون، فليس للإنسان الحق المطلق في أن يتصرف فيه كيف يشاء، بل إن تصرفاته ينبغي أن تكون مضبوطة بضوابط الشريعة، محكومة بأوامرها ونواهيها، فيُبْذَل حيث يُطْلب البذل، ويُمْسك حيث يجب الإمساك، والإمساك حيث يجب البذل بُخْلٌ وتقتير، والبذل حيث يجب الإمساك إسراف وتبذير، وكلاهما مذموم، وبينهما وسط محمود وهو الكرم والجود، وهو الذي أمر الله به نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } (الإسراء: 29)، وامتدح به عباده المؤمنين بقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } (الفرقان: 67)، قال ابن عباس : في غير إسراف ولا تقتير ، وسُئل ابن مسعود عن التبذير فقال: إنفاق المال في غير حقه .
فالجود في ميزان الشرع - كما قال ابن حجر -: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة ، وهو وسط بين الإسراف والإقتار، وبين البسط والقبض، وله مجالاته المشروعة ؛ ولذا فإن بذل المال في غير موضعه قد لا يكون كرماً، ومما أثر عن مجاهد قوله: إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد، ولا يتأول هذه الآية: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } (سبأ: 39)، فإن الرزق مقسوم، لعل رزقه قليل، وهو ينفق نفقة الموَسَّع عليه .