شرح الحديث الخامس

103 6 0
                                    

الترهيب من الرياء

جاءت نصوص الكتاب والسنة بالترهيب من أن يقصد الإنسان بعبادته غير الله، وعدَّت ذلك من عظائم الذنوب بل من الشرك بالله، لأنه ينافي الإخلاص الذي يقتضي أن يقصد المسلم بعمله الله وحده لا شريك له، قال سبحانه: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } (البينة: 5)، والمرائي في الحقيقة جعل العبادات مطية لتحصيل أغراض نفسه الدنيئة، واستعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله، وهو تلاعب بالشريعة واستهانة بمقام الألوهية، ووضع للأمور في غير مواضعها.

وقد توعد الله صنفاً من الناس يراؤون في صلاتهم بالويل والهلاك فقال: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون } (الماعون: 4-7)، وبين سبحانه أن الذي يريد بعمله عاجل الحياة الدنيا فإنه يعجل له فيها ثوابه إذا شاء الله، ومصيره في الآخرة العذاب الشديد والعياذ بالله، لأنه لم يخلص العمل لله فقال سبحانه: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا } (الإسراء: 18)، وجعل مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات أهل النفاق فقال سبحانه: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس } (النساء: 142)، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة خطورة الرياء على دين العبد وعاقبة المرائين، ومنها حديث الباب، وحديث الثلاثة الذين هم أول من يقضى عليهم يوم القيامة وهم شهيد، وعالم، ومنفق، وغيرها من الأحاديث.

تعريف الرياء

عرف العلماء الرياء بتعريفات مختلفة، ومدار هذه التعريفات على شيء واحد وهو: أن يقوم العبد بالعبادة - التي يتقرب بها إلى الله - لا يريد بها وجه الله عز وجل وحده بل يريد بها عرضاً دنيوياً أياً كان هذا العرض ، وفرقوا بين الرياء والسمعة بأن الرياء هو العمل لرؤية الناس، وأما السمعة فالعمل لأجل سماعهم، فالرياء يتعلق بحاسة البصر، والسمعة بحاسة السمع، وفي الحديث (من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به) رواه البخاري .

دواعي الرياء

أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يخاف على أمته من الشرك الخفي أكثر مما يخاف عليهم من المسيح الدجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وما ذاك إلا لأن الداعي إلى الرياء قوي في النفوس، ومغروس في الفطر، فالنفوس مجبولة على حب الثناء والمنزلة في قلوب الخلق، وتجنب الذم واللوم، كما قال القائل:

  يهوى الثناء مبرِّز ومقصر  
                               حبُّ الثناء طبيعة الإنسان

ولذلك حصر بعضهم الأمور التي تدعو إلى الرياء في ثلاثة أشياء: حب المحمدة، وخوف المذمة، والطمع فيما في أيدي الناس .

كتاب الله الأخر ((الاحاديث القدسية))حيث تعيش القصص. اكتشف الآن