لم يمض وقت طويل حتى جاءت جريجوريا مصطحبة المنجمة، وانحنتا باحترام كلي لدى جلالة الملكة وسائر الوزيرات.
وكان تحت إبط المنجمة درج من رق الغزال يشتمل على علوم الأفلاك والتنجيم، فأمرتها الملكة بالجلوس على مقربة منها، وسألتها: هل لك أيها العالمة أن تنبئينا متى يقع الخسوف القادم.
فحلت المنجمة الثوب الأطلسي عن الرق، ونثرت الدرج مسافة ذراعين منه، وجعلت تحملق فيه إلى أن قالت: «بحسب تقويم بطليموس سيد الفلكيين وأمير المنجمين، يقع الخسوف القادم في موعد تمام البدر القادم.»
فقالت أوجستينا: عمر القمر الآن عشر ليال …
فقالت الملكة: إذن بعد ٤ أيام يقع الخسوف.
فقالت المنجمة: من غير بد.
فسألت الملكة محققة: هل تعرفين في الفلك قمرًا ثانيًا؟
– كلا وحاشا يا مولاتي، لا تسمح الآلهة إلَّا بقمر واحد يقرر صنفًا واحدًا من الطوالع.
– صنفًا واحدًا من الطوالع؟ أي صنف؟
– صنف الطوالع الغرامية يا مولاتي.
فاختلجت الملكة واختلجت معها جميع الوزيرات مرتبكات، وقالت الملكة: يا للعجب. هل للقمر تأثير في العشق؟
– القمر نفسه عاشق يا ذات البهاء.
– يعشق من؟
– يعشق الشمس يا سيدتي، وهل يجد القمر في الفلك عشيقة أجمل من الشمس؟
– أمرٌ غريب. كيف يعشق القمر الشمس؟
– أما رأيت يا ذات الذكاء الباهر القمر يقترن بالشمس حين كسوفها، ولا يفارقها إلَّا بعد عناق طويل يبثها فيه غرامه.
وكانت جميع الوزيرات مبهوتات من كلام المنجمة.
فقالت أوجستينا: أعزَّك الله يا ذات العلم الواسع، إذن يُعنى بانكساف الشمس اقترانها بالقمر، وإذا قيل اقتران القمرين فماذا يُعنى؟
فقالت المنجمة محملقة مشرئبة العنق: من يقول هذا القول البديع؟ إنه لشعر ساحر.
– لعلَّ إلهًا قاله. لا أتذكر.
– المجد لهذا الإله، إنه لتعبير بديع يراد به الشمس والقمر جميعًا، لعلَّ هيلاس إله الغناء والشعر قاله.
– هل تعرفين في ميثولوجيا إحدى الأمم نصًّا على أن الشمس والقمر متعاشقان؟
– في ميثولوجيا غلاطيه أنهما عاشقان، وفي ميثولوجيا كبدوكيا أنهما أخوان، وفي ميثولوجيا قورنثيا أن الكوكبة أندروميديا ولدتهما وتركتهما فاقترنا، نعم أخوان اقترنا.
– متى يحدث الكسوف التالي؟
وكانت المنجمة تحملق في درجها وتقول: «بحسب تقويم أستاذ التنجيم بطليموس، يقع الكسوف التالي يوم ميلاد القمر التالي.»
– إذن بعد …
– بعد ١٨ يومًا كاملة.
فقالت الملكة مضطربة تريد الخلاص من المنجمة: شكرًا لك أيتها العالمة الجليلة، لك المكافأة اللائقة بعلمك جزاء إفاداتك.
ونهضت المنجمة وانحنت باحترام كلي ثم خرجت.
•••••••••••••••••
حدث اضطراب شديد على أثر خروج المنجمة، وجعلت الوزيرات ينظرن بعضهن إلى بعض كأنهن يتساءلن إلى أن قالت فلومينا: يالله! أخوان يقترنان؟ أليس هذا شرًّا فظيعًا؟
فقالت أوجستينا: هذا فظيع، ولكنه جائز في قورنثيا، دعينا من تطبيق الشرائع الآن. لقد انجلى فحوى نطق الهيكل جيدًا الآن، وهو أن الويلين ينزلان على بنطس إذا اقترن الأخوان المتعاشقان حين كسوف الشمس، أجل إن اقتران الأخوين أعظم جريمة تزلزل بنطس.
وكانت الملكة مبهوتة تفكر فيما جرى من الحديث فقالت: ويحهما، أيقترنان في بنطس؟
– إن العاشقين يا مولاتي ليسا بعيدين عن هذه العاصمة.
فاستشاطت الملكة مختلجة واجفة وقالت متلعثمة: الويل ثم الويل لهما، سأجعلهما عبرة للأجيال القادمة.
فقالت جريجوريا كاتبة سر الملكة: يمكن حدوث هذا القران الفظيع خطأً يا مولاتي.
– وهل يغتفر إلاهانا هذا الخطأ؟ إن دستورنا تدارك حدوث اقتران الأخوين خطأً؛ إذ حتَّم على كل امرأة أن لا تعرف إلَّا قرينًا واحدًا لها، فترسل إليه مولودها إذا كان ذكرًا، وتحتفظ به إذا كان أنثى. وهكذا تستطيع أن تنذر بناتها من الاقتران ببنيه؛ لذلك يجب تدارك حدوث هذا الخطأ لئلا تنقض الويلات على بنطس. على فلورينا أن تجمع كل دهاء السماء والأرض لكي تعتقل ذينك العشيقين قبل حدوث الخسوف تداركًا للويلات الرهيبة، وعل كل يمكن أيتها الوزيرات أن تفعل ما يجب عليها في اكتشاف هذه الجريمة الهائلة. لقد أعذر من أنذر، وسيكون الانتقام من اللواتي يحاولن بناء هيكل ليكوبد في بنطس انتقامًا لا تطبيقه نفس بشرية. سلامٌ عليكن.
وجعلن ينحنين أمام الملكة ويخرجن.
وفيما هي في صحن الدار همست ملفينا في إذن أوجستينا: ما قولك بعظة الملكة.
فقالت أوجستينا: هل تستطيع أن تقول غير ما قالت؟
أنت تقرأ
دولة سيدات في مملكة نساء ✔
Chick-Litتدور أحداث الرواية في آسيا الوسطى على شاطئ البحر الأسود، حيث في «بنطس» مملكة مستقلَّة من النساء المحاربات، يزرْنَ أسبوعًا في العام مملكة «جاريجاريا» المجاورة، يتخلَّصْنَ بعده من مواليدهن الذكور، ويُبقينَ على الإناث فقط؛ ليضمنَّ استمرار وجودهن الأنثو...