الفصل الأول

2K 157 77
                                    

مشرق وبهي !
هو أقرب وصف لذلك المشهد.. تلال من أخضر الطبيعة، تخللتها شوارع من رمادي البشر، تجتمع كلاهما تحت زرقة سماء المدينة، وصفرة شمسها..

وهناك أعلى تلك التبة، يقف منزل بهي، كلما انقض جزء منه على الأرض، رمم ليصبح أجمل من السابق..
هناك حيث كانت عائلة من أربع أفراد، ترتب المنزل الجديد للانتقال..

"أمي، أنا متعبةٌ، سأذهب إلى غرفتي. اهتمي أنتِ بباقي ترتيبات النقل" قالتها الابنة الكبرى، وهي تقف مع أمها متثائبة، أمام كومة من الصناديق الموضوعة وسط صالة الاستقبال..

"رتبي أثاث غرفتك أولاً يا سحر، وساعدي سمر إنْ احتاجت إلى المساعدة" أجابتها أمها بلفظ رقيق، ثم اكملت بحزم "و لا تنسَيْ الصلاة، فوقت المغرب اقترب، وأنتِ لم تصلِ العصر بعد"

هنا قد انقشع الود الذي كان قد طغى، فدحرجت سحر عينيها بتململٍ، ثم حركت رأسها إيجابا، تجنبا للمحاضرات..

تجاهلت حديث والدتها سرا، و صعدت سلالم المنزل الجديد نحو غرفتها؛ لترتمي على فراشٍ موضوعٍ على الأرض كونهم لم يقوموا بتركيب السرير بعد.. نثرت سحر شعرها حالك السواد على وسادتها الزهرية، و سرعان ماذهبت في نومٍ عميقٍ.....

استيقضت سحر بعدها على إثْرِ اصواتٍ أشبه بالطرق على سقف الغرفة.. كان الظلام حينها قد حل بغموضه المعتاد، لكنها كعادتها لم تولِ هذا اهتماماً، بل نزلت تنادي بضجرٍ..

"أبي، هل تأكدتم أن المنزل قد رُمِّمَ بشكلٍ جيدٍ ؟ فالسقف يصدر أصواتاً غريبةً !"

سرعان ما أتاها صوت أبيها من المطبخ، مرفقاً باصوات طقطقة الصحون الزجاجية ببعضها..

"لقد سمعت هذه الأصوات كذلك، تأكدي من موقع الصوت، كي نحضر العامل؛ ليتأكد من وضع السقيفة (صمت لثوان ثم أردف يسأل) هل صلَّيت فروضك، أم أنك أهملتهم كعادتك ؟ لقد أذَّن العشاء، حال لم تنتبهي"

"نعم، لقد صليتهم جميعا" لفظت كذبتها بسهولة، اعتيادا منها على إلحاحهم المستمر، وانطلقت نحو غرفتها.

جلست على الأريكة المجاورة لسريرها، متجاهلةً الصوت، ثم أطفأت الأنوار، رفعت شعرها الأسود بمشبكٍ وأخذت هاتفها، ثم بدأت تعبث فيه بحثا عن قصة رعبٍ تسليها، وأكملتها بتشغيل الموسيقى لزيادة الاستمتاع، تاركةً المجال مفتوحاً للرفقة التي معها...

فوجئت حينها بصرير عالٍ صمَّ أسماعها، دفعها لانتزاع سماعاتها بهلع، ورمي هاتفها على السرير.. دام لبضع ثوان لتتمكن من ازاحة كفيها عن أذنيها، وأخذ بعض الشهقات..

أكان هذا صراخا؟ هذا مافكرت به قابضةً على موقع قلبها، ولم تلبث أنفاسها حتى انقبضت مجدداً، عند ملاحظة ظلالٍ تعبث في نطاق إضاءة هاتفها المرمي على ملاءة الفراش البيضاء ......!

اَلْأُضْحِيَةُ *مكتملة*حيث تعيش القصص. اكتشف الآن