الفصل الأول (2)

59 5 28
                                    

كل إنسان ادرى بجحيمه و كل انسان يحترق في ناره و لا يمكن لانسان ان يدرك مدى الظلمة التي انغمست فيها سواك .

هاندى اتاتلى

غادرت مكتب أنطوان متجهة إلى موعدها الثاني لهذا اليوم ؛ موعد مع الطبيبة النفسية سارة ، وصلت لعيادة الطبيبة و بعد حديث قصير و مقتضب مع فتاة الاستقبال علمت بأنَّ موعدها قائم و أمامها نصف ساعة لتلتقي بالطبيبة ، جلست في ركن هادئ تتفحص وجوه البشر ؛ منذ كانت طفلة كان هذا شغفها في أوقات الانتظار ؛ ترمق الوجوه و تحاول أنْ تحزر القصة خلف هذا الوجه البائس او تلك البسمة المنكسرة و الحدث السعيد خلف الإبتسامة المشرقة .

لكل إنسان قصة ، دائما آمنت بذلك و تمنت لو تجد شخصا يشاركها شغفها ، يحاول معها الوصول لتخمين يرضي المنطق  ؛ و ليس المنطق هنا هو ذاك البشري المتعارف عليه لا و إنما هو منطقها العقلاني فقط ، منطق يقبل بحكاية ترضي فضولها، ففي النهاية القابع أمامها يكون شخصا لا تعرفه أو تدري شيئا عن حياته و لهذا فهناك شلال لا ينضب من الاحتمالات المنطقية و المعقولة و المُرضية لعقول البشر و منطقهم ، المنطق هنا هو منطقها الذاتي كراوية ، منطق يرضى بتخمين يُرضي فضولها كإمرأة قررت حين كانت طفلة أنْ تكون جامعة حكايا ، و بالطبع فإن خيالها الخصب كثيرا ما ينسج القصص و لكن كونها إنسانة عاقلة ساعدها في الفصل بين ظنونها والواقع و لكنها كانت تستمتع بهذه العادة الغريبة بأي حال .

نادت موظفة الاستقبال إسمها و أخبرتها أن الطبيبة تنتظرها ، ولجت إلى الغرفة بعد أن طرقت الباب و بعد إلتقاء الأعين قالت الطبيبة بفرنسية متقنة
"أنا سارة الطبيبة ، لابد أنكِ فريدة ؟"
" ألا تجيدين العربية؟"
تسائلت حياة بنبرة هادئة و أجابت سارة كأنها بوغتت بالسؤال بعربيتها ايضاً
"أجل اجيدها و لكن ..."
بقي الكلام مبتوراً لان حياة قاطعتها بالهدوء ذاته
" لا داعي للاستدراك الآن ، بداية اتمنى ان تناديني حياة لا فريدة و إذا كنتِ تتسائلين عن سبب سؤالي فلقد أتيتُ إليكِ خصيصاً لأنني أردت شخصاً اتألف معه و ظننت بأن كونك إمرأة عربية يساعد بحدوث هذا بوقت أقصر و إذا كانت كلتانا عربية لمَ قد نتحدث بالفرنسية معاً !!"

زفرت سارة الهواء بهدوء و تحدثت بنبرة حيوية أكثر
"حسناً إذاً ، أجل لا داعي لذلك و الآن بما أنكِ بدأت بالدخول بالموضوع لمَ أنتِ هنا ؟"

ألقت سؤالها و تراجعت إلى الوراء بكرسيها فأردفت حياة بتلقائية كأنها تحكي قصة فيلم ما
" أنا هنا لأنني اعاني اضطراباً بالمزاج و اضطراباً بالنوم "
" أي نوع من الاضطراب المزاجي ؟"
" النوع السئ الذي يتأرجح ما بين قمة الجنون و قاع الاكتئاب "

شبح ابتسامة متهكمة لمع على ثغرها عندما ارتدت سارة من مكانها و همت للامام لتنظر بعينيّ حياة مباشرة و بدأ الحماس يبدو في حدقتيها
"ومنذ متى تعانين من هذا الاضطراب ؟"
"دائماً كنتُ إمرأة متقلبة المزاج و لكنها كانت ضمن الحدود المعقولة و لكن منذ بضعة أشهر بات الأمر جنونياً أصبحتُ أقدم على افعال مجنونة لو كنتُ بحالتي الطبيعية لما فعلتها و بالمقابل اصاب بنوبات اكتئاب حادة حدَّ انني فكرت بالانتحار مرة "
" إذاً لم تصلي لهذه الحال من قبل ؟"
"لا بل وصلت مرة منذ حوالي العامين و لكن لم يدْم هذا طويلاً فبعد شهرين عدتُ إلى حالتي الطبيعية "
"هل هناك ما يجب معرفته عن سبب التحسن في المرة الاولى و سبب انتكاستك الحالية ؟"

نجمة الراعي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن