تمهيد

622 42 8
                                    

أتذكر ذاك اليوم، عندما زرت الكابتن دومون في منزله، كان الشتاء في أوله، و السماء ملبدة بالغيوم التي حجبت الشمس، كان الطقس باردا جدا في الميناء يومها.

جلست مع الكابتن في الشرفة، كان الكابتن في الثلاثينيات على عكس توقعاتي، شددت معطفي على نفسي، جلس الكابتن على كرسي بجواري، تبادلنا أحاديث اعتيادية و مقتضبة، ظل فترة طويلة ساكنا، يديه في حضنه، تلفح الريح وجهه، دون تعابير يمكن ملاحظتها على قسمات وجهه.

كان ينظر إلى شيء ما في الميناء، شيء لا أدري كنهه تماما، لكنه كان ينظر إلى هذا الشيء بعينين حادتين و باردتين، أكاد أجزم أن عينيه تغطيهما طبقة جليد رقيقة..

" علمت أن السفينة Jehlum19 كانت ملكك في فترة ما، و كنت تقودها يوم الحادثة، هل تذكر ما حصل حينها ؟ هل تستطيع إخباري ما حدث يومها ؟ "

سألته مع أني لست متأكدة تماما بأنه قد سمعني، لكنه بعد عدة ثواني، التفت إلي، حدق بي لبعض الوقت، ثم أعاد بصره مجددا إلى ذاك الشيء المجهول، مرت ريح باردة..

" أذكر بوضوح ما حصل يومها " تحرك في كرسيه قليلا " كانت أمسية كغيرها من الأمسيات التي تقام عادة على سفينتي في عطلة نهاية الإسبوع، لم يكن هناك شيء غريب أبدا، كنت أجلس في حجرة القيادة، أقود السفينة كما اعتدت، كان ضوء القمر الفضي ينعكس على سطح البحر المتموج، أذكر أني كنت أفكر بشيء ما حينها، لكني.. لكني لا أستطيع تذكره الآن " ، فرك يديه، حدق بي " لا أدري لماذا أو كيف لكن في لحظة ما صدرت قرقعة عن المحرك، قرقعة عالية، و بعد عدة ثواني، صمت المحرك، و توقفت السفينة في مكانها " ظهرت على عينيه التماعة غريبة.

صمت لثواني و كأنه يحاول جمع شتات أفكاره، كانت الرياح تضرب وجهي و تنثر شعري، شددت معطفي أكثر على جسمي، فرك يديه " تأكدت تماما أن المحرك قد توقف، حيث لم أعد اسمع هديره، و حتى ناس الأمسية لم يعد يسمع لهم صوت، كنا صامتين و مصدومين، ذهب بعض فتياني إلى المحرك ليروا ما حدث، كان المحرك قد علق به شيء ما، رمادي حسب ما أتذكر، ما لبث فتياني حتى أخرجوا هذا الشيء فتبين أنه ورقة، حبرها قد سال، بعد هذا.. عاد كل شيء لطبيعته، استئنفت الأمسية مجددا، لكن لا أعلم، كيف وصلت الورقة للمحرك ؟ بعد بضع ساعات، رجعت إلى الميناء، نزل الجميع من السفينة، بعدما رحل الجميع..صرفت فتياني، و أخذت أنظف السفينة، محاولا البحث عن شيء ما سبب كل هذا.."

" إذا ؟ " سألته و أنا أحدق في عينيه.

" لا شيء، لم أجد شيئا " خاب أملي جدا، زفرت بيأس، نظرت له بخيبة، " هل هذه هي القصة المثيرة التي أردت إخباري إياها ؟ "

نظر في عيني بحدة، ظهرت التماعة في عينيه، ظل ساكنا، عاد ينظر إلى ذاك الشيء المجهول في الميناء، مرت ريح باردة أخرى، ضربت عنقي، كانت هناك سرب من الطيور يحلق بعيدا، يحلق في دوائر، دون وجهة، تحرك الكابتن في مقعده قليلا، ضيق عيناه و كأنه رأى شيئا في الميناء " لا عزيزتي، ليست هذه القصة المثيرة التي أردت إخبارك إياها.." قال مسببا نظري إليه مستفهمة " القصة المثيرة تبدأ الآن.."

يبدو أن السماء سوف تمطر، هذا ما يخبرني به الغيم المتجمع، كان الكابتن دومون و هو يقول جملته الأخيرة، يحرك رأسه و هو ينظر، كأنما يراقب شيئا يتحرك، هناك في الميناء، لكني لم أستطع أن أرى شيئا، لا شيء على الإطلاق.

ما زال سرب الطيور يحلق بعيدا، بعيدا في السماء، و دون وجهة..

سفينة أمينونوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن