فى ارض الشام ،كانت الشمس ترسل اخر ما تبقى من اشعتها لتعلن عن انقضاء النهار ومنذرةً بقدوم ليل جديد .
والشام فى ذلك الوقت كان يمر بفترة ثورة وتغير.
ذلك التغير الذى طال كل الدول العربية مثل تونس ومصر وغيرهم.لكن فى سبيل هذا التغير، زهقت الآف الارواح فى مصر وتونس.
اما فى سوريا كانت الخسائر اكبر من ذلك بكثير.
اكبر حتى من ان تحصى،
قُتل مئات الآف بحسب إحصائيات بعض المنظمات الدولية التى كانت تحصى عدد الموتى الذين يُسَجَلُ موتهم فى السجلات الرسمية للدولة فقط.
اما من يموتون بسبب القذائف التى اطبقت عليهم بيوتهم ولا يتم انتشال جثثهم، او من يموتون غرقاً اثناء هجرتهم، او من يموتون بسبب الجوع داخل سوريا او خارجها، فهم اكبر بكثير من الذين يسجلون فى سجلات الدولة.كان الجو هادئاً ،والارض قد خلت من المارة الذين إما جلسوا لتناول العشاء او جلسوا انتظاراً له.
وفى احدى قرى ريف العاصمة السورية دمشق،كانت عائلة الطبيب(رائد) تتناول العشاء.
كان عشائهم بسيطاً، وهو عبارة عن بعض الخبز مع بعض البقوليات، ورغم ان الطعام كان بسيطاً ،إلا انه كان شئ يصعب الحصول عليه انذآك بسبب الحرب.
واثناء تناولهم الطعام تحدث (رائد) _وكان طبيباً فى الثانية والاربعون من العمر يعمل فى قسم الطوارئ فى احدى مستشفيات العاصمة (دمشق) _وقال بصوت حزين :- "ان عدد الشهداء يرتفع يوماً بعد يوم ووقت عملى سوف يزداد لانقاذ اكبر عدد ممكن من الضحايا. لذلك. لن استطيع ان اشارككم فى العشاء غدا"ً.
فقالت له زوجته(وكانت معلمة فى الثلاثون من العمر) :-"وفقك الله، ولكنى لست مرتاحة هنا.
فكل يوم اسمع عن اعتقال احد جيراننا".
وسكتت برهةً ثم اكملت:-"لابد من وجود خائن بيننا فى هذا الحى، تُرى من هو؟؟".فقال الطبيب(رائد):-"لا نريد ان نظلم احداً، ثم اننا سنرحل عن هنا فى اقرب فرصة".
ثم اشاع ببصره نحو عُمَر (وكان طفلاً فى السابعة، اشقر، اسود العينين، بشرته ناصعة البياض، تظهر فيه ملامح التوحد والانطواء) ثم قال:-"كيف حالك اليوم يا عُمَر؟؟ ولماذا لا تأكل جيداً؟؟".
لم يُجب عُمَر على سؤاله واستمر فى التظاهر بالاكل.وظل الجو هادئاً، لا احد ينطق بكلمة الى ان فرغ الجميع من الطعام ،ثم ذهبوا جميعاً الى النوم.
وبعد عدة ساعات استيقظ عُمَر فزعاً على صرخات الطبيب وهو يوقظه ويقول له:-" لتنهض بسرعة يا عُمَر فالطائرات تقصف الحى ونحن لسنا فى مآمن".
"هيا بسرعة ستذهب مع زوجتى الى اجد الملاجئ القريبة من هنا لتحتمى من القصف".
"هيا اسرع"!!!...فتكلم عُمَر وهو يجهش بالبكاء :-"وماذا عنك"؟؟!.
ففرح الطبيب بسماع صوت عُمَر لانه كان نادراً ما يتحدث.
وقال له:- "لا تخف على، انا سأتبعكم حينما ننتهى من تحذير سكان الحى".
"والآن،عليك ان تسرع فالقذف يزداد، هيا الآن"
أنت تقرأ
مــن أنــا؟؟!!
Narrativa generaleالحياة ليست سهلة، فهى ليست مفروشة بالورود دائما. واحيانا تكون الحياةُ قناصاً ماهراً وتكون انت الصيد الثمين. لذلك يجب على الانسان ان يكون هادئاً وصبوراً ومستعداً فى اى وقت لتحمل ضرباتها، وتوقع مفاجائتها، لانه إما ان يكون ذا إرادة قوية وإما ان يكون هو...