البارت 2

225 6 0
                                    


أفلت معصمها ، لكن فقط ليرفع يده ليمسك بذقنها ، ليرغمها على التحديق به قائلا: "تفرغي لذلك! و إن لم يكن هذا تحذيرا كافيا ، توقفي عن التفكير بنفسك و إبدأي التفكير بشأن موظفيك بدلا من ذلك. قد تكون هذه ربما فرصتك الأخيرة في إنقاذ وظائفهم. إن الأمر على عاتقك يا أليكس. هل يمكن تحمل نتائج كبريائك؟" و استمر تحديق عينيه في عينيها للحظة أطول ، مطلقا سراحها من بعدها و هو يعدها بقوله: "حتى نهار الغد." و غادر الغرفة بإيماءة من رأسه.

راقبت قامته المديده و كتفيه العريضتين و هو يمشي مبتعدا ، فيما كانت تغلي من شدة الغضب الهادر. كم تمنت أن تقول له أغرب عن وجهي ، لكن كلماته أوقفتها ، حيث كانت متأكدة من أن كلماته قد تمنعها. لقد عرف أيضا أنها سوف تراه في الغد ، من أجل الوظائف العديدة التي كانت تحاول بصعوبة إنقاذها ، لكن دون أن يحالفها النجاح. طعم الفشل كان شيئا كريها يجب أن تبتلعه الآن. ها هو بيرس يلمح أنه قد يكون مستعدا لفعل شيء ما ، و بالرغم من أنها تكرهه ، كانت تعرف أنه لا يمكنها أن تصده.
غادرت الحفلة باكرا ، لكنها لم تذهب مباشرة إلى المنزل ، بل استقلت سيارة أجرة إلى مستشفى لندن حيث كان ستيفن بتراكوس ما زال في غرفة العناية الفائقة. فقد عانى منذ ثلاثة أسابيع مضت من نوبة قلبية حادة ، و قد سبقتها نوبة أقل حدة. كان بقاؤه على قيد الحياة أشبه بأعجوبة. كانت حياته معلقة في الميزان عندما أكتشفت حالة شؤون دار النشر المحفوفة بالمخاطر. فيما كان الأطباء يكسبون ببطء معركة بقاء والدها على قيد الحياة ، كانت هي ما تزال تحاول إنقاذ شركته.
تطلعت أمها التي كانت تحيك الصوف بصنارتها نحوها ، عندما دخلت أليكس إلى الغرفة. و قد رسمت المرأة الضعيفة ذات الوجه الشاحب الصغير إبتسامة مرحبة عند رؤية ابنتها قائلة: "مرحبا ، يا عزيزتي ، هل أمضيت وقتا طيبا؟"
أنحنت أليكس لتطبع قبلة على الخد الناعم. كانت إميلي بتراكوس إمرأة من النوع الذي تضفي طبيعتها الحلوة حماية من حولها ، و ليس أكثر من الحماية التي تقدمها فعلا لعائلتها ، و أصبح أمرا غريزيا لديها و قبل مرض والدها بزمن طويل ، أن تحمي أمها من الجانب القاسي جدا في الحياة. و سبب ذلك هو الفوضى التي تكافح بيأس لتسويها الآن. لكن رغم أن والدتها كانت تشتبه بالتأكيد أن هناك شيء ما ، و طالما أن والدها لم يخبر زوجته بشيء ، إذا فإنها لا تستطيع أن تقول شيئا لها أيضا. الأمر الذي جعل أليكس الآن ترسم على وجهها إبتسامة فرحة.
أجابتها: "آوه ، أنت تعرفين كيف تجري هذه الحفلات. كان سبب إقامتها وجيها. كيف حال والدي؟"
تنهدت أمها مجيبة: "إنه نائم الآن ، لكنه كان متعبا جدا قبل ذلك. أتمنى لو أنه يخبرنا ما الأمر." و أخذت تلوك شفتها بإهتمام ، و دون أن تدري أكدت شكوك ابنتها.
عانقتها أليكس ، قائلة : " حاولي أن لا تقلقي ، يا اماه ، أنت تعرفين كم يكره والدي أن يكون مريضا خاصة عندما يبعده المرض عن أعماله. على أية حال ، إني اسيطر على الأمور مؤقتا ، و اعتقد أني قد أحمل إليه أخبارا جميلة في القريب العاجل." و توسلت في قرارة نفسها آملة أن يكون ذلك صحيحا.
قالت إميلي بتراكوس و هي تبتسم : "انك قوية يا أليكس. و لا أحد يعلم ماذا كنت لأفعل من دونك." ثم زالت إبتسامتها ليحل محلها التجهم و هي تضيف : "لكنك تبدين متعبة يا عزيزتي ، ألا تنامين؟"
كان النوم أمرا نادرا هذه الأيام ، و حتى حين كانت تغفو قليلا كانت أحلامها مزعجة، إلا إنها ما كانت لتعترف بتلك الأمور. لذا قالت : "إنني بخير ، كل ما في الأمر ان اليوم كان يوما مرهقا، أنوي أن أذهب إلى الفراش مباشرة عندما أصل إلى المنزل. لا تنسي أن تنامي أنت أيضا يا أمي. أنت تعرفين أن رؤيتك قلقة ستحزن والدي كثيرا."
أجابتها: "أنت تجعلينني أبدو كدواء!"
ضحكت أليكس برقة، و قالت: "أنك كذلك ، و أفضل دواء يمكنه الحصول عليه." تظاهرت بالتثاؤب، نظرت إلى ساعتها ، و اضافت ، قبل أن تقبل أمها مرة أخرى و تغادر : "من الأفضل أن أذهب . سوف أمر عليكما غدا. قبلي والدي عني و أخبريه أن لا يقلق."
كانت شقتها تقع قرب النهر في تشيلسي. كانت شقة صغيرة إلا إنها كانت تناسبها تماما ، استأجرتها قبل زواجها القصير جدا. و لأنها رفضت أن تقبل أي مساعده مالية من مطلقها ، كانت سعيدة بالعودة إليها لتضمد جروحها. دخلت و هي تتنهد بارتياح، و لم تشعر بالأمان إلا بعد أن اقفلت المزلاج. بيرس هو من جعلها تشعر هكذا، و كأن عليها أن تهرب، و أن تستمر في الهروب. سارت نحو غرفة الجلوس ، ألقت بمعطفها على الأريكة و سارت لتسكب لنفسها شرابا منعشا. كان حضوره صدمة بالنسبة إليها، فهي لم تتوقع أن تراه ثانية بعد الطلاق. ثم فكرت و قد قلبت شفتيها ، بعد كل ما جرى ، لماذا عاد و قد أخذ كل ما أراده؟
لقد صدقت يوما أنها تجسد تلك الكلمات الثلاث العاطفية لكنها لم تكن سوى اداة. فقد اعد خططه كجنرال في الجيش، خطط لكل شيئ. فكانت كل الكلمات الرقيقة و نظرات الحب التي تبادلاها مجرد تصميم لهدف واحد. ليخفي وراءه هدفه الحقيقي.
لم تعرف أحدا في حياتها قط قد يستطيع التظاهر على هذا النحو. لقد أحبته و صدقت أنه يحبها، لكن ذلك ما كان يفترض أن تعتقده. كانت سذاجتها كسوط لروحها المعذبة.
كانت في الواحدة و العشرين من عمرها صغيرة بالنسبة إلى عمره البالغ التاسعة و العشرين و الواسع الخبرة، و لولا ذلك ما كان ليتأكد أنها ستقع في حبه فقد كان يعرف ما يكفي عن النساء ليستطيع أن يجعل ذلك الأمر ممكنا بشكل واضح.
أخذت أليكس ترتجففتقوقعت على كرسي ذات ذراعين ، كان بيرس محقا بشأن حياتها العاطفية ، فقد كانت خالية فعلا. و هل هناك أي عجب في ذلك؟ فما قاسته على يديه جعلها تخشى النار كأي أنسان مذنب.
لن تؤمن أي رجل على سعادتها ثانية. لديها بعض الأصدقاء من الرجال و الذين خرجت برفقتهم أحيانا، لكن رغم أنها كانت تعرف أن بعضهم كان يرغب في توثيق العلاقة أكثر، إلا إنها كانت دائما منتبهة لإبقاء مسافة بينها و بينهم.
توقف أصدقاؤها عن سؤالها عن سبب تغيرها بعد عودتها من امريكا عندما تمنعت عن الإجابة، و رغم ذلك استمروا في محاولة إيجاد زوج لها . لكنها في أحسن الأحوال كانت محاولة فاترة ، و احترموا رغبتها الخفية بعدم البوح عن خصوصياتها.
أغمضت عينيها. فقد كان إيقاف الأسئلة أمر سهل، لكن إيقاف الذكريات كان أمرا آخر. كانت المشاهد ترواد ذاكرتها الواحد تلو الآخر ، لكن رغم إنها كانت تطاردها ، تنام حينا و تستيقظ احيانا خلال السنوات الخمس الماضية، ثم أخذت تطول الفترة بينها ، حتى لم تفكر به منذ فترة طويلة ، لكن الليلة عاد كل شيئ بقوة.
كان بيرس ذكي جدا ليجعلها تعتقد ما ارادت أن تصدقه ، أنه يحبها. إلا إنه لم يفعل ، لقد بدا لها ذلك واضحا في ساعة قصيرة واحدة. لقد لعب دوره ببراعة فائقة، حتى أنها لم تكتشف ، إلا صباح اليوم الذي تلا زفافهما ، إن الرجل الذي تزوجته ليس سوى دجال.
و التقت أخيرا، في اليوم الذي كان يفترض أن يكون بداية حياتهما معا

القدر القاسي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن