البارت 3

358 6 0
                                    

بحثت عيناها في عينيه، كانت تريد أن تتأكد و قالت له: "تعرف أنك لست مرغما على الزواج بي ، يا بيرس."
كانت نظرات عينيه الزرقاوين تحرقها ، ثم قال لها متهما: "اعرف ، لكن إما الزواج أو لا شيئ ، ام أنك لا تريدين الزواج مني؟"
صرخت قائلة: "أوه، لا! إني أريد الزواج منك يا بيرس، أنا أحبك كثيرا."
و بعد ثوان قليلة ، أوضح قائلا بصوت عميق : "إذا سنتزوج حالما استطيع الاعداد لذلك. لن تمانعي إن كنا نحن الاثنين فقط؟ لا أصدقاء ، و لا عائلة؟"
نظرت إليه ، و السعادة تغمرها ، و قالت : "ابي و امي لن يعارضا طالما سأكون سعيدة."
و هكذا، تزوجا بعد أيام قليلة في لوس انجلوس ، دون أن يخبرا أحدا أبدا، و استدعيا شهودا على زواجهما ، أشخاص غرباء لا يعرفونهما، و اتجها بسرعة من حيث اجريت مراسم الزواج إلى المطار ليلحقا بالطائرة المتجهة إلى نيويورك ، لم يكن يقلقها إنها لا تعرف عنه سوى القليل جدا، عدا أنه اميركي و رجل اعمال ، لقد وقعا في حب بعضهما البعض، و كان وقتهما ثمينا جدا للاهتمام بأمور كهذه. عرفت أنه رجل أعمال ناجح، لقد اكتشفت أن الحب هو كل ما يحتاجاناه ليكونا سعيدين.
كان الوقت متأخرا جدا عندما وصلا غلى شقته. و وجدت أليكس نفسها فجأة متوترة. قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يتواجدا فيها بمفردهما بالفعل، و ما ينتظرها في تلك الليلة جعلها ترتجف من الخوف. لم تتواجد مع رجل لوحدهما تحت سقف واحد طوال عمرها البالغ واحدا و عشرون عاما، كان مزاجه يبدو غريبا. كان هادئا طوال الرحلة ، منشغل البال، و عندما تكلم كان هناك تكلف غريب في تصرفه، الأمر الذي وجدته مثيرا للأعصاب قليلا.
و عندما استمر في مزاجه الغريب حتى عندما كانا يتناولان الوجبة التي كانت مدبرة منزله قد أعدتها لهما و التي لم يكن أيا منهما يتناولها بشهية، وجدت نفسها مجبرة على الكلام، فسألته: "هل كل شيئ على ما يرام؟"
استمر بيرس بتقطيع قطعة اللحم ، دون أن يرفع نظره غليها، ثم رمى بالسكين و الشوكة جانبا و رفع عينيه لتلتقي نظرتها الخائفة بنظرة كانت تعرفها جيدا، و التي جعلت قلبها يدق بقوة في صدرها.
قال موضحا بصوت أجش: "لا، الأمور ليست على ما يرام، أنا أريدك ، يا أليكس."
كانت تلك الليلة أجمل ليلة عرفتها في حياتها، ليلة دخلت فيها إلى عالم جديد لم تعرفه من قبل.
تقلبت أليكس في مخدعها في الصباح ، و سرت في جسمها موجة دافئة من السعادة الكلية لأنها لم تعد أليكس بتراكوس فقط بل السيدة بيرس مارتينو.
لكن كل ذلك كان الليلة الماضية. لقد أشرق الصباح الآن ، و كل ما عليها القيام به هو أن تمد يدها و تلمس شعره الداكن.
كانت حركة لم تكملها اطلاقا، لا، زوجها انتفض بعيدا عند أول لمسة لها ، جلس ، و دفع الغطاء . و صرخ قائلا: "لا تلمسيني." و صدمتها نبرات صوته الثائرة ، مما جعلها غير قادرة على الحراك، لكن فقط لجزء من الثانية ثم نهضت هي أيضا، و هي تنظر غليه دون أن تصدق ما سمعته اذناها ، فيما كان هو يبتعد عن السرير بخطوات ثابتة. ازاحت بيد مرتجفة خصلات شعرها الطويل و قد غشت عينيها الرماديتين ، سحابة من الألم.
سألته بنبرة كانت تتأرجح بين دعابة وادعة و رعب مما قد يحدث: "ماذا؟"
بدا و كأن زوجها الطويل ، النحيل ، الداكن الشعر قد تصلب لدى سماعه صوتها ، لكنه لم يوقف تقدمه نحو الحمام.
استجمعت أليكس أفكارها المبعثرة و نهضت من الفراش بسرعة . عليه أن يفسر لها معنى تلك الكلمات إن كان يريد منها أن تعتبرها مجرد دعابة إن كانت حقا كذلك.
استطاعت أليكس أن تبقي صوتها طبيعيا بجهد كبير، لكن رغم ذلك كانت صدمتها جلية عندما نادته قائلة: "بيرس! ليس ذلك مضحكا يا عزيزي."
و صدف أن بيرس كان منحنيا فوق المغسلة بانتظار أن يمتلئ الحوض بالماء، فأقفل صنبور الماء قبل أن يميل برأسه نحوها. لم تستطع أن تحبس تنهيدة خانتها فيما كانت عيناه تتفحصانها من رأسها حتى أخمص قدميها بإزدراء، و انتابتها موجة مؤلمة من الشعور بالاذلال لم تخالجها من قبل قط. فاتسعت عيناها و شعرت بشيئ ثقيل و بارد كالحديد يملأ معدتها.
كان صوت بيرس يحمل إهانة أيضا عندما تكلم قائلا: "لم أتخيل للحظة أنها كذلك."
لم تستطع أن تصدق أنه يقول شيئا يؤلمها هكذا، ليس بهذه البرودة. لم تكن دعابة ، بل كانت شيئا حقيقيا مريعا أكثر من ذلك. و كان عليها أن تعرف ما هو قبل أن ينهار عالمها و يتحول إلى حطام. فقال: "بيرس! ماذا حدث؟ ما الخطب؟"
كان بيرس منشغلا بوضع صابون الحلاقة على ذقنه، إلا أنه توقف ليرميها بنظرة ساخرة بدت و كأنها تحط من قدرها و قال: "ما الذي يجعلك تعتقدين أن هناك خطب ما؟"
و تعثرت في شرك من الارتباك. حتى الأمس كان محبا للغاية، و الآن... و بحثت يائسة في فكرها عن جواب ما، أي شيئ قد يوقف التيار المظلم من الألم. سألته: "هل هناك شيئ ما فعلته؟ هل أنت نادم على الزواج مني؟" لقد كان الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفكر به.
ضحك لسماعه ذلك، و قال دون أي أثر ينم عن المزاح: "لا، كان عندي كل العزم على الزواج منك. كان ذلك ما أردت."
كان ذلك هو الجواب الذي أرادت سماعه، لكنه كان يحمل في طياته ما أصاب قلبها بقشعريرة. لقد بدا باردا جدا، و خاليا من العاطفة كجوال في متاهة، عرفت أن هناك طريقا واحدا للخروج من هذه المتاهة، و ذلك أن تتبع الممر الذي وضعها فيه و قالت: "قد تكون أردت ذلك، لكن اعرف أن هناك خطب ما. لست حمقاء كثيرا، بقدر ما ابدو بالنسبة إليك الآن. اعرف ذلك فقط، أنه مهما كان الأمر ، فبإمكاننا أن نحله سوية. هذا كل ما يتطلبه الأمر عندما يحب شخصان بعضهما الآخر."
لم يزعج زوجها نفسه حتى في أن يوقف حلاقته. فقال: "من قال شيئا عن محبتنا لبعضنا؟"
كان السؤال الفظ ضربة قاضية هزت كيانها. شعرت أليكس بألم في حنجرتها و هي تدفع صوتها لتقول له: "لكنني احبك يا بيرس."
قال: "هذا أوافقك عليه." و رمقها بنظرة حادة من عينيه الزرقاوين جعلتها تدرك ما قصده.
لم يكن لديها دفاعا تجاه الحقيقة التي أرادها أن تقر بها و صرخت: "لا!" كانت صرختها انكارا صارخا للألم المدمر الذي مزقها.
غسل بيرس بهدوء الصابون المتبقي و تناول المنشفة و قال: "لا، صحيح تماما أن النوم العميق قد فعل العجائب لادراكك."
شعرت أليكس أنها ضعيفة جدا بحيث تمسكت بمقبض الباب حتى لا تقع أرضا، فيما ضغطت يدها الأخرى بشدة على قلبها و قالت هامسة بإنكسار: "لقد أخبرتني بأنك تحبني."
قال: "إذا فكرت بذلك بروية ستتحققين بأنني لم استعمل قط تلك الكلمات."
و جنح فكرها المعذب إلى الوراء، إلى كل محادثة أجرياها، و عرفت أن ذلك حقيقة. فيوم أخبرته أنها تحبه، اجابها بيرس... و أغمضت عينيها أمام عينيه بقلق . لقد ظنت أنه قد أخبرها ذلك ، لكن كلماته الفعلية كانت بأنها لن تدرك عمق المشاعر التي يكنها في قلبه لها!
لم تكن حبا قط، كانت فقط...
كان عليها أن تعرف، رغم أن ذلك آلمها حتى الموت فسألته: "لم تزوجتني يا بيرس؟"
اجابها و صوته يحمل تهكما محزنا: "لم؟ تزوجتك حبا بالانتقام."
دوت الكلمة كالقصف في اذنيها و سألته: "الانتقام؟ لكن ذلك لا يفسر شيئا، من أجل ماذا؟ ما الذي فعلته؟"
عندها رأت الغضب في عينيه ، غضب شديد ازاح جانبا كل الازدراء المريع و سألها قائلا: "هل حفيدة يانيس بتراكوس لا تعرف حقا؟ لا استطيع تصديق ذلك، يا عزيزتي أليكس. ابحثي في ثنايا ذاكرتك، و أنا متأكد انك ستجدين الحقيقة ، بالطبع ، إن لم تستطيعي تدبر الأمر ، يمكنك دائما اللجوء إلي لطلب ذلك." سيطر على غضبه بذلك الاستخفاف الساخر و تابع قائلا: "و الآن ، إن كان علي الوصول إلى المكتب عند الساعة الثامنة و النصف ، يجب أن أغتسل الآن الأمر الذي أفضله مع قليل من الخصوصية إن كنت لا تمانعين." اقفل بيرس باب الحمام بوجهها بعد اطلق رميته الفاصلة و رآها تصيبها في الصميم.
تعثرت أليكس على بعد بضعة اقدام من فراشها و سقطت منهارة عليه. كانت أطرافها مشوشة. الواقع الوحيد الذي تغلغل في اعماقها هو أنه لم يكن يحبها . كانت الكلمات تدور و تدور في رأسها و كأنها اسطوانة معطلة. عندما دخل بيرس عليها بعد دقائق و قد رمقها بنظرة سريعة ، راقبته بوجه شاحب و عينان غائرتان. لم يكن هناك أثر لتلك اللطافة المحببة، فقد بدا قاسيا مظهرا لونه الحقيقي.
توقف قليلا بعد أن ارتدى بدلته الرمادية الداكنة متجاهلا وجودها قبل مغادرته، و قال: "إن اسم مدبرة المنزل هو السيدة رانسوم، ان احتجت إلى شيئ اسأليها فقط."
لم يكن لدى أليكس رباطة الجأش اللازمة لتجيب، و لم يكن بيرس منتظرا لسماع ذلك. تركها دون أن يضيف كلمة أخرى، تركها برفقة تعاستها لشعورها بالغدر و افكارها المعذبة، بعد دقائق ظهرت السيدة رانسوم لتسالها ان كانت تريد تناول الفطور. كانت أليكس في مكانها دون حراك ، و وجهها الشاحب خاليا من أي أثر للدموع التي أبت أن تتساقط لم تكن تشعر بالخدر ، مع أنها تمنت ذلك الأمر الذي يضع نهاية لآلامها.
رفضت بهدوء تناول الطعام جاهدة تصنع ابتسامة على وجهها و هي تقول: "لا، شكرا، يا سيدة رانسوم. ما زلت اشعر بتعب من عناء السفر." التذرع بحجة تلك الظاهرة الحديثة كان أسهل بكثير من اخبارها الحقيقة التي كادت أن تفشيها لو لم تكبحها بقولها: "اعتقد اني بحاجة للراحة أكثر من الأكل."
اومأت مدبرة المنزل براسها و قالت: "حسنا، يا سيدة مارتينو. اتسمحين لي ان انتهز هذه الفرصة لأتمنى لك و للسيد بيرس السعادة؟"
لم تعرف أليكس ماذا تفعل ، أتضحك أم تبكي. السعادة؟ لا بد و أنها قدمت لها جوابا مقبولا، لأن مدبرة المنزل ابتسمت و غادرت المكان.و سقط القناع فيما اخفضت رأسها و قد اظهرت انحناءة عنقها انكسارها المريع. لم تعرف ماذا عنى بيرس بكلامه. فعائلتها لم تمسه بسوء ، حتى انها لم تسمعهم يذكرون اسمه قط. لكن بيرس كان متأكدا جدا . قال أنه يريد الانتقام ، لذا اعد خطة ليخدعها و نصب لها فخا لهذا الغرض. لقد امضى اسابيع و هو يلاحقها طالبا يدها للزواج مستعملا كل جاذبيته ليقنعها بهيامه ، لتكون زوجته حتى يتمكن من نبذها بخشونة بهذة الطريقة.
غطت وجهها بيديها. لكنها أحبته ايضا! كيف يمكنه أن يخدعها هكذا؟ هذا ليس عملا انسانيا ، كان خاليا من المشاعر... و احست بأن قلبها قد تمزق إلى اشلاء ، حتى أن شرايينها كانت تنزف ألما. فيما كان الألم يتعاظم كان يفسح المجال تدريجيا لولادة غضب عارم و حارق.
لم تفعل شيئا حتى تستحق هذا! كانت صرخة من أعماق قلبها اجابت عليها دماؤها. شعرت فجأة أنها تريد أن تؤذيه كما اذاها. ملأت تلك الفكرة جوفها بلهيب متوهج، مجرد ذكرى كيف منحت كل حبها و ثقتها لهذا الرجل جعلتها تشعر بوصمة عار في اعماق روحها. حرارة دموعها احرقت عينيها، لكنها رفضت البكاء امامه، لقد رماها في الحضيض ، لكنها لن تدعه يراها باكية.
عادت أليكس من رحلتها مع الماضي و قد أحست بقشعريرة. و ضعت كوب العصير جانبا دون أن تشرب منه شيئا. و أخذت تفرك ذراعيها براحة يديها لتزيد فيهما بعض الدفء. فالانتقام الذي سعت إليه من خلال غضبها و ألمها لم يتحقق بعد، فقد كانت هذه البداية فقط. لم يحدث معها شيء مؤخرا أثر بها كما فعل غدره بها. فقد اصابها الأذى عميقا متخطيا كل ما عداه.
حتى الآن، كما اخبرت بيرس بأن فترة زواجهما القصيرة قد لقنتها درسا. درسا قيما. لن تقع ثانية في مصيدة كذب الرجل ثانية، و لن تفسح له المجال ليسيطر على حياتها، و لن تكون له القوة ليتلاعب بها و يؤذيها. و لن تطلق العنان لأحاسيسها أن تقودها للغرق في نفس المياه الخطرة حاجبة عنها الرؤية الصحيحة.
لقد تلقت انذارا الليلة بأن جاذبيته طاغية و قد اكتشفت مدى هشاشة انوثتها التي جعلتها ضعيفة امامه ، اذن يجب أن تحترس و تبقي ذهنها صافيا و ان لا تدع عاطفتها تتغلب على منطقها. كانت الطريقة الوحيدة التي تجعلها متقدمة عليه خطوة واحدة إلى الامام ، أنها لا تثق به. لقد تعلمت ذلك بطريقة قاسية.
مهما كانت الخطة التي لديه، فعليها أن تكون على حذر منها. أنها تعرف كل شيء عن شركة مارتينو الآن. كانت متنوعة جدا. كانت هناك شكوك حول تهديده بالاستيلاء.
فقد كانت لديه عادة الحصول على الشركات النهارة حيث يعمد إلى تجزئتها ثم يبيعها كسبا للربح. إن كان هذا ما يفكر به ناحية دار بتراكوس للنشر، فعليه أن يعيد حساباته ثانية.
كانت سمعة بيرس الشخصية ناصعة البياض، فلديه لمسة ميداس. كان أمرا نادرا أن تكتب عنه كلمة في غير مدحه. و مع ذلك فقد كان هناك فارق بين شخصه كرجل اعمال و بين ما عرفت عنه مؤخرا كرجل. لو لم تكن امبراطورية بتراكوس في ضائقة ماسة ، لكانت قطعا دونما حاجة إليه. لكن عليها أن ترغم نفسها لتتغاضى عن كبريائها و أن تكون عملية من أجل معيشة الآلاف من العاملين في المؤسسة.
ان أبقت تفكيرها ضمن هذا الاطار فيمكنها أن تتولى أمر بيرس. فقد نضجت كفاية على مدى الخمس سنوات الأخيرة. و عرفت أنها أصبحت أكثر نباهة و ذكاء. لن تكون جبانة و تفر هاربة. هذه المرة ستقف في وجهه و ستنتصر عليه.
كانت مجرد فكرة جعلتها ترسم ابتسامة مشدودة على شفتيها و شقت أخيرا طريقها إلى غرفتها. ربما يمكنها أن تنتقم أخيرا.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 18, 2016 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

القدر القاسي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن