على عتبة الذكريات

1.5K 90 63
                                    

كبِرتَ يا صغيري..

ها أنت ذا تُمسك كتابك بين يديك و بجانبك كوب قهوة مُرّة تتجرعه و لا تكاد تُسيغه ، إلا أنك بدأت تعتاد طعمه و تحب تلك الرغوة التي تطفو على سطح القهوة .. لا شيء أجمل من كوب قهوةٍ و كتاب.. ارتشفت رشفتك الأولى بينما تتابع القراءة  فتقع عيناك على جملة :

( على عتبةٍ الذكريات نتوقف ، تعلينا نظرة حنين ، نسترجع الماضي الذي لم يبقَ منه سوى رمادٍ .. و أنين )

لتسند ظهرك إلى الكرسي من خلفك و تتراءى لك صورة سراب كنت تلهث وراءه ذات حين ، إلا أنه مختلف تماماً.

يبدو أنك مرهق من الذكريات و لكن طرقاتها تكاد تكسر الأبواب ، أسرع و افتح لها الباب ، افتح ذاك الشق الذي يجعلها تتدفق دون توقف ، ليس من اللباقة أن تدع ضيفك الثقيل ينتظر ..

| في الماضي |

كُتِب لوالدتك أن ترزق بمولود ، رغم ضَعف جسدها فقد حملتك..حملتك تسعة أشهرٍ في كَبد.. حتى خرجت وليداً في تمام العاشرة ليلاً ، لتوافيها المنيّة بعد أن وضعتك و كأنها تترك جزءً من روحها في هذا العالم!! كأنها تُخلف وراءها ما يبثُ الروح في جسد هذا العالم الميّت...

تترك لوالدك طفلاً مجهول المصير! كل ما يمكنها فعله هو أن تراقبك من بعيد و تبتسم لأنها على ثقةٍ أنك ستكون بخير
لم ترَ ذاك الوجه الحنون قط.. لم تداعبك والدتك.. لم تعقد لك أزرار قيميصك حين كنت تريد الخروج إلى الدنيا على عجل ، هكذا كنت أنت وحيد منذ أن وُلدت

كبِرت قليلاً ، قليلاً فقط لتدرك أنك وحدك في هذا العالم .. كبِرت لتدرك كم يمقتك أطفال صفك حتى أنهم يلقونك بالعلب الفارغة ، و كأنهم يخبروك بأنك تماماً مثل هذه العلب لا تصلح لشيء ..لا لشيء سوى أن تكون قمامة !!

تبكي و تشعر بالوخز في قلبك من فرط الألم ! تريد صديقاً تلقي بهمومك إليه فتتذكر كم أنك وحيد منذ البداية .. و تنقاد خلف قدميك إلى مكان لست تجهله .. فأنت تذهب إليه كثيراً حتى تظنه سئم منك .. هذا الرفيق ذو الأمواج المتلاطمة يكتم سرّك و يعلم كيف يخبئ حزنك ، يستمع إليك و لا يبادر بالحديث.. صبور جداً و وفيّ ..

أمسكت بحصاة صغيرة قد قذفتها الأمواج إليك و رحت ترميها لتحدث موجات متداخلة تبدأ صغيرة و تكبر و تكبر حتى تختفي!.

تعود ليلاً إلى منزلك ، فتجد والدك الغاضب بانتظارك على عتبة الباب ، تلوم نفسك كل مرةٍ على تأخرك و لكنك لا تتوب!! تُصرّ أن ينعتك بالولد العاق و يرمقك بنظرات الكراهية.. رغم أن قلبه مليء بالحب ، كيف يكرهك و أنت بكل ما فيك تذكره بوالدتك؟

حين ابتسمت لك الحياة ، لم تكن سوى ابتسامة سخرية منك و لكنك كأيّ طفل سيظن أن الحياة تحبه فقط لإظهارها تلك الابتسامة الصفراء!!.

إنها جشعة لا تكفّ عن سلب الآخرين .. حين كنت وحيداً عند البحر تستجمع أمورك المشتته ، نادى أحدهم باسمك فالتفت سريعاً ظناً منك أنها والدتك!  لا تعلم ما السبب وراء ذلك.. لربما كان هذا الفتى يشبهها ؟

لا تستطيع الجزم فكل ما تعرفه عنها هو لا شيء لم تسمح لك الفرصة لتراها حتى.. دعنا لا نسهب في ذكر التفاصيل و نغفل عن مربط الفرس

لم يكن ذاك سوى فتىً في مثل عمرك ، ابتسامته تزين ثغره دائماً ، سمح لنفسه بالجلوس بجانبك دون أن ينبس بحرف ، فأفسحت له مكاناً بقربك ، لقد كانت الأماكن شاغرةً على كلٍ و لكنك عبّرت بذلك عن قبولك له..

كنتما تراقبان المحيط بصمت و كأن الأرواح تتحدث معاً أم أن للغةٍ العيون حديثاً آخر ؟

لم يكن الصمت سيئاً على كل حال.. فقد شعرت أن المسافات بينكما تنطوي مهما كانت طويلة ، مهما بدى ذلك صعباً فقد تقاربت القلوب!! و تشكلت بينكما رابطةً من نوعٍ ما

و لكن.. نعيم الدنيا ساعة أو أقل!! حينما ابتسمت الحياة بسخرية في وجهك كانت تعلم أن دوام النعيم محال.. فحال بينكما الموت ، لتصير من الهالكين!!

يتبع ~

ما هو رأيكم في المقدمة ؟ هل هي جيدة كفاية ؟
كيف كان أسلوب السرد ؟
لقد حاولت جعله مختلفاً عمّا تعرفونه
ما الذي سيحدث مع بطلنا مجهول الهوية ؟
ترقبوا الجزء القادم

أنتَ لستَ وحيداً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن