تتوالى الأيام و تتبعها الليالي.. تنغمس أكثر في وحدتك و تلوم ذاتك على تصديقك لتلك العجوز الراحله.. حتى أنها لم تأتئ لتطمئن عليك حينما رحَلت!!
كبرت مجدداً يا ولد لتناهز السابعة عشر من العُمر ، سنين طوالٌ مضت.. كانت كفيلة بجعلك شخصاً آخر و لكنك ما تزال كما أنت ... ربما الفارق الوحيد أنك بدأت تفقد الأمل في رؤيتهما ، و تلاحق سراباً يجوب في ذاكرتك ، رغم أنك تعلم أنه سيتلاشى في النهاية!!!
أما زلتَ تلوم نفسك على حماقات الطفولة ؟ و تقول في ذاتك لو أنك هممت بالبحث عن صديقٍ بدل أن تلهث وراء أمنياتك التي هي سبب إفلاسك ، لما آل بك الحال إلى هذا الوضع
لم تستطع أن تمسك بزمام ذكرياتك ، فكنت تهلوس أثناء مرضك بأمور غير مفهومه بينما الحمى تلتهم جسدك ، كنت أنت غارقاً في عالم آخر
مكان ناصع البياض يمتد على مرآى البصر ، ليس له نهاية و لا بداية.. ليس له سماء و لا أرض ، كنت تتبع الضوء الأزرق الذي لاح في الأفق ، و لكنك تركض و تركض دون أن يكون للطريق نهاية .. توقفت لأنك تعبت من ملاحقةٍ شيء أشبه بالسراب إلا أنك تدرك حقيقة وجوده في زواية ما من عقلك المكتظ بالأفكار
كنت تستند بيديك على ركبتيك عندما لمحت ظلاً إنعكس على الأرضية البيضاء ، رفعت رأسك بهدوء لتتجمد عيناك في مكانهما و تتسعان دلالةً على دهشتك ، لم تكد تصدق ما تراه عيناك.. تلك المرأة الجميلة ذات الخصلات الكستنائية و العينان الغائرتان و الابتسامة الحانية التي تزين مبسمها
نظرت إلى انعاكس صورتك في مقلتيها التي تلونت بلون بني باهت يخالطه أصفر ذهبي فيرسمان لوحة مبهرة في نظرك... بعثرت خصلاتك الشقراء بحنان ثم أزاحت خصلاتها المنسدلة على كتفيها إلى الوراء لتستقيم أنت و تتلألأ عيناك التي تحمل نفس لون عينا والدتك
ضمتك إليها حتى شعرت بالدفء يتسلل إليك و يغمرك حتى أخمص قدميك.. كنت سعيداً و حتى أنك فقدت قدرتك على الحديث من فرط سعادتك ، إلا أنك لملمت حروفك لتصوغ بها جملتك بتردد قائلاً :
" أ-أمي!!! أهذه أنتِ؟ "
توسعت ابتسامتها الحانية و ابتعدت عنك مسافةً قصيرة لتجيبك و هي تمسك دموعها أن تهرب :
" آسفة يا صغيري.. لقد تأخرت عليك "
و ببراءة الأطفال التي لم تغادرك يوماً رحت تبكي كثيراً و تنهمر دموعك بلا توقف ، شعرت بأن كل معاناة الماضي ليست سوى كابوسٍ دام لوقت قصير... و كنت تتساءل في نفسك كيف للأمنيات أن تتحق ؟ .. وضعت كفها الناعم على خدك و راحت تتحسسك غير مصدقةٍ كم أنك كبرت.. مسحت دموعك بإبهامها ثم همست لك:
" أزح تلك الدموع ، فإنها تحجب جمال عينيك يا صغيري "كفكفت دموعك بباطن كفك و ما إن هممت بالحديث حتى وجدتها تهز رأسها يمنةً و يسرة دلالة على عدم حاجتك للكلام ثم تابعت بنبرة هادئة:
" أعلم أنك لم تسرق آنذاك ، لقد أساء والدك الفهم ...لا تغضب عليه فقد أخبرته بالحقيقة آنفاً "
قلت بسرعة و على عجل:
" لا بأس فأنا أفهم ذلك ..لا أصدق بأنكِ هنا الآن ، هذا أشبه بحلم جميل لا أريده أن ينتهي "
أطلقت بعض الضحكات الخفيفة التي تسللت منها رغم محاولاتها لكبحها ، فاحمرت وجنتاك خجلاً على مطلبك الطفولي رغم أنك في السابعة عشر من العمر الآن.. و رغم أنك تعرف أنه لكل شيء نهايةً مهما بدى سرمدياً ... كنت تتأمل ملامح وجهها بصمت ، و كأنك ظمآن يريد أن يرتوي و ليس فقط حد الشبع بل حد الثمالة
قالت لك وقد تذكرت شيئاً أغفلته:" لدي ما أريدك أن تشاهده.. أغمض عيناك و لا تكن طفلاً مشاكساً يختلس النظر "
يتبع ~
ماهو رأيكم في سير الأحداث حتى الآن ؟
ثم ما المفاجأة التي تحملها والدته له ؟
هل توقعتم أنه سيقابل والدته ذات يوم ؟
و ما الذي سيحدث بعدها ؟
كونوا في الانتظار. لا تنسوا الإطلاع على أعمال المبدعات
_nataly_story
soi35somi
authoryourina
roi35rori
أنت تقرأ
أنتَ لستَ وحيداً
Short Storyإلى البعيدين عنا.. القريبين من قلوبنا إلى الذين سلبتهم منا الحياة و ألقت بهم في التراب.. إلى الذين تُركوا منكسرين فوق التراب أؤلئك الذين يبكون أحبتهم.. و يحتضنون سراباً يتلاشى مخلفاً رماداً ..و بعض الأنين هل ستبتسم لكم الحياة دون أن تسخر من...