Prologue : Psyche

709 37 24
                                    

لم تكن "سايكي شوبان" تظن بأن يوماً عادياً كهذا , و صيف عاديٌ كهذا قد ينقلب في اي وقت من الاوقات .

طوال السبعة عشر عاماً الذين قضتهم علي قارب الحياة , كانت قد قرأت في العديد من الحكايات عن "أليوم المميز" ,ذلك اليوم المختلف الذي يأتي للانسان مرة واحدة في العمر فيغير كل شيء ! . لطالما تسائلت هي عن ماهية هذا اليوم و ما الذي يجعل منه مميزاً ؟ , و ما هي الشروط الواجبة حتي يتم اعتبار يوم بأنه مميز ؟, هلي المميز هو تعلم امر جديد ؟ , ام مقابلة صديق ؟ , ام ان عبارة "اليوم المميز " لم تكن سوي عبارة تُستخدم في الافلام و الروايات التي طالما سخرت منها , منذ فترة ليست ببعيدة , توقفت "سايكي شوبان " عن انتظار هذا اليوم الذي قد يغير كل شيء , توقفت عن انتظار هذا اليوم المدعو ب"اليوم المميز"

- أنســة سايكي شوبان !

صوت ما افاقها من عالم افكارها , او بالاحري قيلولتها الصباحية ! , نظرت امامها بجهل بسبب اثار النوم تحاول تمييز المكان , كانت جالسة في صفها , نعم هذا الجدار البارد لا بد انه جدار المدرسة , و هذا الصوت الذي ايقظها لا بد أن يكون .. نعم هذا الصوت لم يكن سوي صوت معلمة التاريخ الغاضبة .

نظرت سايكي حولها , نظرات الجميع مصوبة اليها , البعض يتفحصها و البعض يقوم باصدار الاحكام المسبقة , لطالما كرهت نظراتهم !

- ما الامر هل تلك هي المرة الاولي التي ترون فيها انساناً خامد العقل و متعب الجسد !

صرخت في طلاب فصلها الذين ابعدوا اعينهم عنها فور ان تكلمت , نظرت اليهم بقليل من الاستحقار و التقزز ثم اعادت رأسها الي موضعه علي طاولتها و اغلقت عينها مجدداً

- ســايكي !

صرخت المعلمة مرة اخري و أكملت

- ورائي .. حالاً !

خرجت المعلمة من الصف , اما سايكي , فبالكاد استطاعت قدميها حملها

كان شعرها الكستنائي طويل و مموج يصل الي اخر ظهرها , متوسطة الطول بالنسبة للفتيات بسنها , جمالها ليس بالاخاذ , كانت متوسطة , مرتدية زي المدرسة الثانوية و تنظر الي الارض بملل

" تري متي كانت اخر مرة رفعت بها رأسي ؟ "

كان يدور هذا السؤال بعقلها ...

في حجرة المكتب , وقفت كل من المعلمة و "سايكي " امام المدير , كان رأسه اصلعاً , و ربما هذا هو السبب الذي جعل "سايكي" تلقبه ب"سيد بيضة" ! , كان رجل في وسط الاربعينات , يرتدي بذلة رمادية و نظارة دائرية

- سيدي, ان الطالبة "سايكي شوبان " لا تقوم بالتركيز المطلوب اثناء الشرح , دائماً اراها نائمة و احياناً لا تقوم بالحضور بالاساس ! , لقد انذرتها مراراً و لكنها لا تستمع لذا اتيت بها اليك

قام بتعديل نظاراته و هو ينظر الي وجه طالبته بملامح حازمة

- ايتها الطالبة , هل لديكِ ما ترغبين بقوله بعد سماعك لما قالته الاستاذة ؟

لم تقل كلمة

قام بابتلاع ريقه بعدم صبر و كرر بلهجة اكثر حدة

- ايتها الطالبة .. هل لديكِ اي شيء تريدين قوله ؟

رفعت عينيها و نظرت للمدير , كانت عينيها تميل بين الاخضر و الازرق , تثائبت ثم قالت

- لا ..لا يجد لدي ما اريد اضافته , ما قالته صحيح , ايمكنني الذهاب الان ؟

قالت " سايكي " بملل و ببرود مما اثار تفاجئ كلا الحاضرين الذين تبادلا النظرات قليلا .

قام المدير باعطاء اشارة للاستاذة بتركهم وحدهم قليلاً

- انسة سايكي ... هلا جلستِ رجاءً ؟

- كنت لأُفضل ان دعوتني للنوم !

تنهد المدير , لقد اعتاد ان يسمع منها كل انواع الاجابات الغريبة و المثيرة للشك

- الطالبة سايكي ويليام شوبان ! , هلا جلستي من فضلك !

قالها بغضب

- لا ! لا اريد الجلوس اريد الوقوف لدي قدمان و تلك القدمان تريدان الوقوف ! ان امرتني بالجلوس غصباً عن ارادتي فان هذا انتهاك لحقوق قدماي و بالتالي انتهاك للانسانية !

تنهد للمرة الثانية

- حسناً كما تريدين .. لا تجلسي .. لكن فقط اجيبي عن اسئلتي , انتِ طالبة متفوقة , انتِ من الاوائل علي مدار جميع الاعوام , و سجلك المدرسي هذه السنة لا زال لامعاً كما كان دوماً . لكن لما تقومين بمثل هذه التصرفات الغير لائقة ! , بتصرفاتك تلك انتِ تجلبين الالم و التعب لمعلمينك ! , هل تتصرفين بنفس الطريقة امام ابويك ! هل تريدين مني الاتصال بهم و ابلاغهم بترصفاتك ! , الامر لم يحدث مرة او اثنين و لم تشتكي معلمة واحدة ! , معلمة الاقتصاد قالت انكِ تنمرتي علي احدي زميلاتك , و معلم الاحياء تقول انكِ قلتِ الفاظاً قبيحة ! , هل تلك هي الطريقة التي تريدين قضاء حياتك بها ! , ان لم تعودي لعقلك الان متي ستعودي !

هدأ الجو قليلاً , و لم تُجب سايكي ..

ظنت المدير لوهلة انه قد نجح في ايصال رسالته لها , طيف ابتسامة ارتسم علي وجهه , و ربما يكون قد فكر بمكافئة نفسه عندما يعود للمنزل ! و لكن سرعان ما اختفت ابتسامته حين رفعت سايكي عينيها ..

- انا اعتذر , اعتقد ان طريقتي انا , التي اريد ان اكمل بها حياتي انا , تؤثر علي حياتكم انتم كثيراً , اعتذر عن وجودي , ربما من الافضل لي ان اقتل نفسي

ثم غادرت الحجرة ..

" ما الذي يجعلني انتظر ؟ "

دار سؤال اخر في ذهنها

" استطيع فعلها , لكن لما اقوم بالتأجيل "

" هل ... قد يرغب احدهم بالقيام بانتحارٍ جماعي معي ؟ "

----------

أبعد من السماء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن