عروس لليلة واحدة

6K 141 0
                                    

جلست سوريل بعيداً عن خوان قدر المستطاع ، وسرحت ببصرها الى النهر العريض الصافي الذي يعكس ألق الشمس الغاربة ، ويجري كذهب مسيّح بين حفافي الأشجار الداكنة . على الضفة الأخرى ، وخلف الأشجار ، بدت الحقول الخصبة مزنرة بظلال زرقاء وهي تنطوي أمام بصرها كغيوم ارجوانية ، فيما بيوت المزارع المتباعدة تتألق كأجنحة بيضاء وأسطحها الحمر تتوهج كما النار .
هذا المشهد الهادئ و الوجه الآخر لكولومبيا ، بلد التناقضات ، لم يجلب الراحة لأفكار سوريل . فعواطفها تتوه في دوامة ، وهي تجلس متهدلة الكتفين على المقعد الخلفي ، لا تدري ماذا تفعل أو تقول . شبهّت نفسها بالثور في نهاية المصارعة ، خائرة القوى ، وتصميمها على المقاومة في درجة الصفر تقريباً . وجاءها صوت خوان على حين غرة ، يهمس في أذنها وأنفاسه تلمس خدها كريشة ، مما جعلها تعي أنها صارت تجلس لصقه بدون أن تتذكر قيامها بذلك :
-والآن ، ما رأيك بتأديتي ؟ ألن تعززي غروري كما هو مطلوب من الزوجة الفاضلة ؟ ألن تقولي انني ادّيت دوري ببراعة فائقة ؟ قبل بضعة ايام ، لم تترددي في امتداح براعتي التزلجية .
فردت بصوت خفيض :
-انا لست زوجتك .
ظلت مشيحة عنه كي لا ترى السخرية التي تصورتها مرسومة على فمه المائل . قال مؤكداً بغرور :
-ستصبحين زوجتي عما قريب .
-لا اريد ذلك . لا استطيع الزواج منك ونحن بالكاد نعرف بعضنا بعضاً.
-ولهذا السبب بالذات ينبغي أن نتزوج ... لكي نوطد هذه المعرفة .
فاستدارت تتفحص وجهه بعينيها الواسعتين ، ولم تخرج بنتيجة سوى أنه بدا متسلياً بفكرة ما . قالت بارتياب :
-لابد ان هناك سبباً آخر . لا اصدق أنك تبغي الزواج مني كي نوطد معرفتنا .
أجابها بصوت أرق وقد اقترب منها اكثر :
-لم تتركي لي أي خيار . يجب أن أفعل شيئاً لأمنعك من الهرب . لقد جعلتني ألحق بك مرتين . ألا يلفتك هذا الى شيء عني ، يا سوريل ؟
-يلفتني فقط الى انك تبدو عاجزاً عن تقبلك لأول هزيمة عاطفية تمنى بها . انك تواجه لأول مرة ، امرأة تختلف عن الأخريات ، امرأة لم تصرعها بتلك الهالة البطولية الرومانسية التي تتلذذ في احاطة نفسك بها . ولو انني لم اضيع محفظتي لكنت الآن في طريقي الى ميدلين .
-اجل ، فكرت في ذلك .
ضغط على خدها برفق ثم ازاح شعرها الكث عن عنقها الناعم بأطراف اصابعه ، وتابع يقول :
-لهذا السبب لم أرجع اليك المحفظة عندما وجدتها .
-انت ... وجدتها ؟ اين كنت ؟
-سقطت منك في غرفة النوم . وعلى الأرجح لم تنتبهي لسقوطها في غمرة استعجالك الهرب هذا الصباح .
-اذن ، اعطني اياها فوراً ! اوه ، اني اعتبر احتفاظك بها عملاً خسيساً !
حاولت ازاحة يده بعنف لأن ضغط أصابعه اللطيف كان يضعف مقاومتها لسحره لكنه اعتقل يدها بيده الأخرى ورفعها الى شفتيه ، ثم ضغط بها على صدره كي يدعها تشعر بخفقات قلبه ، و قال بهدوء متأملاً وجهها :
-عندما أتناور مع ثور صغير و متهور ، أحاول دائماً ان اتكهن بالوجهة التي سيهجم منها ولذا خمنت أنك ستحاولين العودة اليوم الى ميدلين ، وكان عليّ أن أجد طريقة ما لأعيق ذهابك . دييغو و اوهينيا ساعداني من جهتمها على اقناعك بحضور المصارعة ، وأنا أخفيت محفظتك لأزيد من تأخيرك و لأتمكن بالتالي من اللحاق بك في الوقت المناسب.
-لم ارَ على غرارك رجلاً مجرداً من المبادئ الى هذا الحد .
-اني اتجرد منها حين أكون راغباً في الحصول على أمر ما ، وأنا أريدك زوجة يا سوريل .
حاولت أن تبعده عنها بدفع صدره الى الوراء انما كانت كمن يزحزح حائطاً صخرياً ، وحين حركت رأسها لتتفادى وجهه وجدت يده تقفز الى خدها وتلوي وجهها صوبه . همست :
-لن تجبرني على الزواج منك . سأرفض ذلك . سأقول ان هناك اسباباً عديدة تحول دون زواجنا . سأزعم انك خطفتني بالاكراه . سأقول لرجل الدين اننا لا يجب ان نتزوج لأننا لا نحب بعضنا بعضاً.
-تتحدثين دائماً عن الحب مع أنك بدأت لتوك تتعلمين شيئاً من عذابه اللذيذ ، والآن سأعطيك مزيداً من الدروس .

روايات احلام / مصارع الثيرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن