!طرد بلا انذار

6.6K 155 3
                                    


استيقظت سوريل على مهل ورمشت عينيها في نعاس باتجاه نور الفجر الرمادي المتسلل عبر نافذه صغيره. اين هي؟ ذعرت لكونها لم تتعرف فورا الى الغرفة واستوت جالسه تحدق في ارجائها . عاد بصرها بطبيعة الحال الى السرير النقال الاخر الموضوع في ناحية الموقد الاخرى. كان يستلقي عليه شخص يبدو غارقا في النوم لايبدو منه الا رأسه المكلل بالشعر السلكي الاسود، اما سائر جسمه فمغطى بحرام هندي زاهي الالوان كالحرام الذي يغطيها.
مشهد شعره الاسود اعاد الى ذهنها ذكرى الليلة الفائتة بشكل متسارع فتحسست قفا رأسها ولم تجد هناك اي نتوء. ادارت رأسها فلم تحس اي صداع، كذالك لم تشعر بشيء من الارهاق الذي سلبها كل قواها عصر امس . لقد تحسنت كثيرا واصبحت قادرة تماما على مواجهة الخطر المتمثل في الرجل النائم على السرير الاخر. عبرت الغرفة على رؤوس اصابعها وسارت الى النافذة لتستطلع حالة الطقس.
لقد توقف الثلج ، وفي ضوء الشمس بدت المنحدرات الجبلية ملتمعه، بعضها اصفر وبعضها زهري في سماء باهتة الرزقه. وبحثت في الخزانه فوجدت مرطبانا من القهوة ووعاء اخر ملأته بماء من الابريق ووضعت الوعاء على الموقد، ثم طوت الحرام الذي تغطت به وجلست على حافة السرير تنتظر غليان الماء. ركزت مرفقيها على ركبتها وغمرت ذقنها بيديها وراحت تحدق الى الرجل النائم على السرير المقابل. كان قد استدار واستلقى على ظهره فسقط الضوء على جانب وجهه المندب، وهنا تدافعت الاسئلة الى ذهنها، كيف اصيب بالجرح؟لماذا؟ متى؟ اين؟ انحنت الى الامام لترى الندبة اكثر، ثم انزلقت عن السرير ودبدبت على ركبتيها حتى انحنت عليه وكأنها اذا تمعنت في وجهه تستطيع التوصل الى الاجوبة المطلوبة. ما اكثف اهدابه وما اشد سوادهما! كم هو مغر فمه المائل وكأنه يبتسم لفكرة ساخرة راودت فكره. لابد انه كان وسيما جدا قبل اصابته بهذا التشوه، كلا، مايزال وسيما بشكل قاس، عنيد وكامل الرجولة . ومضت عيناه من خلال اهدابه السوداء. كان قد استيقظ واخذ يراقبها. بدأت تتحرك بعيدا عنه لكنه كان اسرع منها اذ ارتفعت ذراعه اليسرى كما البرق ولفت عنقها بثقل مما اضطرها الى حناء راسها حتى اقترب وجهها من وجهه الى حد استطاعت معه ان تحس بشعر ذقنه القاسي يخز بشرتها الناعمة، ثم عانقها بسرعة. همس قائلا:
-صباح الخير، سنيوريتا. اردت ان افعل ذلك ليلة امس لكنك كنت مرهقه ، والان سأعيد الكرة.
فهتفت سوريل وهي تزيح راسها بعنف وتحاول الافلات من قبضته:
-كلا. اطلق سراحي.
-ليس الان.
شدد ضغطه عليها فحاولت التملص منه بدفع صدره بكفيها وفشلت.
وهنا انتابها ذعر شديد احسته يقبض على قلبها ويفرز منها عرقًاً بارداً ثم يقلصها. دفعته عنها ثانية واستطاعت هذه المرة ان تتحر منه .هتفت بانفاس لاهثه وهي تحشر حافة بلوزتها تحت خصر بنطلونها:
-لماذا فعلت ذلك ؟
-لأني اردت ان افعل دائماً ماتريد؟
-معظم الوقت ، وعندما تتاح لي الفرصة .
جلس نصف جلسة واضعاً احد مرفقيه على الوسادة ومسنداً رأسه على يده ، فاعتراها نصف خوف من امكانية اعتقاله لها مجدداً . فابتعدت عنه زاحفة على ركبتيها . التقى حاجباه في عبسة حائرة وسأل :
-ما بك ؟
-الا تقدر ان تحزر ؟ لقد استغليت موقفي . هذا سبب ضيقي .
-استغليتك ؟ لكنك دعوتني بنفسك الى عناقك .
فشهقت قائلة والحنق يضيق انفاسها :
-لم افعل !
-بل اعتقد انك فعلت . فعندما فتحت عيني ورأيتك تنحنين علي ، قلت لنفسي ، هاهي السنيوريتا تشعر بتحسن كبير هذا الصباح وترغب في شكري على انقاذي لها من العاصفة الثلجية .
-لم اشأ عناقك .
ارتجفت داخلياً وتمنت لو انها بقيت على سريرها مغطاة بالحرام . فمرأى صدره العاري وعضلات كتفيه البارزة من تحت قميصه القطني الابيض جعلها تشعر بشكل ما بشدة سحره .
لمس ندبة خده باصابعه وسأل :
-أبسبب هذه ؟ لدي المزيد منها في أماكن اخرى ليست معروضة الآن للنظر انما يمكنك رؤيتها اذا شئت ...
-لا ، لا .
قالت ذلك بحدة ، اذ خشيت من جهة ان يظنها تقرف من ندبته ، ومن جهة ثانية ان يقدم على نزع قميصه ليريها الندوب الأخرى ، فأضافت بسرعة :
-انا لم افكر فيها بتاتاً .
-اذن لم تنفرين مني ؟ ولماذا تمثلين هذا الدور ..؟
توقف وفرك مفكراً ثم قفش بسبابته وابهامه وتابع ساخراً:
-دور العذراء الثائرة ؟
فاحتجت بزعل :
-انه ليس تمثيلاً.
ثم قضمت شفتها السفلى وقلصت قبضتيها على جنبيها لتضبط فورة الغضب التي اجتاحتها لمرأى السخرية في عينيه ، واردفت تفح كالأفعى:
-لا اريد ان يعانقني ... رجل على شاكلتك .
-واي نوع من الرجال انا ؟
-من خلال الحكم على ماقمت به قبل قليل فأنت من نوع أعرفه جيداً . انك تعتقد ان المرأة لا تصلح الاّ لشيء واحد ، وكنت تأمل ان تتوج لقاءنا العرضي هذا به . اليس كذلك ؟
-اقر ان الفكرة راودتني لكنني افهم من غضبك الناري علي انك لا تشاركينني رغبتي .
-اجل ، لا اشاركك اياها . اوه ، ماذا تظنني في الواقع ؟
فجرفها بنظرة متمهلة وباعجاب مغرور ألهب الدم في وجنتيها واوقد شرارات غضب في عمق عينيها ، وقال بالاسبانية :
-اظنك امرأة رائعة ومثيرة .
ايقاع اللغة الجميل جعل هذه العبارة البسيطة تبدو كأغنية حب . وتابع متشدقاً بانكليزية مقتضبة :
-من دواعي الأسف الشديد ان عروقك تحوي ثلجاً بدل الدم . فمن خلال حكمي على لون بشرتك توقعت ان تكوني اكثر دفئاً وحرارة عاطفية .
ابتسم بشيء من المرارة واردف بلهجة استسلامية :
-اني ، كما ترين ، فعلت بنفسي ما حذرتك من فعله ، لقد حكمت عليك من خلال شكلك .
تنهد ثم سألها والمرارة تنتشر على صفحة وجهه :
-اي نوع من الرجال يروق لك ؟ وأين هو ؟ لماذا لا يأتي ليحميك مني ومن الوقوع في مخالب رجل على شاكلتي ؟


روايات احلام / مصارع الثيرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن