الفصل الرابع

9K 233 0
                                    

لفصل الرابــــــــــ ع



يوماً بعد يوم, أخذت الحياة تدب في الصورة الجدرانية.
فقد ابتدأت الحشائش الذهبية والسنابل الناضجة تبدو
وكأن نسائم غير مرئية تتلاعب بها. وابتدأت الألوان المائية
تكون الأزهار الآن تحت فرشاة ساشا البارعة .
إنها لم تكلف من قبل برسم مثل هذه المساحة الواسعة,
فكانت لهذا تشعر بسرور بالغ وهي تقوم بعملها هذا الذي
كانت تكرس له كل وقتها.
قال لها ريكس بجفاء ذات أمسية: (( إن أي شخص لابد أن
يظن أنني أضع في قدميك القيود. ذلك أنه من المفروض أنك
في عطلة الآن.)) كان قد جاء يلقي عليها نظرة قبل وصول
اختصاصية العلاج الطبيعي. وتابع قائلاً: (( إنني متأكد من
أنني سمعت صوت قدومك إلى هنا بعد الساعة السادسة
مباشرة . فهل أنا مخطئ؟ ))
كان ينظر إلى الصورة الجدرانية بعين ناقدة, ويرقب
ضربات فرشاتها الرقيقة تخلق أزهاراً برية بين
الحشائش بما يشبه المعجزة . ولكنه كما سبق أن وعدها,
لم يقل شيئاً. وكانت هي في أعماقها تتساءل عما يمكن أن
يكون رأيه .
قالت بسرعة: (( أريد أن أنتهي منها أولاً, وبعد ذلك
يمكنني أن أستريح. ))
قال: (( وبعد ذلك, لن تكوني مدينة لي بشيء ))
نظرت ساشا إلية بسرعة وقد توقفت الفرشاة في يدها
في الهواء وهي تقول: (( إنني لم أقصد, لقد قصدت أن أقول... ))
قال وقد انعقد حاجباه بسخرية: (( كلا ؟ ))
إنه طبعاً, ليس في إمكانها استغفال رجل مثله .
منتديات ليلاس
قالت: (( حسن, أليس هذا شيئاً طبيعياً ؟)) وعادت إلى
عملها شاعرة بأنه يتأمل أعطاف جسمها في السروال
القصير والقميص. ومنذ تلك الليلة في غرفة المكتبة, كان لا
يدخل عليها الغرفة حيث تعمل, إلا ويتشتت ذهنها بسبب
التفكير فيه. إنه التجاذب الطبيعي بين المرأة والرجل.
كانت تفلسف مشاعرها نحوه بهذا الشكل .
أدهشها قوله بجفاء وهو يدير عجلات كرسيه مبتعداً: ((لا
تدعيني أصرفك عن عملك . ))
فكرت في أن هذا وقت مناسب لترتاح قليلاً , فذهبت
تتناول فنجاناً من القهوة في الحديقة جالسة على مقعد
حجري بمفردها , فقد كان النهار رائعاً .
عندما رجعت إلى غرفة الحديقة, كانت اختصاصية
العلاج الطبيعي قد وصلت. واستطاعت أن تسمع صوتها من
وراء الجدار, وكذلك الحركات وشتائم ريكس أحياناً, وبعد
ذلك سمعت صوت تدفق المياه في الحمام وإثر ذلك ببعض
الوقت, انغلاق باب الردهة بعد خروج المرأة .
من دون وعي منها, أخذت أذنا ساشا ترهفان السمع إلى
الأصوات الضئيلة المنبعثة من الغرفة الثانية. الصوت
المعتاد من الكرسي ذي العجلات, والصوت المنبعث من إلقاء
العكازين جانباً, ثم صرير السرير وهو يتلقى جسم ريكس
الثقيل الوزن. ثم سمعت صوتاً ضئيلاً تبعته شتيمة بصوت
خافت. وبرغم أنها حاولت أن تركز ذهنها على عملها, فقد
ساورها شعور عميق بالعطف. كيف يمكن رجلاً قوياً أن
يعتاد أن يصبح عاجزاً في هذا الشكل, فكيف إذا كان هذا
الرجل له مثل شخصية ريكس المستقلة البالغة الصلابة ؟
قفزت مجفلة وهي تسمع رنين الهاتف. وعندما تناولت
السماعة , ازداد خفقان قلبها وهي تسمع صوت ريكس
يقول: (( هل يمكنك مساعدتي يا ساشا من فضلك؟ ))
كان صوته هادئاً, ولكنها مع هذا, ألقت الفرشة من يدها
بسرعة ثم هرعت إلى داخل غرفته .
كان كل ما يرتديه سروال قصير وقميص أبيض رقيق
ينزل إلى وسطه. كان جالساً على سريره. وعند دخولها رفع
رأسه ينظر إليها عابساً .
قال وهو يلحظ البغتة التي بدت على وجهها: (( إنني
آسف, لم أدرك أن مظهري هذا قد يحرجك. ))
قالت بسرعة وهي تبعد نظراتها عنه: (( كلا , إن ذلك لا
يحرجني. ))
طبعاً. لا شيء مهماً في منظره ذاك, لكن, لماذا يلتصق
لسانها بسقف حلقها؟
قال: (( لقد سقط مني زر القميص. )) وأشار إلى أسفل
السرير. لقد حاولت أن اجلبه بنفسي ولكنه بعيد عن
متناولي. ))
قالت: (( إن ذلك ليس بمشكلة .)) كان عليها أن تجثو على
يديها وركبتيها ثم تدلف تحت السرير المنخفض لتبحث
فوق السجادة حتى وجدته .
قالت: (( ما الذي قذف به إلى تلك المسافة ؟ )) وفكرت بحيرة
في أن تلك المسافة هي أبعد من أن يقذفه إليها التدحرج
العادي للزر. وما لبثت أن لاحظت عصا ملقاة إلى جانب
قدميه وتكهنت بأن الزر لا بد سقط في الاتجاه الآخر,
وحاول هو غاضباً أن يعيده. وقالت تعنفه باسمة برقة وهي
تستوي واقفة على قدميها: (( هل ترى صبرك قد نفذ
بسرعة ؟ ))
قال: (( يا للعجب ... إنك تتكلمين وكأنك ممرضتي.. ))
وضحكت تناوله الزر محاولة أن تلطف من مزاجه
وتخفف عنه, وقالت: (( لن تعجبني وظيفة مثل تلك مع مريض
مثلك . ))
قال ببطء وقد لمعت عيناه وارتسمت على شفتيه
ابتسامة: (( من بعض النواحي , أظنني أشعر عند ذاك بالمتعة
في هذا . ))
توردت وجنتا ساشا وهي تحاول ألا تفكر في نوع تلك
النواحي التي قد تقوم بها ممرضته. وأخذت تراقبه وهو
يعيد تركيب الزر في كم القميص , كانت المرة الأولى
التي ترى فيها رجلاً يستعمل مثل هذه الأزرار . كان من
العقيق الأسود المركب في الذهب , يلمع على القميص
الأبيض. وضحكت قائلة: (( إن التصوير الجداري يأخذ كل
وقتي. )) كانت تبدو عليها العصبية, واستدارت لتخرج
عندما سمعت صوته عميقاً خافتاً خلفها : (( لا تذهبي.))
نظرت إليه متسائلة وقد أخذ التوتر يجتاحها. وربت هو
على السرير بجانبه متابعاً: (( تعالي إجلسي هنا. )) فأذعنت
لطلبه هذا وقد بهرت أنفاسها وتصلب جسدها
قال محتجاً برقة: ( إنك تجهدين نفسك. )) وعلى غير
انتظار, امسك بذقنها بأصبعه يتفرس في وجهها بإمعان
وهو يقول: (( تبدين شاحبة, هل ثمة ما يضايقك؟))
احدث لمسه لها , ورائحة الكلونيا التي تفوح من
أصابعه , رجفة في أوصالها جعلتها تبتعد عنه غريزياً
فقال بصوت خشن: (( هل ترينني أسبب لك خيبة الأمل إلى هذا
الحد؟ )) كان فمه ملتوياً بمرارة مما جعل ساشا تجرض
بريقها . لا بد أن تخبره مهما كانت الظروف .
تمتمت وقد خفضت نظرتها: (( كلا , إنك لا تخيب أملي
أبداً . )) فضحك لجوابها المهتز وهو يقول: (( أتقولين ذلك
بينما تجلسين على سرير رجل؟ إنك حقاً تؤمنين بالمغازلة
الخطرة , أليس كذلك. ))منتديات ليلاس
مد يده إلى ساعته الموضوعة إلى جانب السرير
قالت بثبات: (( كلا, كلا إنني أؤمن فقط بقول الحقيقة. ))
أخذت تراقبه وهو يثبت الساعة في معصمه. قال
وعيناه تحدقان إلى عينيها بارتياب: (( من دون أن تهتمي
بما قد يقود ذلك إليه؟ أم لعلك تشعرين بالأمان في الجلوس
قرب من هو أقل من الرجال مثل غايفن تشيز في هذا العالم,
أليس كذلك ؟ ))
فجذبت ساشا نفساً عميقاً وهي تقول: (( إنني لم أقل هذا
بل أنت الذي قلته.))
قال وهو يصر على أسنانه بينما يحاول تثبيت الزر
الآخر: (( نعم ))
كان ألمه واضحاً مما أشعرها بالكرب. وأحست نحوه
بعطف صامت . ومن دون وعي منها, استقرت نظراتها على
ساقيه. كان ثمة أثر جرح مستطيل على فخذيه, بالإضافة
طبعاً إلى الضرر الذي أصاب ظهره . وشعرت برغبة ملحة
في لمس هذا الجرح الممتد , ولكنه صدت نفسها عن ذلك
في الوقت المناسب . لتسأله بدلاً من ذلك: (( هل تتحسن
أمورك؟ )) ألم تخبرها دي أن أمامه خمسين بالمئة من إمكان
النجاح في استعادة القدرة على المشي ؟
قال: (( فلنقل إنه لن يكون في إمكاني تسلق الجبال. ))
قالت: (( إنني آسفة .)) دون وعي منها , مست ذراعه لتشعر
بعضلاتها ترتعش, وقد جعله التوتر يتنفس بعمق, وأطلقت
هي شهقة خفيفة وقد فوجئت بالتجاوب الذي بعثته لمستها
غير الواعية , لتلقيها دفعة مفاجئة من يده على السرير .
إضافة رد
جمره لم تحترق 08:22 PM 14-10-11
قال: (( أحقاً ؟ )) كان صوته خشناً , وقد ارتسمت على شفتيه
السخرية من تجاوبها هذا, كما بانت المرارة على ملامحه
وهو يقول: (( حسن, إن الشفقة ليست هي ما احتاج إليه يا
ساشا . أنني رجل , كما إنك تعرفين هذا جيداً , أليس كذلك؟ ))
وتنفس بعمق وقد تعلقت عيناه بنظراتها وهو يتابع:
(( تعرفين ذلك أكثر مما تعترفين به, ولا يهم بما ستعترفين
به على قولي هذا. ))
أطلقت شهقة قصيرة وهو يحتضنها فجأة: (( كلا... ))
وغرزت أظافرها في كتفه وهي تحاول أن تكبت
استجابتها لذلك والتي كانت ترتعد أوصالها , إنها لا
تستطيع... بالنسبة إلى أي رجل ! إنها لا تستحق الحب ... بعد
الذي فعلته في بن !
كسا وجهها الألم, نتيجة صراع الرغبة والشعور بالذنب
في نفسها . وفجأة شعرت بقبلاته تتوقف . وفتحت عينيها
لترى ريكس ينظر إلى وجهها وقد تلاشت الرغبة في
ملامحه وبدت في عينيه نظرة كالثلج , وهو يهمس بوحشية:
(( اخرجي ... اخرجي من هنا . ))
كان في لهجته من الوعيد ما جعلها تتراجع بسرعة
لتخرج إلى غرفة الحديقة ثم تتوارى من خلال الباب
المزدوج .
إنها ما كانت لتفعل أكثر من هذا لتحمله على الظن أنه
طرهاً طرداً. وكرهت نفسها. ولكن , كيف كان لها أن تخبره
أنها , في داخلها, كانت معوقة شعورياً بقدر ما كان هو
معوقاً جسدياً ؟ لقد جعلته يحتقرها... واعترفت أن هذا ما
تستحقه فعلاً . وشعرت بالمرارة وعيناها تغرورقان
بالدموع .منتديات ليلاس
تنفست بعمق محاولة للتخفيف من الحريق الذي
تحسه في داخلها . وجالت في إنحاء الحديقة لتجد نفسها,
من دون أن تشعر , بجانب إسطبلات الخيل القائمة إلى جانب
المنزل .
كانت رؤوس الخيل الكبيرة بارزة من فوق الأبواب,
وأثارت عواطفها رائحة الخيل وهي تضرب الأرض
بحوافرها .
أوقفها صوت كليم يسألها من أحد الإسطبلات: (( هل
تودين ركوب واحد منها؟ )) وأطل عليها بوجهه الذي لوحته
الشمس وقد علت رأسه القبعة المعتادة. وتابع قائلاً: (( يوجد
هنا الفرس الغبراء, وكذلك الكستنائية اللون. )) وشمل الباحة
أمامه بنظرة وهو يستطرد : (( وهناك ذو اللون الكستنائي
القاتم. ))
كانت أحصنة رائعة ولكن أنظار ساشا استقرت على
حصان أرقط أغبر اللون في آخر الإسطبل . وأخذ هذا
يضرب الأرض بقوائمه وهي تقترب منه .
سمع صوت كليم يخاطبها وهو يجر فرساً كستنائية
اللون قادماً نحوها : (( لا أنصحك بركوب ذلك الحصان, فهو
ليس للنساء. إنه حصان السيد ريكس, وأنا الوحيد الذي
أركبه الآن... ولهذا, فهو لا يخرج بما فيه الكفاية وقد جعله
هذا منفعلاً. هل تريدينني أن أجهز واحداً لك ؟ أم تفضلين
ذلك بنفسك؟ ))
قالت: (( بل يمكنني أن أقوم بذلك بنفسي .)) وشعرت
بالسرور حين مدت يدها تربت على أنف الحصان الضخم
فلم ينفر منها .
فكرت في السبب الذي يجعل ريكس يحتفظ بهذا
الحصان في الوقت الذي لم يعد بحاجة إليه. وثارت
مشاعرها, وكان بودها أن تسأل كليم عن ذلك لو لم يكن
الحنق بادياً على وجهه لإصرارها على اختيار ذلك
الحصان. وقال لها بغلظة وهو يعيد الفرس الكستنائية
اللون مكانها: (( في هذه الحالة, التمسي طريقك من
هنا.)) ثم ذهب من دون كلام آخر .
أخذت تربت على رقبة الحصان الدافئة وهي تخاطبه
قائلة وهي تراه يعود فيضرب بحوافره قلقاً: (( إهدأ يا فتى ..))
كانت أذناه منتصبتين إلى الأمام يستمع إلى ضربات حوافر
الفرس الكستنائية, ثم دفع برأسه محتجاً على احتجازها
في حظيرته .
أمسكت بأنفه من دون خوف وهي تريح رأسها عليه
بعطف وتخاطبه قائلة: (( هل تفتقد سيدك يا فتى؟ )) وتساءلت
عما إذا كان يشعر بالحزن ذاته الذي تشعر به, وبالوحدة
والكآبة من دون يد تكبح جماحه كما هو الحال معها في هذه
اللحظة .
شعرت بوحشية تكتنفها لم تحس بها من قبل, وجعلها
شعوره بالألفة نحوه تجد مربطه بسرعة .
كانت معتادة ركوب الخيل, فقد كان خالها يملك مزرعة
في تكساس, وكانت, في عطلتها المدرسية تتسابق مع
جولييت في أنحاء المزرعة المغبرة تلك. ولكن هذا
المخلوق الفظ لم يكن بتلك الرقة التي تميزت بها تلك الفرس
التي عرفتها ذلك الحين. وبعزم بالغ, توجهت بالحصان إلى
ذلك الطريق الذي يحيط بالمنطقة إلى أن غاب منظر البيت عن
عينيها .
كانت أكوام محصول اللفت والسبانخ الأخضر تمتد على
طول الجانب الآخر للأرض التي كانت يوماً ما من أملاك آل
تمبليتون , لتباع بالتدريج قطعة بعد قطعة على مدار السنين
كما علمت . كانت حرارة الشمس على ذراعيها العاريتين
تدفئها . كما تحيل حقول القمح المحصود جزئياً إلى بساط
من الذهب والبرنز . وكان في إمكانها رؤية الجرار
الزراعي يعمل بجد وثبات . وكانت تشم رائحة التبن المكوم
حديثاُ يصعدها الهواء من الوادي.
شدت لجام الحصان فجأة غير متأكدة من المسافة التي
قطعتها وهي تهتف به: (( ووو ... يا فتى... )) لقد زال اكتئابها
بعد هذه الرياضة في الهواء الطلق. ولقد استنفذ الحيوان
طاقته إلى آخرها كذلك, كما قدرت, لتدير رأسه نحو
الإسطبل , وفجأة وجدت نفسها تناضل بكل قوتها في سبيل
كبح جماح الحصان.
صرخت بالحصان وهي تدفع قدمها في الركاب إلى
الأمام , بينما تتصارع مع اللجام لتمنع الحصان من .
الانطلاق بعيداً. كان بالغ القوة والتحايل والتصميم على عدم
الرضوخ لمحاولاتها الأنثوية عديمة الجدوى. وأطلقت
ساشا صرخة ذعر عندما وقف على قائمتيه الخلفيتين
فجأة ملقياً إياها من فوق السياج الخشبي المنخفض, مما
جعلها تحاول بغير جدوى التحرك في القمح المحصود.
كافحت للوقوف على قدميها وقد انحنى ظهرها, إنما لم
يصبها أي ضرر, في الوقت الذي كان فيه الحصان يركض ,
ملوحاً بالرسن والركاب لينعطف إلى الطريق الزراعي
الضيق , ثم يغيب عن النظر .
منتديات ليلاس
وأخذت ساشا تنفض ثيابها وهي تنظر في أثره
مذعورة, ربما يستطيع العودة سالماً , ولكن , ماذا لو لم
يعد؟ ماذا لو دخل حقلاً لأحد الناس وابتدأ يأكل من
المحصول؟ أو قد يحدث الأسوأ, إذا هو اختار أن يذهب إلى
الطريق العام ليتسبب في حادث اصطدام ؟
جمد الدم في عروقها, ومن دون أن تضيع وقتاً , عادت
من فوق السياج وابتدأت تقتفي أثرة, لتقف بعد فترة لاهثة
بعدما أدركت عدم جدوى ذلك , لابد أن الحصان قد قطع الآن
أميالاً عديدة, ويمكن أن يكون أيضاً في طريقه إلى المنزل,
مما يعني أن لا أمل لها في أن تصل قبل أن يدرك أحد
ما حدث, وخصوصاً ريكس .
ارتجفت وهي تفكر في أنها قامت بما فيه الكفاية لكي
تنفره منها, وتحط من قدرها في عينية حتى دون هذا
العمل الأخير .
صممت, وهي تفكر في الحيوان أكثر مما تفكر في
نفسها. على أن تجد طريقها إلى المنزل في أسرع مما
تستطيع. وكان أمامها طريق واحد لتحقيق ذلك .
مضى الوقت قبل أن تسمع صوت سيارة آتية.
وتوقفت لتلتقط أنفاسها ثم رفعت إبهامها لكي توقف
السيارة. لم تتعود في حياتها من قبل أن تتطفل على سيارة!
وكان واضحاً أن المهارة تنقصها في ذلك, كما فكرت
يائسة, عندما مرت بها السيارة من دون أن تتوقف. ومرت
بعد ثوان سيارة أخرى تاركة إياها, هي الأخرى , على
قارعة الطريق وقد تملكها اليأس .
تمنت أن يصادفها الحظ المرة الثالثة بعد ما سمعت
صوت سيارة آتية . ولم تكد تصدق وهي ترى السيارة تبطئ
في سيرها قبل أن تشير إليها . وأخذت تبتسم حين تبدلت
أساريرها فجأة , وقد صعقت حين رأت باب المقعد الخلفي
من السيارة البي إم دبليو يفتح .
قال ريكس بصوت ينبئ بالخطر وهي تجلس على
المقعد إلى جانبه : (( حسن, يالها من مفاجأة .)) يالسخرية
القدر أن يكون هو, وليس غيره من وقف ليلتقطها من
الطريق. كانت تفكر في هذا وقد غاص قلبها بين ضلوعها
لم تكن قد أدركت أنه خرج . ولو لم يكن كليم قد أسرج تلك
الفرس الكستنائية لشيلا, ثم عاد إلى الإسطبل , لما لاحظ
غياب الحصان...
قالت: (( ريكس... إنني... ))
قال: (( هل تستمتعين بمناظر سافولك الريفية؟ ))
أسكتها الخطر الذي يبطن لهجته المهذبة, عن أن
تسترسل في الشرح, وكانت نظرته الفولاذية تتعارض
وابتسامته .
قال بصوت خشن علا على صوت المحرك: (( ما الذي
تفعلينه هنا؟ ))
جرضت بريقها بتوتر وهي تقول: (( تعني التطفل على
السيارات؟ )) حسن, ما الذي يعنيه غير ذلك؟ ولماذا يجعله
ذلك غاضباً على هذا النحو؟ وتساءلت كذلك عن الطريقة
التي يمكنها أن تخبره بها عن الأمر. وقالت: (( لم أكن أعرف
أين أنا, وكيف أعود , ريكس إنني أعلم أن ...))

قلب في مهب الريح - اليزابيث باور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن