الفصل السادس

10.1K 210 3
                                    

6- رجل وحب ... ووجع قلب !


- متى تظنينه سيدرك أن الطير هرب من العش ؟
سألتها بيكي ذلك وهي تضع أمامها كوب قهوة .
- لا بد أنه أدرك الآن ذلك.
- هل أنت قلقة ؟
فاشتدت أصابع مارشا على الكوب : ( لا ،ولماذا ؟ أقلق ؟
إنه لا يملكني . وطبعاً لن أنتظر أن يقول ما إذا كان علّي أن
أذهب إلى العمل أم لا ) .
فقالت بيكي موافقة تماماً : ( هذا جيد من ناحيتك. عليه أن يزحف إليك
على يديه ورجليه طالباً المغفرة للمعاملة التي عاملك بها ).
نظرت مارشا إليها مستغربة . أترى بيكي تغيرت منذ أمس بشكل ما ،
أم هي مخطئة ؟ كانت تحثها على أن تشكك في اتهامها لتايلور بينما هي الآن
وكأنها تريد أن تلكمه على أنفه . فسألتها يفتور : ( ماذا سمعت ؟ )
- سمعت ؟
احمر وجه بيكي وهي تجلس خلف مكتبها متشاغلة ببعض الأوراق
وهي تقول : ( ما الذي جعلك تظنينني سمعت شيئاً؟)
لم تعبأ مارشا بالجواب بل رفعت حاجبيها ونظرت إلى بيكي تنتظر الجواب .
مرت لحظة صمت قالت بيكي بعدها : ( إنه مجرد شيء قالته جاني ) .
- وما هو ؟
- وقعت بينيلوب عقداً مع شركة كين الدولية . زوجك سيخرج معها للعشاء احتفالاً بذلك.
هزت مارشا كتفيها بقدر ما أمكنها من خفة : ( إنها بلاد حرة ) .
- العشاء في مطعم ( هوت سبوت)
استغرقت مارشا لحظة كي تمنع صوتها من الأرتجاف : ( نحن منفصلان يا بيكي . يستطيع أن
يرى أي امرأة يريدها ) .
قالت بيكي : ( لم أحب قط الرجال الطوال السمر . . . خصوصاً عندما يكون غرورهم قاتلاً)
نظرت المرأتان إلى بعضهما البعض لحظة قبل أن تبتسما بضعف ،
ثم قالت بيكي بهدوء : ( سأحضر لك ما تأكلينه بينما تكتبين ذلك التقرير).
- شكراً.
مرت بقية النهار دون حادث يذكر .
وأصرت بيكي على أن تتناول مارشا العشاء معها ومع زوجها . وبعد قضاء
سهرة بهيجة في شقتها أوصلاها إلى بيتها وانتظراها في الأسفل حتى لوحت لهما
بيدها من الشرفة ، مطمئنة .
كان نومها تلك الليلة سيئاً ونهضت في السادسة وأخذت حماماً ساخناً طويلاً.
الحمد لله أن النهار هو الجمعة وأمامها العطلة الأسبوعية تصرف أثناءها كل أمورها .
إنها بحاجة إلى نزهة في الهواء الطلق لتعيد ترتيب أفكارها .
لطالما كان هذا يشعرها بالتحسن في طفولتها وسنوات مراهقتها حين تهرب
من المدرسة الداخلية وتتسكع في أراضي الميتم فتبقى هناك إلى أن يعثروا عليها .
كانت دوماً تحدّث نفسها آنذاك بأن أمها ستعود إليها يوماً مفتوحة الذراعين
لتخبرها باكية كم تحبها . . . ولهذا السبب ، كانت ترفض الرحيل عن الميتم رغم كراهيتها لذلك المكان.
وعندما تركت أحسن صديقاتها الميتم واعداه إياها أنها ستراسلها وتزورها .
بدأت تدرك أن ما كل ما يتمناه المرء يدركه . ولكن ، حينذاك ، كان الوقت قد فات.
كان التقرير عنها أنها منطوية صعبة ، خرقاء غير لبقة . وبعد ذلك تحولت الفتاة الدميمة
إلى امرأة جميلة خجول تعلمت أن عليها أن تعتمد على نفسها في هذه الحياة كيلا يخيب أملها
إذا توقعت شيئاً من أي شخص ، ولن يستطيع أحد أن يؤذيها إذا لم تسمح هي له بالأقتراب منها .
ولكن لم ينجح هذا الأمر مع تايلور . فمنذ اللحظة التي رأته فيها ،
رغبت فيه . رغم أنها أدركت أن ذلك جنون .
أقفلت الدوش ولفت شعرها بمنشفه ثم خرجت إلى الغرفة التي كانت
أشعة الشمس تتسلل إليها مبشرة بيوم دافئ آخر.
نعم ، كانت تعلم أن ذلك كان جنوناً . أخذت تكرر ذلك وهي تجفف شعرها .
طارحة على نفسها ألف سؤال وسؤال : ( هل كان يريدها
هي مدى الحياة ؟ هل كان بحاجة إليها كما كانت بحاجة إليه؟
هل سئم الزواج؟ أم سئمها هي ؟ هذه الأسئلة سممتها منذ اليوم الأول .
لقد أصر على براءته تلك الليلة منذ ثمانية عشر شهراً ومازال
مصراً حتى الآن . هل أرسل إليها فعلاً رسالة أوضح فيها رقم هاتف
ذلك الغريب الذي سمح له بأن يشاركة غرفته في ألمانيا؟
من السهل عليه الآن أن يقول هذا بعد كل هذا الوقت .
أجفلت لرنين الهاتف بجانبها ، ونظرت إلى ساعتها .
من هو ذلك الذي يتصل بها في السادسة والنصف ؟
رفضت أن تعترف بأنها كانت تتوقع أن يكون تايلور ، ولكن ما إن رفعت السماعة
وسمعت صوته حتى أخذت دقات قلبها تتسارع .
ذكر اسمها فقط وبصوت هادئ فلم تستطع أن تعرف نوع مزاجه.
- مرحبا تايلور .
سّرها أن صوتها لم يكشف من شعورها .
- هل أيقظتك ؟
بدأ أن المراوغة أفضل جواب ، لم تشأ أن تعرف أنها استيقظت مع الطيور
وأنه كان يغزو أحلامها في النوم واليقظة .
وقالت بهدوء : ( إنها السادسة والنص صباحاً ، وأنا لا أستيقظ عادة قبل السابعة ).
وكان هذا صحيحاً . فقال : ( أنا لم أستطع أن أنام )
وكان صوته دافئاً رقيقاً مما جعله يؤثر على أعصابها بشكل جنوني .
- بقية الناس يتناولون في مثل هذا الوضع كتاباً وليس هاتفاً .
- أنا لست بقية الناس .
وكان هذا أصدق شيء قاله !
وحاولت أن تتكهن أين هو : إنه لا يبدو غاضباً ، لكنه دوماً كان قادراً
على أن يخفي غضبة جيداً .
فسألته بحذر : ( ماذا تريد ؟)
- أريدك أنت ، لكنني أرضى حالياً بالفطور .
في أحلامه ! وأرغمت نفسها على ضحكة متهكمة : ( لا أظن ذلك)
- لا ؟
- لا .
- آه ، حسنا . أظن بإمكاني أن أقذف حجارة على نافذة السيدة تيت كولنز
وأرى إن كانت ستساعدني في الدخول .
نظرت إلى السماعة وكأنها تحاول أن تستوعب مضمون ما قاله لتوه : ( أين أنت بالضبط؟)
وسكت لحظة متعمداً : ( حسناً ، أنا بالضبط على الرصيف أمام مدخل المبنى الذي تسكنين فيه ).
هل هو خارج المبنى ؟ مضت لحظة تملكها فيها الإغراء بأن تقول له بأن يوقظ السيدة تيت كولنز .
لكنها لم تشأ أن يجلس في الطابق الأسفل ويخبر السيدة كولنز شيء عن وضعها .
لذا حاولت للمرة الأخيرة :( اذهب إلى بيتك يا تايلور )
- كلا .
- ألا تهمك رغبتي بشيء ؟
- أبداً ، لقد سرنا تبعاً لرغبتك شهوراً . وعلى ماذا حصلنا ؟
لم نقترب من أي حل بل أصبح الأمر أكثر تعقيداً.
- يمكنني أن أحصل على أمر رسمي يمنعك وبهذه الطريقة لن يعود بإمكانك أن تضايقني .
فقال متهكما : ( جربي لكنني أشك في أن أي محكمة في البلاد ستوافقك على أن تقديم عشاء لك
ومساعدتك وأنت مريضة وزيارتك حاملاً فطوراً يُعد مضايقة ) .
تنفست بعمق لتكبح غيظها إزاء صوته الواثق : ( سأفتح الباب ) .
- شكراً .
بعد ذلك بدقيقة طرق على الباب بخفة وكانت قد أسرعت بارتداء بنطلون أبيض
مع قميص صيفي . كان شعرها المبلل يلمع كالحرير عندما فتحت الباب .
ورأت تايلور محملاً بالأغراض وعلى ثغرة ابتسامة متراخية وعيناه العسليتان تعكسان
أشعة الشمس الذهبية .
- صباح الخير .
أمالت رأسها جانباً لتحجب عنه تأثير وجوده عليها . كان يرتدي جينز وقميصاً أسودين فبدا رائعاً .
قالت مكرهة : ( أدخل ) .
رفع حاجبه للهجتها لكنه لم يقل شيئاً بل دخل الغرفة .
لم يستطع أن يخفي دهشة : ( إنها غرفة رائعة)
- أنا أحبها .
وكانت قد فتحت باب الشرفة الصغيرة ، فاجتاز بعد أن وضع الأغراض على الطاولة .
ثم أخذ ينظر من خلال النافذة إلى سطوح البيوت لحظة ،
التفت بعدها إليها : ( هل كان عليك أن تتعبي كثيراً على ديكور الغرفة عند انتقالك إليها ؟)
- كثيراً .
بدا غريباً أن يقف في بيتها الصغير ، ولتغطية اضطرابها ابتدأت تفتح
أكياس الطعام التي أحضرها أثناء إسهابها في ما أحدثت في الغرفة من تغييرات.
لقد أحضر الكرواسان الساخن كما أحضر المربى وجبناً وبيضاً مسلوقاً وبطاطس
وسلطة وشمام وكيوي ومانغا وفواكة أخرى وعصير لبرتقال الطازح .
بالإضافة إلى باقة ورود حمراء يتقطر منها الندى .
- هل كان لديك مانع حقاً في أن أحضر اليك الفطور ؟
كان واقفاً خلفها وأنفاسه الحارة تلفح رقبتها .
لكنها لم تنخدع بلهجته الرقيقة المغرية ولا بسحره الخاص .
وقالت وهي تتخذ من إحضار الأطباق عذراً للابتعاد عنه قليلاً : ( نعم، في الواقع)
- لماذا؟
استدارت إليه فوجدت نفسها تواجه صدره الصلب : ( لأن هذا هو بيتي وأنا أفضل أن أدعو الزائرين )
وعندما همّ بأخذ الأطباق منها قالت : ( يمكنني أن أتدبر أمري ، شكراً )
- أنا واثق من ذلك .
ومع ذلك أخذها منها ووضعها على المائدة ثم جلس وهو يتابع :
( لكن في الحياة ما هو أكثر من التدبر ، أليس كذلك ؟ )
لم تشأ أن تدعه يستدرجها فقالت : ( أنت تعلم ماكنت أعنيه )
- وأنت تعرفين ما عنيته . أنا شبه ميت منذ ثمانية عشر شهراً .
ألا تشعرين بالشيء نفسه ؟
أثناء كلامه مال بكرسيه إلى الخلف ، وهذه الحركة البسيطة بعثت في داخلها
مشاعر جسدية دافقة بم تستطع أن تصدقها .
- أنا بأحسن حال .
وحدقت إليه مباشرة رافضة أن تطرف بعينها وهي تكذب .
فقال بارتياح : ( مهارتك في الكذب تحسنت ، لكنك لن تصبحي
قط أستاذة في هذا الفن )
- أرى أن غرورك ما زال حياً .
كانت قد عزمت على ألا تكشف عن أي شعور ، لكن عينيها الآن تلتهبان غضباً.
حدق إليها بوجه غير معبر ولكن بابتسامة خفيفة أغاظتها أكثر من أي تحد.
- أسترخي ! هذا مجرد فطور . أتفقنا؟
- لم أتوقع منك أن تتصل بي مرة أخرى بعد الطريقة التي تركت فيها البيت .
فقال بلطف : ( أنت تعلمين أنني لا أستطيع البقاء بعيداً عنك)
- لكنك نجحت في ذلك طوال عام ونصف .
كانت نوت أن تجعل كلماتها جارحة ، لكنها أتت كئيبة حزينة.
- لقد أخبرتك السبب . لقد فعلت ذلك كي تحللي الأمور وتري الحقيقية بنفسك وتبدأي بالمصالحة.
- حسناً ، وهذا لم ينجح كما ترى .
فابتسم : ( أحياناً أنا أفهم الأمر خطأ . المفروض أن يسرك هذا)
هزت كتفيها والتقطت طبق فاكهة وإذا به يأخذه منها قائلاً بلطف وهدوء :
( أنظري إلي ! ألا ترين أنني كنت أعاني الأمرّين أثناء الشهور الأخيرة ؟
ألا ترين أنني كنت نصف مجنون؟)
أثناء حديثه ، مرر أصابعه على خدها بينما ضمعا بذراعه الأخرى إلى جسمه الدافئ.
فقالت : ( دعني ) .
أتى اعتراضها ضعيفاً واهناً لكن كليهما أدرك ذلك .
قال بصوت أرق وهو يتأملها : ( كنت أتوق إلى أن ألمسك ، أشعر بك ، أشمك ...
ولم أفكر في غير هذا . عندما كنت في ذلك النزل البائس . اعتدت أن آتي آخر الليل
وأوقف سيارتي على مسافة أمتار ، فقط لأشعر أنني قريب منك.
مانسبة هذا إلى الجنون ؟ ثم ، عندما انتقلت إلى هنا ، رفعت الهاتف للاتصال
بك لآلآف المرات ) .
- ولماذا لم تتصل ؟
- ظننتني أفعل الأفضل لنا معاً . لأجل مستقبلنا .
أولئك الذين سمموا حياتنا يجب أن يلقوا جزاءهم .
وطبع على جبينها قبلة رقيقة سلبت منها عقلها .
- أنت امرأة رائعة ! أتعلمين هذا ؟ فيك كل ما أريده .
وشدها إليه بذراعيه ، فتلهف جسدها شوقاً إليه . بينما عاد فكرها إلى الوراء
مسترجعهاً أيام الماضي العذبة .
- يا للجمال الرائع ! . . . جمال آسر للقلب .
لم تستطع إلا أن تتجاوب معه وهي تتأوه والأحاسيس الحارة تنبض في
جسمها وكأن نيراناً تسري فيه .

كان في داخلها جوع لا يشبعه سوى قربها منه ، وانفجر العالم من حولهما في موجه من الأضواء
والألوان والأحاسيس ولم يعد للزمن معنى ، لا بماضيه ولا بمستقبله وحتى الحاضر لم يكن
يتألف إلا من دوامة المشاعر هذه التي تملكتها .
كان رأسها ملقى على عنقه القوي وهو يحتضنها ويطبع قبلات صغيرة محرقة على جبينها .
أراح رأسه على الوسادة وهو ما زال يحتضنها : ( أحبك يا حبيبتي . إياك أن تشكي في ذلك لحظة )
لقد سمحت لتايلور بمعانقتها وباحتضانها ! لا .... لم تسمح له فقط ، بل شجعته .
توسلت إليه ... كما أخذت تعترف صامتة وقد تملكها الخزي .
- حان الوقت لتقولي إنك تحبينني أنت أيضاً .
نحن متزوجان ولا بأس في أن تقولي إنك تحبينني .
فقالت محتجة : ( لكننا ... منفصلان ) .
أبعد وجهه عن وجهها يتأملها ، ثم قال بصوت هازل كسول : ( هذا صحيح ،
ولكن بإمكاني تصحيح ذلك إذا شئت ) .
امتلأ جسدها شوقاً وتوهج وجهها احمراراً .
كانت منذ شهور تحدث نفسها بأن بإمكانها أن تجدد حياتها من دون تايلور .
فهي الآن امرأة عاملة وستركز على مهنتها ،
فهي ليست بحاجة إلى الرجال والحب ووجع القلب .
ماذا حدث لكل أفكارها العظيمة ومبادئها ؟
حدث أن عاد تايلور ، وبإشارة إليها بإصبعه الصغير بعد ثمانية عشر شهراً من الصمت .
ألقت بنفسها بين ذراعيه .
- ما كان لنا أن نفعل هذا ، فهو يعقد الأمور فقط .
فقال : ( أشك في أن الأمور يمكن أن تزداد تعقيداً )
- طبعاً يمكنها ذلك .
لم يعارضها هذه المرة . بل نهض من مكانه والهزل في وجهه وهو يرى الذعر في عينيها .
وبعد لحظة قال بهدوء بالغ : ( أموت جوعاً ، هل نأكل ؟)
هل نأكل ؟
الرجال هو فعلاً جنس مختلف من الأحياء .
وإذ رأى عينيها المتسعتين أستغراباً ، قال لها : ( نحن زوجان يا مارشا لأجل الله .
أم أن هذا الأمر نسيته لطول الغياب؟)
هي لم تنس شيئاً يتعلق بتايلور . . . لا شيء !
أتراه جاء كي يعرقل سير الطلاق ؟ هي لا تستبعد ذلك ، لا تستبعد شيئاً أبداً.
إنها تحبه ولم تتوقف عن حبه قط حتى وهي تحدث نفسها بأنها تكرهه لما فعله .
ولكن هل تثق به ؟ هل تعتقد حقاُ أنه كان مجرد رئيس لتانيا لا غير ؟
هل تصدق بأنه لم يعرف امرأة أخرى منذ عرفها ؟
أرسل الجواب قشعريرة كئيبة في كيانها .
نظر إليها بملامج خالية من التعبير وقال بهدوء : ( لا أستطيع أن أحملك وأخرج بك ، وأنت ترفسين وتصرخين.
من مكان الظلال هذا الذي تعيشين فيه إلى العالم الحقيقي ، ولا يمكنني أن أريك شعوري بوضوح أكثر مما فعلت ،
إنك تحطميننا نحن الأثنين ، وأنت تعلمين هذا .
تلقين بعيداً بشيء ينبغي أن يدوم طوال الحياة وما بعدها .
أنا أعلم أن ما فعلته أمك كان قاسياً ، وكل ما تبع ذلك ، ولكن عاجلاً أم أجلاً
عليك أن تقرري ما إذا كان هناك ما يستحق النضال لأجله .
فإذا كان هناك ، علينا أن نكون في رأس القائمة ) .
- لم أطلب منك أن تأتي هذا الصباح .
- لا ، لم تفعلي ،لكنني جئت على أي حال ، وهذا ينبغي أن ينبئك بشيء ما ،
هناك نساء كثيرات يمكنني أن أدعوهن لتناول الفطور .
أنا لا أريد التسلية إنما أريد الحب .
هناك فرق شاسع بين الأثنين . ألا ترين ذلك ؟
حملقت فيه بعينين متسعتين : ( لم أعد أعرف ما أفكر فيه ، أنا ..)
- مشوشة الذهن ، أعلم . ولكن يبقى هذا أفضل من الثبات على الخطأ ، ربما ما زال هناك أمل فيك . والآن لنأكل .
- لست جائعة . سأدخل إلى الحمام أولاً .
دخلت إلى الحمام وأقفلته خلفها . كان جسدها مفعماً بالمشاعر والأحاسيس التي خالت نفسها قد نسيتها .
نظرت إلى نفسها في المرآة قبل أن تخرج ثم تأوهت بنعومة .
كانت تبدو كامرأة مغرمة وهي ستخفي ذلك المظهر حالما تخرج.
تنفست بعمق ثم خرجت إلى الغرفة ، وإذا بها تقف جامدة .
كانت الغرفة خالية . لقد رحل ، نظرت حولها وكأنها تتوقع منه أن يقفز من وراء الأريكة .
ثم رأت ورقة على المائدة وإلى جانبها وردة .
كتب لها : أسف لقد تلقيت أتصالاً مستعجلاً . سنتحدث فيما بعد .
غاصت مارشا في كرسيها وقلبها مثقل .
كان يمكنه أن ينتظر هدة دقائق حتى تخرج من الحمام .
هل ندم على مجيئة إليها ؟
أم ظن أن من الأسهل عليها أن يرحل قبل خروجها من الحمام ؟
ليس ثمة تفسير عقلاني يمكنه أن يعطيها الجواب .
تايلور فقط يمكنه ذلك وهي لا تستطيع أن تسأله .
وضعت من يدها الوردة والورقة . وحدقت في الوردة الحمراء لحظة طويلة .
لقد تركت تايلور هذا الصباح يدخل عقلها وجسدها .
تصرفت عكس كل ما حدثت نفسها به أثناء الأشهر الثمانية عشر الماضية .
فمنحته بذلك رسالة الله وحده يعلمها . إنها مجنونة تماماً .
كوب قهوة ثقيلة ثم ترغم نفسها على تناول شيء من هذا الطعام .
أنها تريد أن تكون متمالكة نفسها تماماً حين يذهب لزيارة سوزان هذا الصباح.
حان الوقت لذلك ، أو ربما تأخر ، فكما قال تايلور مازال هناك أمل لعلاقتهما .
قطبت جبينها ، كارهه أن تعترف بمدى حاجتها إليه .
من اللحظة التي دخل فيها حياتها ،
أدركت أنها لن تحب أحداً سواه .
كان تايلور جزءاً منها . كان يسري في دمها ، في عظامها وكل ما فعلته لتنساه لم ينجح .
كان زواجهما رائعا في البداية ..وتركت ذهنها يعود إلى تلك الأيام الذهبية بشكل لم تفعله منذ وقت طويل لأن ذلك كان
مؤلماً للغاية . كانت تعشقه فقد كان تعشقه فقد كان صادقاً وبالغ الرقه والحنان معها .
دفعت شعرها إلى الخلف وقد غامت عيناها من الذكريات المتزاحمة .
كانت علاقتهما عنيفة ملتهبة .. وتنهدت من أعماقها .
مازال جسدها يحمل ذكريات حبها وأشواقها وبقايا مشاعرها المحمومة .
لماذا مازالت تحن شوقاً إلى لمساته وحبه بعد ما عرفته عن تانيا أو ما تظن نفسها عرفته.
كي تكون منصفه؟
لأنها أحبته بشكل لا يمكنها معه أن تحب سواه .
دخلت هذه الفكرة في ذهنها فأحنت رأسها وهي تئن ،
ثم رفعته والتصميم في ملامحها ، وقد ضاقت عيناها ،
ستذهب لترى سوزان وتحتمل كل ما يأتي به اجتماعهما .
إنها مدينة بذلك لنفسها ، إن لم يكن لأجل تايلور .

************************

روايات عبير / ثم عاد الامس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن