الفصل السابع

7.2K 166 5
                                    

بعد أربعة أسابيع وجدت لوسى وودبريدج نفسها تصعد طريقاً مليئا بالحصى مارة أمام أحد الأديرة ثم مخترقة مجموعة من أشجار السرو الباسقة تلقى بظلالها تحت ضوء شمس الصباح ثم بدأت الأشجار تتباعد رويدا رويدا وأمسك جوس بيدها :
-لم يعد اماما الكثير يا لوسى
وواصلا صعودهما والشمس تزداد حرارة إلى أن وصلا بغيتهما أخيرا قرب قمة الجبل ,صخرة ناتئة ضخمة تشرف على أمتع مناظر البرتغال الطبيعية وكانت الشمس قد أرتفعت حرارتها ولكن جسد لوسى كان يرتعش من هبات النسيم وأحاطها جوس بذراعه وهما يتطلعان إلى أسفل وهتفت:
-يا للروعة!
هز لها جوس رأسه :
-من السهل عليك أن تتصورى لماذا غيرت هذه البقعة وجه التاريخ الأوربى فهنا نصب ويلنجتون مدافعه ليوجهها إلى الفرنسين
وظلا فى قفتهما تلك لوقت طويل يتأملان المنحدرات التى أضاءتها الشمس وقد ربطا بين مشاعرهما الإحساس بجلالة التاريخ وبعد أن أشبعا عيونهما عادا هابطين إلى حيث يوجد المتحف الحربى ليتجولا خلال المدافع العتيقة والحراب والبنادق القديمة وصور والخرائط وجوس يشرح لها ويوضح لها بتمكن بعث القشعريرة فى بدنها إعجابا إلى أن قال أخيرا حان وقت الأنصراف يا لوسى فأمامنا أكثر من مائة ميل بالسيارة إلى أن تضعى معدات الأنزلاق عليكى
-وإلى أين الأن؟
كانت لوسى قد قطعت من التجول فى الأيام القليلة الماضية أكثر مما فعلته طوال حياتها مستمتعة بكل لحظة تكاد تنسى تماما أنها فى شهر عسلها ليس خلوة متكاسلة على حافة حمام سباحة يسترخى أمامه مستر ومسز وودبريدج
لقد كانت خطة جوس فى تعويد لوسى على فكرة زواجهما هى أن تتحمل رحلاتهما عبر أكثر الطرق عورة والتفافا إلى أروع ما يمكن أن تقدمه هذه البلاد من مناظر مبهجة بدءاً من تلفريك بمر تسماوث سيان ثم خلال سبعمائة ميل إلى بورجوس فى رحلة بدون توقف
منتديات ليلاس
كان الأرهاق قد حل بلوسى فى اليوم الأول لدرجة أنها كانت على أستعداد أن تشارك غرفة النوم مع كنج كونج ولم تبالى ولم تتقلب فى رقدتها حتى بدأ جوس المزعج يوقظها للفطور .كان لهذه الرحلة المتواصلة أثرها على إرادة لوسى خصوصا مع أخر الأميال المنهكة إلى براجانسا فى أتجاه الشمال الشرقى من البرتغال حيث توقفا لتناول الغداء بعد جولة فى ربوع المدينة المرتفعة المنعزلة ولفرط بهجتها بالرحلة وجدت معدتها تقنع بالحساء المقدم مع أطباق سمك السلمون الذى قدم إليهما فى المطعم القابع وسط التلال مطلاً على مكان ميلاد زوجة الملك تشارلز الثانى وعند هذه النقطة حيث كان الجزء الأكثر مشقة من الرحلة قد أنقضى كانت لوسى تتلهف على الرحلة إلى إلفيدوس وهى مدينة صغيرة من القرون الوسطى تحيط بها الأسوار ووجداها حين وصلا إليها فى أصيل ذات اليوم أنها تفتقر إلى كل صور المبانى الحديثة
أستدارت لوسى فى نشوة غامرة إلى زوجها :
-أوه يا جوس إنها بديعة ....بديعة
فأبتسم لها قائلا :
-لقد رايت أنه ربما يروق لك أن تبقى هنا بعض الوقت لتكتشفى المدينة وتستمتعى بالشاطئ على رأحتك
وافقت على الفور مبتهجة بحوائط المدينة ذات الألوان البنية الداكنة وما تضم من منازل عتيقة ويهيمن على كل هذا قلعة مربعة الشكل ذات أبراج شاهقة وسألته:
-وأين سنقيم؟
فأشاح بيدجه بعفوية تجاه القلعة قائلا :
هل تروق هذه لسيدتى ؟
أومضت عينا لوسى :
-هل أنت جاد ؟!!!
فضحك قائلا :
-لبالتأكيد يا سيدتى لقد كانت ذات يوم مقر إقامة الحاكم ولكنها حولت إلى فندق ولكنك ستجدين التحويل رائع ومريح للغاية أعدك بذلك فقد أقمت فيها من قبل
مع كارولين؟كان تساؤلها من الوضوح فى عينيها لدرجة أنه فهمه جوس على الفور فداعب خدها قائلاً:
--أننى لم أقض أكثر من يوم عطلة مع كارولين وحين كنا نفعل لم يمن ولعها إلا بمدن الملاهى
وأبتسم وقد أرتسم الخجل على وجهها
-إن لك وجه معبر للغاية يا لوسى
قالت فى تخاذل :
-تقصد أنه لايوصف بالجمال ؟
-ما هذا الذى تقولين ؟إن لك وجها رائعا يا لوسى يشع منه الذكاء والحيوية دائم التبير عن خلجات نفسك أننى لا أمل النظر إليه
ودهشت لوسى لما قاله لدرجة أنها لم تدرك وصولهما إلى بوزادا دى كاستلو فندق القلعة إلا حين وجدت نفسها أمامه بالفعل وأمتلأت نفسها بهجة حين وجدت أنهما أعطيا غرفة فى أحد الأبراج بالقلعة شاكرة أنهما سيتركان الجزء الرئيسى من البناء ويسيران خلال مبانيه للوصل إلى مكان مبيتهما وفى هذه المرة على نقيض المرات السابقة كان السرير مشتركا يشغل بحجمه المساحة الأكبر من الغرفة ولا يمكن إنكار تأثيره على النفس بأعمدته الأربعة والنقوش التى تزينه وجلب رد فعل لوسى لمنظره إبتسامة على وجه جوس وقال لها بسرعة:
-هيا بنا قبل أن أتركك لتأخذى حمامك ونأخذ جولة حول الأسوار كما يفعل السواح ما لم تكونى مجهدة للغاية
وكان أنفعالها لإثبات النقيض لدرحة ومضت لها عينا زوجها وهو يأخذها فى طريق مكشوف يؤدى إلى أعلى أسوار المدينة وكان المنظر يخلب اللب حتى أنه أنسى لوسى أنقباض معدتها لرؤية السرير .وهى تحملق أسفل منها إلى المنازل والكنائس التى تزدحم بها المدينة الصغيرة والوان أسطحها بدرجات مختلفة من اللون الأحمر تنعكس على البياض الناصع للأسوار وبدت الطرق متعرجة بين المنازل بدون أى أثر لخط مستقيم فيها ومع ذلك فقد بدأ كل شئ فى المدينة وكأنه فى مكانه الصحيح تماما
-أواهـ يا جوس....لكم أحب هذا المكان
وأقبلت عليه فى أندفاع وطوقته بذراعيها مقبلة وجنتيه وأبتسم لها وهو يضمها إليه:
-أنا سعيد بذلك هيا نعود ونتراهن من يصل إلى الفراش أولاً ؟
منتديات ليلاس
لم يكن السرير مثير للرعب بالنسبة للوسى حين عادا للغرفة وأخرج جوس أوراقه بينما هى تفرغ حقائبها وحسم موضوع من يسبق إلى الفراش بالإنهماك فى عمله بينما هى تذهب إلى الحمام وأخرجت لوسى كتاب من بين حاجياتها لتتسلى به وهى غامرة جسدها فى البانيو وحين عادت بعد فترة إلى الغرفة رفع جوس بصره إليها زأبتسم أبتسامة مجردة ثم نظر إلى ساعته :
-أتشعرين بتحسن؟
-أفضل بكثير وأن كنت مازلت دائخة بسبب طول مدة ركوب السيارة
-لماذا لا تسترخين قليلا فى الفراش إلى أن أنتهى من حمامى مازال الوقت مبكرا بالنسبة للعشاء ووقف يتمطى بجسده وقفزت لوسى للسرير كم أقترح عليها وأضعة الوسادة ناصعة البياض وراء ظهرها أقبل عليها جوس ومسح على شعرها بيده :
-هل أجهدك فى هذه الرحلة يا لوسى؟
هزت لوسى رأسها:
-بالتأكيد لا أننى أحب ذلك فبأستثناء رحلة لسويسرا وأنا بالمدرسة لم أذهب إلى أى مكان ولا أريد أن يفوتنى شئ وأعدك أنه بعد عدة دقائق من الأسترخاء سأنهض متوثبة للذهاب
وبذلت لوسى قصار جهدها لتركز على كتابها حين أصبحت وحدها بالغرفة ولكن جفونها راحت تنطبق رويدا رويدا إلى أن أستسلمت فى النهائية لإغفاءة خفيفة وحين أستيقظت وجدت الغرفة غارقة فى الظلام عدا ضوء سيجاة جوس وهو جالس بجوار النافذة وهب حن تململت بالفراش وأضاء النور وقفزت لوسى جالسة تخلل شعرها بأصابعها :
-جوس لماذا لم توقظنى ؟
أطفاء سيجارته قائلا:
-ولماذا ليس هناك داعى للعجلة فالبرتغال لاتعرف ذلك كما ان الليل مازال فى أوله طبقا للمعاير المحلية
وكان محقا وتناولا عشاءبسيطا من السمك والسلطة والنبيذ الأبيض فى مقهى صغير بالمدينة ثم خرجا للميدان الرئيسى حيث كان عزف الموسيقى من فرقة محلية بالآلات النحاسية وما لبست لوسى أن وجدت نفسها تحت تأثير سحر طاغى منتشية بكل وجدانها بالأنغام الشجية وعبق التاريخ ونجوم السماء الصافية وكان أهل المدينة يقابلونهما بالود والترحاب أينما سارا يتجولان بين متاجرها ينتقيان ما يعجبهما من بضائع تذكارية وأثرية وشعرت لوسى بتورد وجنتيها من تأثير الشمس والشراب والسعادة والقت بجسدها فى أسترخاء وهو يحيط خصرها بذراعه أثناء سيهما مدركة ما هى فيه من سعادة وكانت لحظات تجاوب مع الكون بأسره يجعل منها اللحظة المناسبة لأن تعترف لزوجها بذلك
كانت عودتهما صمتا لم يقطعها إلا سؤال من جوس فى منتصف الطريق سأله وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالشجن متكلما فى أذنها ليعلو صوته على صوت الموسيقى :
-لوسى ألم يئن الأوان للتصالح مع عدوةك اللدود؟
فردت عليه على الفور :
-نعم لقد آن ربما تطلب الأمر رحلة رائعة لألقى بأسلحتى تماما فبعيدا عن أبو تسبريدج وما يتعلق بها وعلى أرض محايدة لا أشعر بأى عداوة من أى نوع ثم أستدارت فى الطريق الضيق المتعرج لتواجهه قائلة:
-أنى شاكرة لك صبرك وتحملك يا جوس
وأصتدار ليكملا سيرهما صامتين متشابكى الأيدى عائدين إلى بوزادادى كاستللو

من أجل ولدى-كاثرين جورجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن