0 " بطاقةُ دعوة "

4K 167 43
                                    




أمضَيْتُ دفتر الإستلام و أغلقتُ الباب خلف صاحب البريد

فتحتُ البطاقة لأقرأ ما كُتِبَ فيها ، تجهَّم وجهي و ألقَيْتُها على الطاولة بتذمُّر ..

أكْرَهُ المناسبات ، لن أرتاح يوماً دون حضورها ، كم أبغضها

أتمنى لو كُنْتُ أتلبَّسُ غطاء الفقر ، سأكون سعيدة بالتأكيد بعيداً عن هذه التُّرَهات.


:" ما هذه ؟ "

أجبتها بصوتٍ ضئيل و أنا مُكَتِّفة لِيَدَيْ
:" دعوة "

:" رائع ، ستكون ليلة مميزة ، إنها دعوة من السيد راف "


إن أمي متحمِّسة كعادتها لحضور الحَفَلات ، و من هو السيد راف !؟

هذا ليس مُهِماًّ ، عددُ الذين تعرَّفْتُ أسماءهم يتجاوز الخمسين ، و جميعهم نحضر مناسباتهم باستمرار

كلَّ شهرٍ نحضر أكثر من ستَّةِ حَفَلات ، مع ذلك
لا يتعبون ، و أقعُ أنا الضحية ، لكنَّ ذهابي و عدمهُ
لا يُشَكِّلُ فَرْقاً ، و هذا ما أحاول دائماً إيصاله لهم
ولا يفهمون ، أو يتعمَّدون الجهل.



:" لن أذهب ".. صرَّحْتُ ببرود.

:" بلى ستذهبين ".. وها هِيَ تردُّ عليَّ ببرودٍ مُمَاثِل مع ابتسامتها اللا مُبَالية

:" قُلتُ لن أذهب ، كفى أمي لم أَعُد أحتمل هذه
الإحتفالات ، أريدُ حياةً طبيعية لا قناع نُبْلٍ و كَرَم ،
لا أودُّ التصرُّف بـ زِيف "

:" عليكِ أن تتصرَّفي كالسيداتِ الراقيات ، ولا يُهِم إن كان زيفاً أم لا "

:" ما فائدةُ ذهابي معكم كلَّ مرة !؟ .. لقد تعبت
لا أريد ، أكرهُ هذه المناسبات "


تجاهَلتْني !! .. حسناً ، لا أنتظر ردَّها ، أمي طيِّبةٌ جداً
و تحبُّني ، و لكن فيما يتعلَّقُ باسم العائلة و المجتمع الراقي و المُنْفَتِح ، فإنها تقف ضِدِّي

تعرفُ بمدى كُرْهِي لهذه الأشياء و رفضي لها ، لكنَّ مجتمعنا المُتَحيِّز للعائلاتِ الغنيَّة فقط .. هو أهمُّ من رأيي.



¡¡¡¡¡¡¡




:" سيَصِلُ ثوبكِ الليلة ، غداٌ يومٌ مهم و يجب أن تكوني في أبْهَى أناقَتِك "

:" لن أذهب ! ".. صرختُ بأعلى صوتي و الغضب يعتريني

:" أنتِ مُرْغَمة على الذهاب ".. والدي من ردَّ هذه المرة

:" مستحيل .. لن تُرْغِمُوني على شيءٍ كهذ..."

قاطعني بحزم :" لا تُنَاقِشي "


هكذا انتهى الأمر ، إضطُرِرْتُ للصمت ، إلى الآن
لم أفهم لِمَ عليَّ الخُضُوعُ لأوامرهم و حضور
الإحتفالات ، أنا لا أريد ، لا حاجةَ لي هناك.

تواجدي بين أولئك الناس غير مهم و ليس ذو فائدة ،
هما يُقَرِّران بشأني ولا يُعْطِياني الفرصة لأُبدِي رأيي ،

أودُّ الشعور بقيمةِ قراراتي ، تصرُّفاتهم هذه تُزَعْزِعُ ثقتي و تُشْعِرُني بأنني أداةٌ تُنَفِّذُ ما يُمْلَى عليها فقط.




¡¡¡¡¡¡¡




:" أودُّ أن أكون طبيعية ".. همستُ لذاتي و أناملي
تُحِيطُ بهاتفي ، كُنْتُ أعبث به و الغيضُ يملأ قلبي

الحَفَلاتُ كلها متشابهة ، أصحابها أغنياء ، قصورٌ
فخمة ، ثيابٌ مُبَهْرجة ، مشروباتٌ فاخرة ، معاملة
راقية ، وابتساماتٌ مُزَيَّفة.

أجزِمُ بأن كلَّ شخصٍ مدعو للحفلة يُخْفِي تحت قناعه وجهاً حاقداً طمَّاعاً ، سيِّء الطِّبَاع ، و أقصدُ بالقناع .. هو وجههُ الباسم.


لقد ترَعْرَعْتُ في منزلٍ كبيرٍ كالقصور ، و درستُ في مدارس للأثرياء ، و كلَّ ما أحببتهُ أجدهُ لدَيْ

أنا وحيدةُ عائلتي لذا يعتبرني الجميع مُدَلَّلة ، بينما في الواقع لستُ كذلك ، إنما أنا عادية كبقيةِ الفتيات ، بسيطة العيش و متواضعة جداً ، أحب الهدوء والجلوس بمفردي.

لم أرْتَح يوماً في وضعنا المادي لأنه يُشْعِرُني بأنني
مختلفة و أُجْبَرُ على العيش في حياةِ الرفاهية
و الترف


أنا من الأشخاص القلَّة الذين يفهمون معنى أن البشر سواسية ، مهما كانت حالتهم المادية ، أحاول إظهار ذلك في معاملتي للجميع ،

رغم أنَّ من هُمْ مستواهم المادي أقل مني ، يتجنَّبوني بمجرد اكتشافهم أنني ثريَّة ، أعتقد أنهم يظنُّونني مغرورة أو أنني أستغلُّهم ، لهذا السبب كرهتُ كَوْني هكذا.

لم أجد من مجتمعي شخصاً واحداً يعترف بأفكاري
هذه و يثني على تصرُّفاتي ، فـ كلُّ من يعلم برأيي يدَّعي أنني ساذجة ولا أعي النعمةَ التي أنها فيها الآن ، في الحقيقة أنا أرى أنها نُقْمَة لأنها تُقَيِّدني.



¡¡¡¡¡¡¡




خرجتُ من غرفتي حالَمَا نادتني والدتي ، وجدتُ صندوقاً من الكرتون بلونٍ أبيض ، كان متوسط الحجم ، وهي تقف مُتَكتِّفة بابتسامة

:" تعالي وافتحيه "

:" أعلم أنه ثوباً جديداً ، لقد امتلأت خزانتي ،
و مللتُ من الثياب اللافتة للنظر "


تذمَّرتُ و أنا أقترب من الصندوق ..:" مرةً واحدة فقط أَحْضِروا لي شيئاً يعجبني ، أليسَ لديَّ رأيٌ في اقتناء أشيائي !؟ "

فتحتهُ بملل ليظهر على مرأى عينيَّ شيءٌ غريب !
لمستهُ بأطراف أناملي لِتُفَاجِئني نعومته ..
:" قماشٌ خفيف ! ما هذا !؟ "




" إنــتـهـــى "




لستُ سندريلاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن