10.

75 7 8
                                    

أطال النظر إلى عيني بينما حاولت التحدث لكنني لم أستطع. لم أعرف مالذي فاجأني أكثر، مضمون حديثه أو أنه تحدث أصلاً.

"من أنت؟" قال بصوت واضح أكثر.
"أجارثا" نطقت بعد وهلة من الصمت. "فقط أجارثا" أكملت حين رأيت ملامحه تنتظر.

"أجارثا. اسمك - على الأقل بالنسبة لي - يعني عاصمة الأرض. ربما يكون هذا ما حبسك في هذه الغابة، اسمك الذي جعل بينك وبين الأرض ميثاقا لا يمكن كسره". قال وهو ينهض بعد جلوسه مقابلا لي. مشى بهدوء إلى تلك النافذة مرة أخرى.
"لكننا أخيراً سنتحرر، بضع خطوات من الشجاعة وسنتحرر من هذا السجن". أردف ناظرا إلى السماء. واصلت صمتي. هل سنكون حقاً أحراراً مرة أخرى؟ لم أعرف، لكن شيئاً ما داخل قلبي تشبث بهذا الأمل الضعيف. لكن كيف ولهذا القصر أسوار لا ترى؟

"ربما كنت أعمى من قبل، لكن هذا لا يهم الآن. كنت دوماً قريباً من الحرية لكنني عميت عنها. ترعرعت داخل هذا القصر وعرفت كل زواياه، ولم أجد الطريق الصحيح إلا الآن".
"أنت.. هل عشت حياتك كلها في هذا الكابوس؟"
"لا، كابوسي قديم لكنه لم يولد معي. في وقت ما احتوى هذا هذا القصر كل الحياة والعظمة، في لحظة ما كان يقف فيها شامخاً أعلى التلة القديمة، وفي اللحظة التالية لها كان هنا في عمق هذه الغابة الملعونة. كيف؟ لا أملك جواباً، كل ما أعرفه أنني كنت الوحيد هناك بين اللحظتين. بين تلك اللحظتين بدأ جحيمي. متى؟ لا أملك جواباً لهذا أيضاً". كان وقع صوته غريباً بشدة على مسمعي.

"نستطيع الخروج من هذا القصر بلا عودة، عن طريق نفق تحت القصر".

"لكنه مملوء بأياد ذابلة!"

"أمسكي يدي طوال الوقت فقط، ولن يحدث لك شيء. أنا لا أعلم أين يقع ذلك النفق، لكنه موجود وهو فرصتنا الوحيدة كي لا تتعفن جثثنا داخل القصر".
هو لم يعلم بكل تلك الكوابيس السوداوية التي تملأ مناماتي عن تلك الأيادي. تسحبتي تارة وتخنقني تارة أخرى...
"هل تثقين بي؟" سأل محولاً نظره إلى عيني. للأسف، لا يوجد خيار آخر.
"أثق بك".
***
بعد فترة قصيرة كنا واقفين أمام ذلك القصر. وضع صاحب العينين الرماديتين حقيبته - التي احتوت عدداً قليلاً من الكتب ونايه - خلف ظهره بينما جعلني أحمل جيتاره. مد يده وأمسك بيدي، شاداً عليها ليبعث لي شعوراً مطمئناً. توجهنا إلى الحفرة تحت القصر وانحنينا لنستطيع الدخول. نزل قبلي ثم ساعدني في النزول. كان المكان حالك الظلام. أشعل ناراً على مشعل صغير ولوح به أمامنا.
"كيف علمت بهذا؟" سألته ونحن نمشي بهدوء على غير هدى.
"وجدت كتاباً في مكتبة القصر وضعت ورقة بداخله تشرح كيفية الخروج. يبدو أننا لسنا الأوائل هنا". 
صمت مر علينا ونحن هائمان في الظلام، ينير ذلك المشعل الصغير مقداراً صغيراً من العتمة المحيطة بنا.

"من أنت؟" كسرت الصمت.
"سيث. فقط سيث" أجاب.
"ومالذي يعنيه اسمك؟"
" البعض يقول أنه اسم نبي، والبعض يقول أنه اسم شيطان. معناه عائد لما تظنينه أنت". أجاب ببساطة بينما قابلته بالسكوت.

بدأت الأيادي الذابلة تنبثق من الأرض وتحاول الإمساك بقدمي لكن سيث كان يدفعها بعيداً عني. ربما اكتسب حصانة ضدها لأنه أتى مع القصر.

أكدت لي اللحظة التالية خطأي. بدأت الأيادي تتغلب على خوفها منه وتتلمسه هو أيضاً. ازداد عدد الأيادي حولنا وانبثقت أعين من هنا وهناك.
"كيف هذا؟" صرخ سيث محاولاً إبعادها كما قبل لكنها كانت تتمرد. حاولت الحفاظ على نفسي من الصراخ وكتم نبض قلبي الصاخب.
أفلت سيث يدي خطأ.
صرخت بقوة محاولة إبعاد الأيادي ودهسها، مركزة نظري على المشعل الصغير المنير أمامي. بدأ ضوء المشعل يختفي. كنت أعيش أسوأ كوابيسي واقعاً في تلك اللحظات.

جريت بأقوى قوتي متملصة من الأيادي التي تحاول الإمساك بي وتعثرت معها في بعض الأحيان.
"أجارثا، لقد وصلت! أسرعي!" صرخ صوت في الدجى. "سيث" صرخت ودموعي تنهمر من عيني. مددت يدي على غير هدى في الظلام، ودهست الأيادي بقوة أكبر بينما أسمع زئير أصحابها.

أحسست بيد تمسك بيدي حاولت الإفلات منها لكن تلك الأيادي في الأرض تمكنت مني. كانت اليد تسحبني للأعلى والأيادي الكثيرة تسحبني للأسفل، وبينما كنت معلقة في الهواء شعرت بجسدي على وشك التمزق. صرخت بقوة مغمضة عيني حين تمكنت اليد العليا من سحبي معها.

اختفى كل ذلك الضجيج في ثوان.
"افتحي عينيك" همس صوت دافئ.
انهمرت دمعتان بينما فتحت عيني. كان سيث ينظر إلى السماء بينما غمر نور الشمس الساطعة وجهينا.
أحسست بالريح تهب مبعثرة شعري. شعرت بحرارة الشمس تغزو كل شبر في جسدي.

ولأول مرة منذ وقت غير معلوم، شعرت بالحرية والحياة.
-تمت-

أياد ذابلة -Witred Handsحيث تعيش القصص. اكتشف الآن