+=+الفــــصــــل الثــــانــــي+=+

7.5K 135 6
                                    

وقفت دينا وجها لوجه امام انطوني براين مورغان : ( استغرب رغبتي في الضحك ... ماذا دهاني ؟ آه ... ربما لأن الصورة التي رسمها خيالي للسيد مورغان تختلف تماما عما اراه امامي . انه رجل عريض المنكبين ، متوسط القامة ، شديد الجاذبية ، رسمت التجارب على وجهه خطوطا زادته رجولة . اما عينيه الزرقاوان فهما عالم قائم في ذاته ، عالم يختلط فيه الصفاء بالعمق ، والطيبة بالقوة . وترتاح عيناي اخيرا عند خصلات شعره التي اختطفت لون الرمال . لماذا اطيل النظر اليه هكذا ؟ يتملكني شعور فريد بأن المقابلة ستكون عاصفة ) .
وصدق حدس دينا ، اذ لم يمض على وجودها خمس دقائق في مكتب انطوني براين مورغان ، حتى بدأت موجة نقاشهما تعلو . حاولت السيطرة على جموح اعصابها وهي تؤكد له :
- لم افهم ما ترمي اليه مع الأسف يا سيدي .
- بل فهمت ما اعنيه تماما . لقد خدعني والدي يا آنسة ، وارسلك الي عوضا عن سكرتيرة بسيطة المظهر ، رزينة ، ناضجة . اذكر انه امتدح صفاتك ومؤهلاتك كثيرا ، لكنني اعتقد انه كان يرزح تحت ثقل تأثيرات معينة في ذلك الوقت . آسف يا آنسة بريتشارد . لا يمكنني استخدام شابة جميلة مثلك في مؤسستي .
عجزت دينا عن اطفاء نار غضبها ، فقالت له والشرر يتطاير من عينيها :
- لم يكن جمالي يوما عثرة في طريق نجاحي العملي . اما اذا كانت المقاييس تختلف في نيوزيلندا ، فالأفضل ان ابحث عن أي عمل آخر ، بعيدا عن دنيا السكريتارية .
- انني لست في حاجة هنا الا الى سكرتيرة ، وافضلها جدية المظهر ، ومتفانية في عملها .
- يظهر انك تبحث في موظفاتك عما تفتقده في حياتك الخاصة .
- ماذا تعنين يا آنسة بريتشارد ؟
- انت تفهم ما اعنيه تماما ، لكنك تحاول التهرب من انك انسان سيء السمعة ، وتلوك الألسنة سيرتك في كل مكان .
كان الغضب يمضغ تقاطيع وجه انطوني مورغان وهو يقول :
-احذرك من الاستمرار يا آنسة برتشارد .
- كف عن تهديدي يا سيدي وافعل ما يحلو لك . كان من واجبي ان استمع الى نصيحة السيدة الجليلة التي حذرتني اليوم من مقابلتك لأنك انسان لا اخلاقي ، لكن رغبتي في الحفاظ على وعد قطعته لأبيك منعني من الاستجابة لطلبها ، وصممت على القدوم لأكتشف
مع الأسف انها على حق ... نعم كانت على حق في كل ما قالته عنك . اختفى صفاء عينيه وراء غيوم الغضب وهو يقول :
- انني ارفض توظيف السكرتيرات الجميلات يا آنسة ، لأنهن يأتين الى هنا واحلام اصطيادي كزوج تملك خيالهن . فاذا كانت مثل هذه الافكار تداعب راسك ، فأرجو تناسيها لأنني اعشق حريتي وحياة العزوبية .
جن جنون دينا :
- اذا كنت تعتقد انك فارس احلامي يا سيدي فأنت مخطىء ، لأنني اهرب من اصحاب القامات القصيرة ، المنتفخين كالطبل ، ذوي لأشقر المائل الى الحمرة امثالك . فاطمئن . اكمئن وقر عينا . يا الهي ... يا الهي ... ماذا زرعت حتى احصد هذا كله ؟
تهلكت دينا على مقعد قريب ، وتركت ذكريات صباح مضى تتلاحق امام ناظريها : ( استخفت والدة راسل بي ، والقتني الأقدار على درب رجل متوحش اسمه انطوني براين هدم بمعول رفضه صرح آمالي واحلامي بحياة عملية ناجحة ، دون اي رحمة او شفقة . ترى ، ماذا تخبىء الساعات المقبلة لمسكينة مثلي ؟ انني خائفة .
مضت دقائق قبل ان تعاود دينا الوقوف قائلة :
- اقسم بالله العظيم ، انه لولا اعادتي السيطرة على اعصابي يا سيد مورغان ، لقذفتك بما يهشم وجهك ، وينسيك السخافات التي نطق بها لسانك . مساء الخير .
خرجت دينا من حجرة المكتب مسرعة ، لتصطدم بوجوه الموظفين في الحجرة الخارجية . تأملته عينا موظف او اثنين ، لكنها لم تكن في حالة تسمح لها بأن تعير ايا من الموجودين انتباها : ( كفوا عن النظر الي . اريد ان اخرج من هنا ... ساعدني يا رب ).
تجاهلت دينا المصعد وهبطت الدرجات بسرعة : ( لن اركب المصعد لئلا اضطر الى شكر الموظف امسؤول عن سلامة الركاب فيه ، فأنا لا اريد مخاطبة احد العاملين في مؤسسة يديرها انطوني مورغان ).
عندما وصلت الى اقسام بيع القفازات والسلع الصغيرة والجوارب ،
اجتازتها بسرعة البرق : ( اريد ان اخرج من هذا المكان ، وبودي لو ابتعد عنه بأسرع وقت ).
بحثت في الشارع عن سيارة اجرة ، وركبت اول سيارة صادفتها قائلة :
- خذني الى منطقة بيل نوز من فضللك .
- لك ما تريدين يا آنسة .
وصل انطوني مورغان الى الشارع بعد ركوبها السيارة بثوان .
حاول اللحاق بها ، لكن اعصابها المتوترة منعتها من رؤيته ، وبدأت السيارة مسيرتها عبر الشوارع المؤدية الى منطقة سكناها .
كانت دينا في تلك الأثناء تسعى لاطفاء سعير الغضب الممزوج بالألم في داخلها : ( لن يكون لدي الوقت الكافي لاخفاء عذابي عن خالتي كيت . هل احدثها عن الصفعة الأليمة التي وجهها الي السيد مورغان ؟ لن تصدقني حتما ، وستعتبرني المسؤولة عما حدث ، لأنني لم اعالج الأمور بهدوء وروية . ساحكي لها كل شيء . كل شيء ... وبأدق التفاصيل . يا الهي ... ذكريات هذا النهار التعس تحاصرني من جديد . ماذا افعل ... ؟ ماذا افعل ... ؟ ) .
فجأة سمع السائق صوتها :
- قف لي عند المنعطف ارجوك . اريد ان امضي بعض الوقت في الغابة القريبة من هنا .
استولت الحيرة على السائق : ( غريب امر هذه الانسة . عندما استقلت السيارة امام المؤسسة ، خيل الي انها تهرب من شيء ما ، وهاهي الآن تطلب مني انزالها لتمضي بعض الوقت في الغابة ، اف ... حسبي الله ونعم الوكيل من زبائن هذه الأيام ) .
دفعت دينا الأجرة المترتبة عليها ، ومشت عبر تقاطع شارعين حتى وصلت الى الطريق الترابية المؤدية الى غابة خضراء صغيرة . مشت الهوينا ، ودخلت البقعة الزمردية التي لم تغتالها بعد فأس الانسان : ( هنا في حضن الطبيعة ، وفي ظل هذه الأشجار الباسقة ، سأنسى همومي ، واطفىء جمرات غضبي قبل ان اعود الى البيت )
مشت دينا على مهل بين الأشجار المتعانقة ، الوارفة الظلال ، وتغلصت من اثقال الهموم ولآلام . وهي تصغي الى نجوى الطيور على الأغصان . قادتها خطواتها البطيئة الى ممر مفروش بالحصى ، كان صلة وصل بين دغلين متشابهين للغابة الصغيرة التي عبرتها : ( سأكمل سيري ، واترك حنان الطبيعة يغمرني اكثر واكثر) .
لكن صوتا ينضح بالرجولة منعها من تنفيذ ما عزمت عليه :
- ان المكان مناسب جدا لتهدئة الأعصاب يا لآنسة بريتشارد .
افزعها الصوت ، فاستدارت على عجل لتفاجأ بأنطوني براين مورغان يقف على بعد خطوات منها :
- ماذا تفعل هنا بحق السماء ؟
- ركبت سيارة اجرة ، وجئت بحثا عن الراحة مثلك .
تعالت ضربات قلبها : ( لماذا يلاحقني ؟ لاشك في انه هنا ليكمل تعذيبي بسياط غضبه ) .
قرأ انطوني مورغان افكارها فطمأنها :
- لا تقلقي يا آنسة بريتشارد ، فأنا هنا لأعتذر .
- ومن قال لك اني قلقة ؟ ولماذا اقلق يا سيد مورغان ؟
ارتسمت على ثغره ابتسامة ساخرة وهو يقول :
- سؤال وجيه يا آنسة بريتشارد .
توقفت ديتا في منتصف الممر ، واستدارت لمواجهته ، فسألها :
- الى اين تريدين متابعة المسير ؟
اجابته ببرود :
- لا اعرف . ولا يهمني ان اعرف .
- ان توتر الأعصلب يناسب ذوات الشعر الأحمر ، وانا شخصيا افضلك غارقة في خضم الغضب ... لا ... لا... ارجوك لا تفقدي السيطرة على اعصابك مرة اخرى ، وتذكري اني هنا للاعتذار .
- وما الذي تنوي الاعتذار عنه ؟
- اعتذر عن عدم التزامي حدود اللياقة معك ، وعن انني اشعلت نار غضبك بكلامي وتصرفاتي .
- اما انا فلست آسفة على أي شيء قلته او فعلته ، لأنني اكره الرجل المغرور .
- لست مغرورا يا آنسة ، لكن التجارب التي مررت بها مع السكرتيرات السابقات علمتني ان اكون حذرا ، هذا كل ما في الأمر.
- نظرة واحدة اليك تكفي لفضح غرورك يا سيدي .
- كيف تصفينني بالغرور ، وقد اكدت لي قبل دقائق انني لن اكون يوما الرجل المثالي لأية فتاة ؟ اتذكرين ؟ انا ذو الشعر الأشقر المائل الى الحمرة ، القصير القامة ، المنتفخ كالطبل ! فكيف يمكن لرجل بمثل هذه الأوصاف ان يغتر بنفسه ؟ لماذا لاتجيبيني ؟
- قرأت يوما ان اصحاب الشوار يميلون الى الغرور .
ضحك انطوني مورغان ملء شدقيه قبل ان يمسك بذراعها ويقول :
- مارأيك في ان نكمل مناقشتنا اثناء السير ؟
اطاعته دينا لمسافة قصيرة ثم توقفت فجأة ، وانتزعت ذراعها من قبضته قائلة :
- ما الذي يحدث ؟ انت تصدر الأوامر وانا انفذها ؟ شيءغريب عجيب . اذا كنت قد اتيت لتعتذر ، فقد قبلت اعتذارك . يمكنك الآن ان تعود الى المدينة ، وتتركني اعود الى البيت ، وكأن شيئا لم يكن . اما والدك فتستطيع اخباره ان العمل في الشركة لم يرق لي .
لديك شخصية غريبة ... غريبة فعلا .
- اهدئي يا آنسة بريتشارد ، واسمحي لي بأن اعرض عليك الوظيفة مرة اخرى .
- يبدو لي انك فقدت عقلك . من المستحيل ان اعود للعمل معك .
- لماذا ترفضين فكرة العودة بهذا الشكل القاطع ؟
على الغضب في اعماق دينا :
- كيف تجرؤ على سؤالي ؟ حسنا اذا ... اليك الجواب . انا لا احب العمل مع الرجال امثالك . افضل ان يكون مديري رجلا جادا ، لبقا ، مهذبا ، ومتقدما في السن تماما مثل والدك . لقد اخطأت عندم تصورتك نسخة مصغرة عنه ، لكن جل من لا يخطىء .
- وكيف اكون نسخة عنه ، وانا ابنه بالتبني يا آنسة ؟
عقدت المفاجأة لسان دينا ، وتركتها مغمضة العينين ، ثقيلة الأنفاس ، تبحث بجنون عن مخرج من مأزقها : ( يا الهي ماذا فعلت ؟ كيف سمحت للغضب بأن يسيطر علي الى هذا الحد ؟ صحيح ان لسان الانسان سيف ذو حدين . لقد قسوت على هذا الانسان .
قسوت عليه دون وعي مني . لكني لم اكن اعلم . لم اكن اعلم يا سيد مورغان ... صدقني . اغفر لي يا رب ... اغفر لي قسوتي وجهلي ) . وانسابت دموع الندم من عيني دينا حارة مدرارة ، صادقة .
تأملها انطوني مورغان لحظات قبل ان يعطيها منديله قائلا :
- كفكفي دموعك يا آنسة . كفكفيها . اتصدقين انها المرة الأولى التي المح فيها دموعا لمجرد تصريحي بأنني لقيط ؟ تأكدي انني لااجد داعيا للدموع ، فأنا مع شقيقي وشقيقتي نعتبر انفسنا من اللقطاء المحظوظين بوالدين مثل براين مورغان وزوجته ، فقد احاطونا منذ الصغر بكل الرعاية والعطف والعناية . اتعرفين انني كنت احمر الشعر ، وذا وجه مليء بالنمش عندما تبنياني ؟
سألته دينا بصوت مختنق :
- ام تكن عظام ركبتيك بارزة ايضا ؟
ضحك انطوني مورغان قائلا :
- لا ... برزت عظام الركبتين فيما بعد . يا الهي ... الهاني الحديث عن الخوض في الموضوع الأساسي الذي انا هنا في صدده .
متى يمكنك البدء بالعمل ؟ هل تفضلين الانتظار حتى يوم الاثنين المقبل ؟
- اعذرني يا سيدي ، فأنا لم اعد اعي اقوالي بعدما حدث .
- لا اطلب سوى موافقتك علىان تصبحي سكرتيرتي . ان ما حدث بيننا خلال دقائق يشجعني على معرفتك اكثر .
- سأقبل الوظيفة شرط ان تبقى العلاقة بيننا علاقة عمل يا سيد مورغان .
عادت الابتسامة الساخرة الى شفتيه وهو يقول :
- لك ما شئت يا آنسة بريتشارد .
- واريدك ان تطمئن يا سيدي الى ان قلبي مشغول بحب انسان
رائع .
- عظيم ... عظيم ... اين الخاتم الذي يثبت ذلك ؟
- تأكد انني لم اخلعه للحصول على اوظيفة عندك . لكننا بعد اجتماعنا في لندن قررنا ، انا وحبيبي ، التريث لمدة ستة اشهر ، آتي خلالها الى هنا ، وامتحن قدراتي على معايشة المحيط النيوزلندي ، قبل اعلان أي ارتباط رسمي بيننا ، وقد وافقت والدته وخالتي على قرارنا .
- لم اتوقع مثل هذا التروي والتعقل من انسانة ذات شعر احمر ، كانت هذا الصباح مثالا حيا للاندفاع ، وعدم القدرة على ضبط النفس . لكن ما شأني بطريقة ادارتك لدفة حياتك الخاصة ؟ اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب في مثل هذه المواضيع .
تاهت دينا في بحر عيني : ( سأثبت لك يا سيد مورغان انني انسانة مختلفة ، وسكرتيرة نا جحة ، وسأبذل اقصى الجهود لأغير انطباعك الأول عني . من اين لك ان تفهم يا سيدي ؟ من اين لك ان تفهم ان براكين الغضب التي تفجرت اليوم ماهي الا محاولة لكسر قيود اسمها الأمل بمستقبل باهر ، والرغبة في الاستقرار ، حاولت من خلالها تنظيم حياتي ، لكن ... لا ... لا يمكنني ان انجرف مع هذا التيار من الأفكار . يجب ان انسى . عليان انسى ) .
وافقت دينا على تسلم الوظيفة ، فأطلعها انطوني مورغان على ساعات الدوام الرسمي ، وذكر لها الساعات الاضافية التي قد تضطرها للعمل في امسيات ايام الجمعة وعندما وصلا الى الطريق العام اسرعت دينا الى القول :
- اعتقد ان سيل مناقشاتنا يجب ان يتوقف ، وافضل ان اعود الى البيت وحدي . اشكر لك صحبتك .
- لايمكنني ان اتركك تجتازين الدغل بمفردك .
- لست طفلة صغيرة يا سيدي ، واصر على العودة وحدي .
- آه ... فهمت ، انت لاتريدين الظهور برفقة رجل لااخلاقي ، اليس هذا مانعتني به هذا الصباح ؟
- ارجوك دعنا نلتزم حدود المدير والموظفة ، وننسى ما حدث هذا الصباح .
- معك حق . اعتذر لكنني اصر على مرافقتك عبر الدغل .
تضايقت دينا : ( انك انسان ملحاح ، وتعرف كيف تصل الى ما تريد يا سيد انطوني . ليتني ما عرفتك ) .
رافقته حتى المنعطف ، ثم توقفت وقالت بعناد :
- اعتقد ان رؤية خالتي ترسم هناك على الشرفة ، اكبر داع للاطمئنان ، وانا لا اريدها ان ترانا سوية ، لأنني احب الفصل بين العملية والخاصة . لذلك كله ، ارجوك اذهب .
-لك ما تريدين يا آنسة بريتشارد . سأختفي من امامك في الحال ،
آملا ان نلتقي يوم الخميس في التاسعة صباحا . على فكرة ، انا من الذين يحبون المحافظة على على المواعيد . مع السلامة .
ردت دينا تحيته باقتضاب ، وسارت متجهة نحو البيت .
بقيت اصداء المقابلة تتردد في حنايا دين رغم اطلالة يوم جديد :
( ان جمر الكلمات التي احرقت بها انطوني مورغان البارحة ، كانت وسيلتي الوحيدة للتعبير عن ثورتي على حماتي ، ومن رفضي للطريقة التي عاملتني بها اثناء الزيارة ، وكأنها نسيت انني سأصبح قريبا زوجة لابنها ).
زارهم راسل مع والدته يوم الأربعاء ، ولاحظت دينا ان السيدة مليغروف كانت مثلا يحتذى بطيب معشرها طوال الزيارة : ( ان لطف حماتي ينثر في قلبي بذور الأمل بمستقبل مشرق مع راسل . لابد انه نبهها الى ضرورة تحسين معاملتها معي . لذلك ، ابدت اليوم اعجابها بخالتي وبالبيت الذي نسكنه . اما خالتي كيت فلم تشب تصرفاتها شائبة ، واظهرت كل الامتنان للسيدة مليغروف عندما وعدتها حماتي بتنسيق باقة من الورود البيضاء خصيصا لها لترسمها ) .
شكرت دينا خالتها بعد رحيل الضيفين :
- كنت مضيفة رائعة يا خالتي ، شكرا لك .
- لا شكر على واجب يا ابنتي . دينا . اتذكرين ذلك الكتاب الذي كانت بطلته لقيطة متبناة ؟
- نعم اذكره .
- هل تذكرين منه الفصل الذي اجتمعت فيه البطلة بانسانة تكرهها؟
- يصعب علي تذكر التفاصيل ، لماذا ؟
- ما زلت احفظ بعضا من وصفها لذلك الاجتماع ، واذكر احساسها بأن اروع الكلام بينهما كان يتحول الى جماد بمجرد التفوه به .
فهمت دينا ما تعنيه خالتها ، وقهقهت المرأتن ضاحكتين.
حاولت الخالة كيت بعد ذلك تناسي احساسها وقالت :
- قد تتغير نظرتي اليها اذا عرفتها اكثر ، لكنها في الحقيقة تختلف اختلافا تاما عن السيدة براين مورغان التي تركت في نفسي اطيب الأثرمنذ اللحظات الأولى للقائنا .
اشرقت شمس يوم الخميس ، ونزلت دينا لتناول الفطور مع خالتها بعدما ارتدت قميصا ابيض ، ولبست فوقه ثوبا اسود بلا اكمام .
استغربت خالتها :
- ما هذه الألوان القاتمة يا دينا ؟ انها لا تناسبك اطلاقا .
- لكنها تناسب مزاجي يا خالتي ، ثم ان الموظفة الجادة يجب ان تبتعد عن الألوان الفاقعة واملابس الملفتة للنظر .
- من الرائع ان يستيقظ الانسان على درس في الفلسفة . ما الذي حدث يا دينا ؟ اخبريني.
- عادت بي الذكريات الى المرة الأولى التي استلمت فيها وظيفة ، وتذكرت رعونة ابن المدير آنذاك .
- اتعنين ان ابن براين مورغان ارعن ، ولا يشبه اباه في شيء ؟ لا
يمكنني تصديق هذا .
- مديري الجديد لا يشبه اباه ، لأنه ابنه بالتبني .
- من قال لك هذا ؟ ابوه ؟ امه ؟ ثم لماذا لم تخبريني من قبل ؟
- صرح لي بذلك بنفسه .
- معنى هذا انه وثق بك ، واراد التقرب منك .
- ليس الأمر كما تتصورين يا خالتي ، لقد اخطأت ، وكان من نتائج خطأي ان صرح لي بذلك .
- وهل شعر بالندم في ما بعد ؟
- لا ... ابدا .
- ان بعض الآباء يحبون ابنائهم بالتبني حبا حقيقيا ، ويتفوقون في ذلك على الكثير من الآباء الحقيقين .
ضحكت دينا قائلة :
- اتمنى سماع رد والة راسل على مثل هذا الكلام .
- رغم انني لا اعرف السيد انطوني براين مورغان ، الا انه بدأ يعجبني . صدق من قال ان الأذن تعشق قبل القلب احيانا .
ازعج الكلام دينا :
- لن اسمح لك بدعوته الى بيتنا لمجرد اننا التقينا والديه في كندا يا خالتي .
- لكنني وعدتهما بزيارة ودية بعد عودتهما من رحلتهما السياحية .
- حتى ذلك الحين يخلق الله ما لا تعلمون .
- استحلفك بالله ... الست معجبة به ؟
- لا افضل امثاله من الرجال ، وقد قبلت الوظيفة عنده لئلا ابقى بلا عمل .
وفضلت الخالة الصمت

روايــات ؏ـبـــيــر / الدخــانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن