بعيداً عن كل ذلك الشغب والضجيج في المدينة، كان سيث يحظى بفترة سلام داخلي في الريف وهو يمارس اليوجا بهدوء في كوخ صغير داخل غابة هادئة. كانت الفترة السابقة صاخبة جداً بالنسبة له، وكان مشغول الذهن دوماً فيها. أصبحت عيناه الرماديتان الشبيهتان بنجمتين متلألئتين غائرتين في محجريهما، وأصبح شاحب الوجه متجهماً على الدوام. لا يأكل إلا قليلاً و يسهر الليل بطوله أمام حاسبه المحمول. كان يغفو أحياناً وهو في حالته تلك متسمر أمام الشاشة، لكنه سرعان ما يصحو ويكمل ما كان يفعله.
بدأت حكايته في السادس والعشرين من أبريل في السنة الماضية. كان يوماً ربيعياً هادئاً ومشمساً. نهض سيث مبكراً ذلك اليوم وحاول أن يتناسى أحداث الليلة الماضية وطرده من عمله بسبب قيامه باختراق حساب أحد الإداريين في الشركة التي عمل فيها والذي كان فاسداً وسارقاً على حد قول سيث. حاول التخلص من تلك الأفكار وبدأ يستعد لتمضية يومه في رحلة هادئة مع عشيقته هنرييتا قرب النهر، لكن يبدو أن كل شيء كان ضده تلك الفترة. سمع طرق باب قوياً وحين فتح وجد الشرطة هناك. انتهى به المطاف في السجن، بطريقة لا يعلمها.
قضى عدة أشهر في السجن أتى بعدها شقيقه التوأم سيدريك إلى المدينة -والذي كان في رحلة عمل بأفريقيا ودفع كفالة خروجه من السجن. علم بعد ذلك أن عشيقته قد تركته.
عاد إلى منزله عازما على الانتقام بالرغم من محاولات أخيه في ثنيه عن إصراره لكن هيهات، كان الكيل قد طفح به. قبل أسبوع واحد فقط كان قد اخترق الحساب البنكي للشركة ووزع قسماً كبيراً من ثروتها بشكل عشوائي لأناس لا يعرفهم، والأهم من هذا أن لا أحد يستطيع إثبات أن سيث هو الفاعل. وهاهو الآن في فترة نقاهة أجبره على أخذها توأمه سيدريك قي منزل العائلة القديم في الريف. فترة بعيدة عن حواسيبه وهواتفه الذكية وعن كل شيء متعلق بالتكنولوجيا التي أفقدته عقله. لم يأخذ معه غير هاتف قديم لأي حالة طوارئ. في البداية كان الوضع لا يطاق ولكنه اعتاد الأمر لاحقاً وأحبه.
شارداً نحو السماء كان، يتأمل الغروب بذهن هادئ بعد أن أنهى ممارسة تمارينه. علمته هذه الفترة الكثير وجعلته أقرب إلى نفسه. فكر في كم سيكون رائعاً الرجوع إلى أجهزته العزيزة، لكنه في داخله حقاً رغب بوقت أطول في هذا المكان. ربما أبقى أسبوعاً آخر أو أسبوعين، ثم أبدأ عملي الدوام في عملي الجديد.
لا يستطيع أحد لومه، فالريف كان مكاناً هادئاً ومحبباً.واصل تحديقه نحو السماء بهدوء قطعه صوت رنين ضعيف، عرف بعد وهلة من التفكير أنه الهاتف الصغير. قام من مكانه وأخذ الهاتف الموضوع على المنضدة بجانب مفاتيح سيارته ثم أجاب على المتصل، الذي كان أخوه سيدريك.
"ألو؟" قال بغرابة فهو لم يسمع صوته منذ أسبوع كامل. بدت نبرته غريبة عليه.
"سيث! حمداً لله أنك بخير". قال سيدريك لاهثاً بينما عقد سيث حاجيه في استغراب. خلف صوت أخيه كان يستمع لكل ذلك الضجيج.
"وهل هناك شيء يدعوك لأن تعتقد أنني لست بخير؟" قال سيث محاولاً أن يتبين أي كلمة من الضجيج في الهاتف.
"أمر فظيع يحدث. نحن لم نعرف بعد ما هو لكنه كابوس عظيم يهدد العالم. وباء جديد بدأ الانتشار بسرعة فائقة!" رد سيدريك واستطاع سيث تمييز نبرة الذعر والارتباك في صوته.
"ماهو نوعه؟"
"لم نعرف بعد. إنه شيء معقد، شيء لم نر مثله قبلاً. أنا وخمسون عالماً من نخبة علماء هذا العصر لا نعرف عنه شيئاً! هل تستطيع استيعاب هذا!" حاول سيث تخيل ما قد يكون هذا الشيء المنتشر وحاول استيعاب أن أخاه -وهو طبيب وعالم أحياء- لم يستطع تشخيص وباء جديد مع كل انجازاته المذهلة.
"نحن نحتاجك معنا هنا. تعال الآن إلى المركز سريعاً، وتذكر إغلاق جميع النوافذ بشكل محكم. كن بخير". قال سيدريك سريعاً ثم انهى الاتصال. وبالرغم من حيرة سيث إلا أنه ركب سيارته بعد أن جمع حاجياته بسرعة من المنزل متوجهاً إلى المركز، وهو يفكر بما قد يجعل مجموعة علماء في الأحياء والطب بحاجة إلى قرصان مخترق وعبقري حواسب.
***
أنت تقرأ
Hero - بطل
Science Fictionأدرك في لحظة أن كل شيء سيموت. سينتهي كل أولئك الناس وستنتهي معهم أحلامهم الصغيرة وتفاصيل حيواتهم. كل شيء سينتهي إن لم يكن هو البطل.