part 3

82 5 5
                                    

كنت ادور في منعطف عندما لمحت مشهدا يجري في  سرداب له نافذة تطل على الرصيف. لم تكن للنافذة ستائر، وقد فاض منها ضوء شديد ألقى على الطريق ظلا طويلا للقضبان الحديدية التي في النافذة . لم استطيع ان اشيح بوجهي عما يجري في الداخل، لان المنظر هاجم عيني بالرغم مني . فقد رأيت رجلا في قميصه _ لا يربو على الثلاثين بكثير _ يحزم ثيابا في حقيبة مفتوحة على سرير حديدي ،وامرأة كبيرة السن_لعلها امه_ ترجوه بضراعة ان يبقى (او هذا ما استنتجته) ، بينما وقف في ركن الغرفة رجلان آخران يصرخان به ان اذهب الى حيث ألقت! وكان على الارض صحون مهشمة  وقطة سوداء صغيرة تنظر في حيرة الى الرجل الذي يحتزم الثياب.  وعندما ابتعدت عن النافذة ، كانت صرخاتهم  الغضبى التي لا تزال تملاء الشارع فيتردد لها صدى اجوف بين المنازل الحجرية الكبيرة المغمورة في الظلام .

لم يكن منظر كذلك غريبا علي . فقد حظرت مشاهد لا تحصى من الشجار فياضة بالشتائم واللطمات . فلربما اندلعت ام، في نوبة من الغضب، وهاجمت ابنها بحذائها في شراسة الذئب ، او انطلق الجيران  في عراك  ارعن يجمع في قبضته الاولاد والبنات، وما  السبب الا مرحاض قذر سودته العناكب بنسيجها. كنت اعرف المدينة من الداخل والخارج ، بل انني قبل اخلص من شبكة الفقر الذي عانته عائلتي منذ قرون،  كنت قد اشتركت في عدد كبير من معارك المدينة وشممت جزءا سخيا من نتنتها. ولكنني عرفت ايضا افراحها اللاشعورية وضحكاتها السوقية الصاخبة. اما في بيت صاحب المتجر، كان علي ان اخوض مشهدا من القبح الاشمئزاز لم اعرف مثلهما في الأحياء الفقيرة.

صراخ في ليل طويلWhere stories live. Discover now