قبل أن أبدأ أشكر authoryourina على مساعدتي في تصميم الغلافكان يعبُر الطريق الجانبيَّ المؤدي إلى عُشه الصغير ، أو هكذا أسماه.. و يتساءل لمَ القمر يبدو مضيئاً بشدة ؟ هل يحاول استنزاف ضوء الشمس بكلّ ما أوتيَ من عتمه ؟ أو هل ستبدو الشمس أقل إشراقاً حين تسطع غداً ؟!
في خِضم التساؤلات التي أغفلتهُ عمّا حوله ، عبرت من أمامه فراشةٌ زرقاء اللون ، لها وهج فضيٌّ يشكّل هالةً مضيئةً حولها .. بدت كقمرٍ مصغرٍ فضؤها كان قويّاً بالنسبة لـ فراشه
بدى موهوماً جداً بها ، فقرر اللحاق بها و نسيَ أن يأخذ معه خارطةً تقوده إلى هنا ، فما أدركَ أن هذا الجمال النادرَ يحمل في طيّاته جحيماً لا يُوصف!
| باريس ، الرابع عشر من فبراير، الألفيّة الأولى بعد الميلاد |
صباحُ النسوةِ اللاتي يتبادلن الأحاديث المبتذلةَ ، يسترقن السمع و النظر إلى جاراتهنّ خلسةً ... صباحُ المخذولين الذين لم تترك لهم الحياة نصيبهم من الرّغيف ؛ فيتخبطون بين جدرانها بحثاً عن فتات الخبز! ..
صباحُ فتاةٍ تودّع شقيقها الأصغر على عتبةِ منزلٍ ليس من المنازل في شيءٍ ، فيردُّ على وداعها بتلويحةٍ في محاولةٍ منه لإخبارها أنه لن يتأخر و سيعود قُبيل الغروب! صباحٌ خائِب آخر لكلٍ المنبوذين على هامِش الحياة !
في أحد الأحياء التي تفوح منها رائحة الفقر فتنتشر كوباءٍ قاتل.. كان نصيبهم من الضوء مقدراً ، فنثرت الشمس خيوطها الذهبيّة لهم كما تفعل مع الأحياء الراقية ... كان على أحدهم انتظار الشروقِ حتى يهرع إلى عمله فلقمة العيش لا تنتظر!
هيئة رثّة ، بنطال رماديّ مرّقع بقطعِ قماشٍ ذات لونٍ بنيّ ، قميص أبيض اللون يعلوه معطفٌ ذو لونٍ أسودَ باهت ، و حذاءٌ مهترئ يكمّل الصورة فيجعله يبدو فقيراً للناظرين !
شعرٌ أسود كقطعٍ من ليليل مظلم ، عينان ذواتا لونٍ أخضر يحكي معاناة صاحبه ، أما ذاك السواد الذي يعانق أسفل جفنيه فلم يكن سوى شاهدٍ آخر على تلك المعاناة !!
توقّف أمام محلٍ صغير موصد ، مصنوعٌ من خشبٍ لا بأس به... أخرجَ من جيبه ما يبدو كمفتاحٍ له ، ثم وضعه في ثقب الباب ليُفتح.. بدأ يَرصّ بضاعته و التي كانت عبارةً عن خبزٍ فرنسي و بعض الفاكهة كالتّفاح و الموز
تزدحم الشوراع بالمارة محملين بأكياسٍ ثقيلة ، فالكل يتبضع و يشتري ما يحتاج و ما لا يحتاج إليه... مازال ينتظر أن يقترب أحدٌ منه ليشتريَ من بضاعته المتواضعة حتى اقتربَ طفلٌ في السابعةِ من العُمر
كانت عسليّتاه تمتلكان من البراءةِ ما يكفي ليوزّع على أهل الأرض كافّة أو يزيدون !! .. اختلس النظر إلى تّفاحة ياقوتية و هو يصارع الجوع بضراوةٍ ، و في لحظةٍ غاب عن الصراع و انجذب إلى تفاحه ، انتهز فيها الجوع الفرصةَ فتمرد على سجّانه ليحل محلّه
كان يرقُبه منذ البداية ، علّه يبتاع منه شيئاً رغم أن مظهره الفقير لا يختلف كثيراً عن صاحب المحل !
- " هل سيأخذ هذا الفتى شيئاً أم ماذا ؟ "
حديثُ نفسه التي لم تقتنع بأن هذا الفتى قد يشتري شيئاً .
كانت وهلةً واحدة ، تطلب الأمر أن يغفلَ الفتى لوهلةٍ حتى ينتشل ذاك الصبيّ التفاحة و يلوذ بالفرار .. كان يحتضنها بين ذراعيه و يهرول بكلّ ما أوتيَ من قوّة ، إلا أن الآخر لن يدعه يفلت من قبضته فصار يُلاحقه و هو يصرخ قائلاً :
- " هي أيها الوغد الصغير ، توقف "
ابتعد الصغير عن زحمة السوق و هو يهرب إلى مكانٍ غير معلوم.. إلا أن قدماه لم تسعفاه أكثر من ذلك فتباطأت سرعته مما سمح للآخر باللحاق به
أمسك بطرف قميصه فسقط الصبي على وجهه و مازال يحتضن التفاحة بين يديه كأنها كنز اللصوص الذي وجده علي بابا! أو مصباحُ علاء الدّين الذي يحقق الأمنيات أو ربما شيئاً لا يمكن للكلمات أن تُعبّر عنه
تلاقت عسليّتاه مع عشبيّة الشاب الذي يطارده ، و رغم أن هاتين العينين حاولتا أن تشفعا لصاحبها إلّا أنها لم تجد سوى الرفض من الطرف الآخر!
انتزع الشاب التفاحة من أحضان الصبي و هو يرمقه بنظرات الإحتقار ... أما الطفل فقد بدى كمن أُعطيَ الأمل ثم سُلِبَ منه بكل برود ! تزاحمت الدموع في مقلتيه واحدةً تدفع واحِدة ثم انهمرت أخيراً بعد أن أطلقَ سراحها
إلتفت الشاب إلى الجهة المقابلة ، تاركاً خلفه الطفل ملقىً على الأرض باكيا .. إلتف إليه ثم رمقه بنظراتٍ غاضبة
جلسَ الصبي و صار يكفكف دموعه براحةِ يده و يقول من بين عبراته:
- " أرجوك سيّدي ، لم أتناول شيئًا منذ يومين "
- " هذا ليس من شأني!! إن كنت تريدها فعليك إمتلاك المال حتى تشتريها "قالها الشّاب ثائراً كالبركان بعد أن استفزته تلك النظرات التي تحاول بكل ما أوتيت من براءةٍ أن تلين قلبه.. إزداد بكاء الصبيّ لسبب يجهله و صار صوته الصاخب مزعجاً جداً لطبلةِ أذنه.
قرر أن يرحلَ فقد استعاد بضاعته الثمينة التي كل سلعةٍ منها تمثل عملةً نقدية كافية بإخراجه من شباك الفقر و توصله إلى النعيم!
كيف كانت البداية حتى الأن ؟
هل أخذتم انطباعاً عاماً عن شخصية الشاب ؟
هل تعاطفتم مع الطفل أم لا ؟ و كيف كان وصف عينيه ؟
كيف كان السرد و الأسلوب ؟ هل راق لكم ؟أعتذر عن قِصر المقدمة و لكن الأجزاء القادمة ستكون أطول بإذن الله
إن أعجبتكم القصة فلا تنسوا التصويت و التعليق

أنت تقرأ
فراشاتُ الموت !!
Terrorلقد فهمتُ الآن ما كنتُ أعجز عن فهمه سابقاً .. ما يجب أن أخاف منه ، ليس ما لا أملك أو مالا أُحب!! بل كانت تلك الأمور التي أحبها ، و أملكها.. تلك التي تأخُذني من ذاتي.. فأصبح شخصاً لا أعرفه هل كُنت يوماً تعتقد أنك ستقع بالمتاعب جرّاء اللهث وراء ما...